محافظ أسيوط: حصاد 103 آلاف فدان قمح وتوريد 63 ألف طن للشون والصوامع حتى الآن    محافظ قنا يتابع سير العمل بمزرعة النخيل والصوبات الزراعية    محافظ المنيا يوجه بتنظيم حملات لتطهير الترع والمجاري المائية    النائب محمد الرشيدي: تهديدات الاحتلال الإسرائيلي باجتياح رفح ستسفر عن نتائج كارثية    عزت الرشق: أي عملية عسكرية في رفح ستضع المفاوضات في مهب الريح    كريم شحاتة يتقدم باستقالته من منصبه مع فريق البنك الأهلي    نجم ميلان يحسم موقفه من الانتقال للدوري السعودي    محافظ مطروح يشهد فعاليات النسخة الأخيرة لبرنامج شباب المحافظات الحدودية    بالصور - تتويج زياد السيسي بالذهبية التاريخية في بطولة الجائزة الكبرى للسلاح    بالصور.. تهشم سيارة مطرب المهرجانات عصام صاصا في حادث اصطدام شاب ووفاته أعلى دائري المنيب    مصرع شخصين وإصابة 3 في حادث سيارة ملاكي ودراجة نارية بالوادي الجديد    "فاصل من اللحظات اللذيذة" يعود مرة أخرى للارتفاع ويحقق مليون و500 ألف    بعد إصابته بالسرطان.. نانسي عجرم توجه رسالة ل محمد عبده    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    أحمد إمام يفوز بعضوية مجلس إدارة الاتحاد المصري لتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة    التعليم تعلن تعليمات عقد الامتحانات الإلكترونية للصفين الأول والثاني الثانوي    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث بالوادي الجديد    وزير الأوقاف يجتمع بمديري المديريات ويوجه بمتابعة جميع الأنشطة الدعوية والقرآنية    الري تفتح الحدائق والمزارات أمام المواطنين في احتفالات شم النسيم    نزوح أكثر من ألف أسرة بسبب الفيضانات في أفغانستان    6 مشروبات مهمة يجب تناولها عقب وجبة الرنجة والفسيخ في شم النسيم    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    معهد أمراض العيون: استقبال 31 ألف مريض وإجراء 7955 عملية خلال العام الماضي    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    «الصحة»: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 37 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    أسهلها الدفع أونلاين.. تعرف على طرق حجز تذاكر القطارات لكافة المحافظات (تفاصيل)    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    5 ملفات تصدرت زيارة وفد العاملين بالنيابات والمحاكم إلى أنقرة    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    مفاجأة.. فيلم نادر للفنان عمر الشريف في مهرجان الغردقة لسينما الشباب    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    زيادة قوائم المُحكمين.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    ماكرون يطالب نتنياهو بعدم اقتحام رفح الفلسطينية وإدخال المساعدات إلى غزة    "دور المرأة في بناء الوعي".. موعد ومحاور المؤتمر الدول الأول للواعظات    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    إزالة 164 إعلان مخالف وتقنين 58 آخرين بكفر الشيخ    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    قصف روسي على أوكرانيا يتسبب في انقطاع الكهرباء عن سومي وخاركيف    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    "احنا مش بتوع كونفدرالية".. ميدو يفتح النار على جوميز ويطالبه بارتداء قناع السويسري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصل الثانى
نشر في اليوم السابع يوم 24 - 06 - 2008


◄دور الرسول
◄نصيرًا للمرأة وداعيا للحب والجمال
لما كان القرآن الكريم قد جاء برسالة إنصاف المرأة وتحريرها من القيود والأغلال والأفكار الجاهلية السقيمة ، فليس غريبًا أن يصطفي الله محمدًا علية الصلاة والسلام لكي يبلغ هذه الرسالة .
ذلك أن الرسول كان مؤهلاً نفسيًا للقيام بهذه المهمة .
فقد ولد يتيمًا ، فقامت أمه على تربيته ، وعهدت به إلى حليمة السعدية لترضعه في البادية الحرة وليلتقط العربية الفصيحة ، ولم تكد تعود به إلى أمه طفلا يبدأ الخطو حتى توفيت أمه، فتولته حاضنته الأمينة المخلصة أم أيمن فعاش طوال طفولته بين أحضان النساء. ولما شب وضع الله تعالى في طريقة السيدة خديجة التي جعلتها فراستها الصادقة تفضله على غيره ممن كان أكثر مالاً وأقرب نسبًا ، وفي خديجة وجد الرسول الأمن والأمان فلما جاءه الوحي وعاد إليها ملتاعًا تلقته بين ساعديها وأعادت إليه الثقة وأسلمت معه .
وعندما بدأت الدعوة بادر كثير من النساء بالإيمان بها وتحملن العذاب الأليم ، وإذا كانت خديجة هي أول نفس أمنت ، فإن سمية هي أول نفس استشهدت هذه الصلة الوثيقة للرسول بالمرأة أما وحاضنة ، ثم زوجه وراعية ، ثم مؤمنة مضحية ، ولمسة ما فيها من حب وحنان وتضحية وإخلاص تركت في نفسه أثرًا عميقًا وغرست الفكرة الطيبة الكريمة عن المرأة وانعكس ذلك على سلوكياته وتصرفاته واتجاهه العام نصيرًا لها وداعيا لحقوقها ومنددًا بكل ظلم أو اضطهاد يلحق بها .
من هنا نفهم كيف يقول هذا الرسول الذي بعث لأقوام يفخرون بالرجل ويستعرون من المرأة (أنا ابن العواتك من سليم) (1) ، وكيف يقول (النساء شقائق الرجال) ؟ وكيف يقول (ما أكرمهن إلا كريم وما أبغضهن إلا لئيم) ويقول (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) ، وكيف كان وهو الرسول العظيم في محبة أهله ، وكيف كان يقوم عندما تدخل عليه ابنته فاطمة ويعانقها ويقبل رأسها ويأخذ بيدها ويجلسها وكيف يثني ركبته لتركب صفية ناقتها وكيف كان يبسط رداءه لمن يأتيه من كرائم النساء وكانت آخر كلماته (استوصوا بالنساء) .
كان على الرسول  أن يعمل لتطبيق المبادئ التي أرساها القرآن والتي في الوقت نفسه تتجاوب تماما مع اتجاهاته ، وشمل هذا الدور ثلاثة مجالات هي :
أولاً : مناصرة المرأة بوجه عام .
ثانيًا : غرس بذرة الحب في المجتمع العربي الجافي .
وثالثًا : وأخيرًا تنمية حاسة الجمال .
وسنشير إلى دور الرسول في كل مجال من هذه المجالات الثلاثة :
(1)فالرسول كان نصيرًا للمرأة في كل حالاتها أما ، وزوجة ، وإنسانًا حاميًا لحقوقها في الزواج والطلاق وحريتها في ممارسة ما تتطلبه ظروفها من نشاط .
وكان الرسول شديد التقدير للمرأة كأم ، ومن ذا يستطيع أن تقول كما قال (الجنة تحت أقدام الأمهات) (2) .
ورد الذي جاءه ليشارك في الغزو عندما سأله (هل لك من أم) ، فقال نعم قال (فالزمها فإن الجنة عند قدميها) .
وفضل الرسول البر بالأمهات على البر بالآباء ، وقال لمن سأله عن أحق الناس بحسن الصحبة قال : أمك فلما قال ثم من ؟ قال: أمك فلما قال للمرة الثالثة : ثم من ؟ قال : أمك .. فلما قال أخيرًا ثم من ؟ قال : أبوك .
وروى البراز أن رجلاً كان بالطواف حاملا أمة يطوف بها ، فسأل النبي هل أديت حقها : قال لا ، ولا بزفرة واحدة ، أي من زفرات الطلق والوضع .. الخ .
ومد واجب البر بالأم إلى الخالة "فعندما جاء رجل إلى النبي فقال : إني أذنبت فهل لي من توبة ؟ قال هل لك من أم ؟ قال : لا . قال : فهل لك من خالة ؟ قال : نعم قال فبرها" .
وأوصي أسماء بنت أبي بكر أن تصل أمها المشركة وقتئذ عندما قدمت عليها .
وكان يقدر المرأة كزوجة ، ويفهم ماذا تنتظر الزوجة من زوجها ، بحيث لا يخجل من التصريح بحبها ، كما كان يفعل على الملأ(1) ، عندما يسأل عن أحب الناس إليه فيقول : (عائشة) وكيف يشاركها الهموم والمسرات والمداعبات ، فيسابقها وتسابقه ، ويتيح لها حقها من اللهو ، فيقف لها لكي تشاهد لعب الحبشة ، ولا يتحرك حتى أكون أنا التي أنصرف فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو (عائشة في البخاري والإمام أحمد) وكيف كان يتسامح مع بعض تصرفات زوجته لأنه يعلم عمق غيره المرأة على زوجها وما تحملها عليه ، بل إنه كان يبتغي مرضاة زوجاته إلى درجة عاتية عليها القرآن "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ" .
وكيف ظل إلى النهاية حافظًا لعهد خديجة مقرًا بفضلها مرحبًا بكل من يأتيه من صديقاتها القدامى (إنها كانت تأتينا أيام خديجة ..) .
وكان الرسول  صلبًا وقطعًا في أن لا تتزوج المرأة إلا بإذنها بكرًا أو ثيبًا ، وحفظت لنا المراجع عديدًا من الحالات رد فيها الرسول  زيجات أرغمت فيها المرأة على الزواج بمن لا تهواه .
وثمة مثال يوضح مدى تقدير الرسول  للمرأة كمواطن هو أن تجير المرأة مشركًا ، فيقر ذلك ، وقد حدث هذا في حالتين أولاهما عندما أجارت أم هانئ بنت أبي طالب اثنين من المشركين من أحمائها أراد أخوها علي قتلهما والثانية عندما أجارت زينب بنت الرسول  زوجها أبا العاص الذي كان لا يزال مشركًا .
(2)وقد يتفهم البعض أن يكون الرسول  نصيرًا للمرأة ، فالمرأة هي نصف المجتمع وقد تعرضت لظلم شديد وتحامل في الجاهلية ، أما ما قد يعسر عليهم فهمه فهو أن يكون الرسول  داعية للحب والجمال ، ولكن الحقيقة هي أن كل نصير حقيقي للمرأة لا بد أن يكون داعية للحب والجمال لأن المرأة في مظهرها هي تمثال الجمال وفي فطرتها نبع الحب والحنان وهذان هما ما يميزاها عن الرجل الذي قد يكون رمزًا للقوة والخشونة .. الخ ، ونقطع بأن الرسول  كان لدية حاسة جمالية مرهفة تكونت من نشأته التي لعبت المرأة فيها الدور الأول ، وهناك عدد كبير من الشواهد لعل أبرزها الحديث المأثور عن الزوجة المثلي وأنها هي التي إذا نظر إليها (أي زوجها) (سرته) ، فهذه الصفة التي منحت الأولوية بين الصفات المحبوبة تنم عن حب وتقدير للجمال لأن ما يسر الإنسان في المرأة عند النظر هو الجمال ، وقد يجد فيها عندما تتوثق علاقته بها ما يسره غير الجمال ، أما عند النظر فإن الجمال هو المقصود .
وتأمل مثلاً هذا الشاهد الذي جاء في الإصابة (لما فتحت مكة قال سعد بن عبادة ما رأينا من نساء قريش ما كان يذكر من جمالهن فقال له النبي هل رأيت بنات أبي أمية بن المغيرة ؟ هل رأيت قريبه(1) ؟
(3)أما الحب فلا شك أنه أعلى درجة للفهم والقرب وهو مفتاح الخير والبناء والإيمان والمشاركات وحسبه شرفًا أن تتردد الآيات في القرآن (إن الله يحب) ونقيض الحب وهو الكره والعداوة والبغضاء ، مدخل شر وهدم ، وتنافر ، والحب جزء لا يتجزأ من فطرة المرأة بوجه خاص ، لأنه لولا حب المرأة لوليدها حبًا قد يفوق حبها لنفسها أو لأي شيء آخر ، لما أمكن للوليد الضعيف أن يتغلب على صعوبات الحياة وقسوتها ، ومن ثم اقترن الحب بالمرأة ، وأصبح كل نصير للمرأة نصيرًا للحب . وأعتقد أن الشخصيات العظيمة لا بد أن تكون مناصرة للمرأة داعية إلى الحب والجمال وأي شيء أعظم من العدل الذي تقوم عليه مناصرة المرأة أو نبل من الحب أو أكثر تأثيرًا من الجمال .
إن توفر ذلك وعمق الإحساس به هو من مكونات الشخصيات العظيمة ، ليس فحسب لمزاياها الإيجابية ، ولكن أيضًا لأن هذا يعني البعد كل البعد عن الظلم ، والقبح ، والبغضاء .
وكان دور الرسول  صعبًا لغاية في غرس بذرة الحب في المجتمع العربي الجاهلي ذي التقاليد الجافية ، والتي يندر فيها أن يقبل الأب أبناءه أو يشارك زوجته المحبة ، وسلك الرسول  في هذا السبيل وسائل عدة منها أنه أكد حق المرشحة للزواج في القبول أو الرفض واستبعد كل إجبار للفتاة على الزواج بناء على رغبة أبيها أو أمها أو ملاحظة لاعتبارات مادية أو قبيلية ، وعندما يكون للفتاة حق القبول أو الرفض ، فبداهة أنها لن تقبل الزواج من رجل لا تنتظر منه حبًا ، ولا تتوقع عاطفة .
وأكد الرسول  هذا المبدأ عندما أمر أبًا بأن يزوج ابنته بمن تحب (ألحقها بهواها) ، أي زوجها بمن تحب ، وعندما أقر طلب زوجة ثابت بن قيس الطلاق لا لشيء تنقمه في أخلاقه أو إنفاقه ، ولكن لأنها لا تحبه ، ومرة ثالثة أبرز هذا المعني عندما تقبل رفض بريرة التي كانت جارية فأعتقت فانفصم زواجها وكان زوجها محبًا لها يسير في طرقات المدينة ودموعه تبلل لحيته ، وشفع الرسول  لدى بريرة لكي تعود إليه ولكن بريرة قالت (أتأمرني) ؟ فقال لا . إنما أنا شافع فعندئذ قالت (لا حاجة لي به) .
ففي هذه الحالات الثلاثة ، فضلا عن مبرر جعل القبول أو الرفض رهنًا بإرادة المرأة ، أرسى الرسول  مبدأ أن يكون الحب عماد الحياة الزوجية . وفي الوقت نفسه ، فإن الرسول  كان كما أشرنا آنفًا يعلن عن حبه لعائشة ويصرح به في مجتمع كان ذكر المرأة فيه عارًا ، بالإضافة إلى عدد كبير من الممارسات التي تنم عن أن الحياة الزوجية كانت تقوم على صور من العلاقات سداها ولحمتها الحب : كهذين المثالين .
عن أنس أن جارًا لرسول الله  فارسيًا كان طيب المرق ، فصنع لرسول الله  ، ثم جاء يدعوه ، فقال : وهذه ؟ (يقصد عائشة) ، فقال : لا ، فقال رسول الله : لا ، فعاد يدعوه ، فقال رسول الله  : وهذه ؟ فقال : لا . قال رسول الله  : لا . ثم عاد يدعوه ، فقال رسول الله: وهذه ؟ قال : نعم ، في الثالثة ، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله(1) [رواه مسلم]
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله  : إني لأعلم إذا كنت عنى راضية ، وإذا كنت علىَّ غضبي . قالت : فقلت : من أين تعرف ذلك ؟ فقال : أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين : لا ورب محمد ، وإذا كنت غضبي قلت : لا ورب إبراهيم . [رواه البخاري ومسلم ]
وأهمية هذه الشواهد ليست فحسب أنها تنم عن وجود الإحساس العميق بالحب وأنه يتجسد في ممارسات الرسول  ، ولكنها تمتد لتكون (سُنة) للمؤمنين ، وقد نقلت زوجات الرسول  كل ما كان يدور بينهن وبينه باعتبار ذلك نوعًا من العلم ، وجزءًا من السُنة ، حتى أخص الخصائص .
لقد كانت تلك الشواهد من العمق في المجتمع الإسلامي وقتئذ بحيث أن عائشة عندما خرجت أيام الجمل تبتغي الصلح بين المسلمين كانت تكتب إلى قادة البصرة ، كما روى ذلك الطبري في تاريخه وغيره من المؤرخين (من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله  إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا .. الخ .
فانظر إلى صيغة هذا الخطاب السياسي الذي يرسل في نحر أزمة سياسية خانقة تشير فيه عائشة إلى صفتها (حبيبة رسول الله) لتعطي خطابها السياسي ثقلاً خاصًا. ولو أن المسلمين اليوم جعلوا من كمال عودتهم إلى القرآن والرسول  أن يقفوا من زوجاتهم كما وقف الرسول  وأن يحبونهن كما أحب الرسول  عائشة وأن يعلنوا هذا الحب لهن ، لكان هذا أول خطوة على طريق السعادة الزوجية ، ذلك أن المرأة عندما تسمع من زوجها كلمة (أحبك) ، فإن هذا يضرم في عروقها نشوة كما لو كانت خمرًا وتحس وكأنما تدق داخل نفسها المزاهر والزغاريد ولا تسأل بعد ذلك عن عطائها لزوجها .
إن من حق كل زوجة أن تظفر بحب زوجها وأن تسمع من زوجها كلمة أحبك ، وقد لا تكون جميلة ، ولكن الحب لا يقتصر على الجمال والجمال زائل ولا بد إن حب الزوج لزوجته إنما ينشأ لأنها شريكة العمر ورفيقة الدرب ، وأنها عانت معه الضراء قبل أن تأتي السراء وشاركته الأفراح والأتراح والذكريات ، وتكتمت أسراره وآلامه التي لا يبوح بها إلا إليها ، وبنت معه بيتهما طوبة طوبة ، فضلاً عن الأبناء الذين ينسبون إليه ويحملون منها قدر ما يحملون منه ، وسهرها الليالي الطوال في رعايتهم وتمريضهم ، وأنها ربة بيته الحارسة له ، والأمينة عليه والواقفة على بابه ، تفتح له عندما يدخل وتغلقه وراءه عندما يخرج .
وحتى لو كره منها شيئًا فلا بد أنها سرته بأشياء (يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر) فكيف لا تكون مستحقة لكلمة (أحبك) .
إن كلمة (أحبك) من الزوج إلى زوجته سنة كان الرسول  يعلنها على الملأ ، ولكن المسلمين اليوم يضنون بها على زوجاتهم لأنهم سمحوا لجلاميد التقاليد أن تنسيهم السُنة ، وأن تغلبهم على العاطفة وأن تظهر لهم هذا كما لو كان ضعفا واستخذاء ونقصا وبهذا فوتوا على أنفسهم ، وعلى زوجاتهم السعادة والهناء .
(1)ولم يخل المجتمع العربي من إحساس بالجمال يدل عليه أن القصيدة العربية والشعر ديوان العرب كانت تبدأ عادة بأبيات رقيقة من الغزل ، وأن القرآن الكريم تضمن إشارات إلى بعض الزوجات أنهن (زهرة الحياة الدنيا) أو (قرة أعين) ، وترددت عبارات الزينة والجمال في آيات عديدة عن السماوات والأرض ، والمال والبنين ، والحيوانات .. الخ .
(وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) (فصلت 12) .
"إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" (الكهف 7)
"وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ" (الحجر 16)
واستنكر القرآن من يحرم زينة الله (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ) ، ولم يجد القرآن حرجًا في أن يعلن ما يذهب إليه عامة الناس عن أن الحياة الدنيا (لعب ولهو وزينة وتفاخر.. ) .
وروى عن الرسول أنه قال (إن الله جميل يحب الجمال) .
وقد عمل ليعمق معني الجمال وسلك إلى ذلك مختلف الطرق .
فعندما استمع إلى كعب بن زهير وهو ينشد في المسجد متغزلاً في حبيبته الأبيات المشهورة :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يُغد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة لا يشتكي قصر منها ولا طول
فإن الرسول  كان يقر هذا النوع من القصيدة والتعبير عن الجمال ويكافئ عليه .
وعندما قال الرسول  لعائشة " يا عائشة ما أبذ هيئة خويلة (بنت حكيم وزوج عثمان بن مظعون) ، فقالت يا رسول الله امرأة لا زوج لها يصوم النهار ، ويقوم الليل ، فهي بلا زوج فتركت نفسها وأضاعتها فطلبه الرسول  وأوضح له (إن لأهلك عليك حقًا) ، فأتتهم المرأة بعد ذلك عطرة كأنها عروس فقلن مه قالت أصابنا ما أصاب الناس ! ) .
وكان الرسول  يحب للمرأة أن تأخذ بحظ من التزين يميزها عن الرجل ، وكانت أبرز وسيلة شائعة عند النساء وقتئذ هي الخضاب ، وكان الخضاب محببًا إلى الرسول  إلى درجة كان يشيح بوجهه عن كل من لم تختضب ويقول كأن يدها يد رجل وقد انتهز فرصة المبايعة ليشترط الخضاب ورد عددًا من المبايعات لأنهن غير مختضبات ، فاختضبن وعدن فبايعهن ، بل في حالات أخرى كان الخضاب والتمشط وصور أخرى من التجمل أجزاء من البيعة ، بحيث ظلت إحدى المبايعات تختضب حتى سن الثمانين ! .
والجمال لا يقتصر على المرأة بالطبع ، وكان الرسول  يكره أن يأتي الرجل أشعث أغبر ، وكان هو نفسه شديد العناية بذلك يدهن شعره بدهن حتى يرى وبيصه في مفارقه وكان لا يسافر إلا ومعه مرآة ومكحلة ومشط . ويمكن أن نعتبر أن من المداخل إلى الجمال أساليب معينة في النظافة أمر بها الإسلام وفي مقدمتها الوضوء ، والغسل ، وتقليم الأظافر ، والتخلص من الشعر الزائد ، وكان من ضروري للرسول  أن يعرف العرب الجفاة بهذه الأساليب حتى يأخذوا أنفسهم بها والحقيقة أن هذه الأساليب لم تكن مجهولة عند العرب لأنها لم تكن معدومة وقت الرسالة ، بل لعلها غير معروفة لدى كثير من الأوربيين في العصر الحديث رغم كل ما يقال عن مظهرهم الخارجي .
ولكن مناصرة الرسول  للمرأة ودعوته للحب والجمال تختلف عن دعوة الفنانين والشعراء وبعض دعاة تحرير المرأة ، لأن الرسول  ليس رسول الفن والجمال ولكنه رسول الإسلام وهو عقيدة وشريعة تنتظم شئون الدنيا والآخرة ، ومن هنا فهناك ضابط يضبط المناصرة والتأييد ويدفع بها في الاتجاه السليم الذي يتلاءم مع بقية الجوانب الرئيسية في الإسلام ، ولم ينزل الله تعالي الإسلام للجميلات فحسب وإنما للجميلات ولمن لم يتوفر لهن الجمال ، بل لعل الإسلام أن يكون أحن على الأخيرات حتى لا يزيد من شعورهن بالنقص أو الاضطهاد ، والجمال نعمة كبرى ، ولكنه ليس أعظم النعم ولا يجعل الإسلام الأولوية له ، وإنما للتقوى والقرآن صريح (وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) (221 البقرة) .
وعندما تحدث عن الزوجات اللائي هن (زهرة الحياة الدنيا) فإنه قال :
•"لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى" (88 الحجر) .
•"إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ" (14 التغابن) .
وحذر الرسول إذا صح الحديث من الحسناء التي تنبت في المنبت السيئ (خضراء الدمن) وحدد الصفات التي تنكح من أجلها المرأة فعدد المال والجمال والحب ، والدين ثم قال (فاظفر بذات الدين تربت يداك) وهو الشيء نفسه المطلوب في الرجل (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) .
ويتصور الإنسان أن الرسول  لو ترك وحده في مناصرة للمرأة ودعوته للحب والجمال لكان من المحتمل أن يذهب إلى أبعد مما ذهب ، ولكن الوحي كان يصحح له ويوجهه إلى أبعاد لم يلحظها ، ففي قضية ضرب المرأة كان رأى الرسول  هو تطبيق القصاص وأمر من ضربها زوجها أن تضربه ، ولكن الوحي نزل بغير ذلك ، وعندئذ قال الرسول  (أردنا شيئاً وأراد الله شيئًا آخر ، والذي أراده الله خير) ، ولا جدال في أن الذي أراده الله خير، لأنه بقدر ما تكون وسيلة الضرب بغيضة وكريهة بقدر ما لا يكون هناك مناص عنها عند بعض النساء ، أو للحيلولة دون أن ينفثأ غيظ الزوج في يمين الطلاق ، وبالمثل فإن الرسول  في رغبته مرضاة زوجاته تنازل عن بعض حقوقه ، وليس هذا هو الدأب الأفضل دائمًا ، وقل مثل ذلك عن بعض مواقف الرسول التي انساق فيها لعاطفة النبل ، ووجهه القرآن إلى أن الانسياق العاطفي حتى ولو كان النبل في أصله ، فإنه قد لا يكون الأمثل ، وهذا ما ينطبق على ما ذهب إليه الرسول في أسرى بدر ، وفي الصلاة على رأس المنافقين في المدينة عبد الله بن أبي وقال مثل ذلك عندما عاتبه القرآن على انصرافه عن ابن أم مكتوم الفقير الأعمى أملاً في أن يقنع بعض سادة قريش بالإيمان ، ووصل هذا إلى العتاب إلى أقصى ما يمكن أن يوجه إلى داعية (وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى ؟) ، وقد أنقذ الوحي الرسول  في المواقف الحرجة التي ما كن يمكن أن يهتدي إلى الحل ، كما في حالة المجادلة ، وحالة الزوج الذي يتهم زوجته دون أن يكون له شهيد سوى نفسه .. الخ .
فالرسول إذن في مناصرته للمرأة ودعوته للحب والجمال كان محكومًا بالخطوط العريضة للقرآن الكريم . ولكن الرسول  في مناصرته للمرأة ، وفي دعوته للحب والجمال كان صوتا وحيدًا في البرية الموحشة ، ولم يوجد من كبار الصحابة من يكون لديه الرقة والحساسية في معاملة المرأة والنظر إليها ، فأقرب هؤلاء الصحاب ، وأكثرهم وداعة وهو أبو بكر ، وجد نفسه وهو يصك وجه عائشة عندما لحظ أنها لم تلتزم بحكم الدالة والعلاقة الوثيقة أدب الخطاب مع الرسول  ، ومع أن الرسول  الذي طلبه للتحكيم ما بينه وبين عائشة لم يفعل أبدًا هذا ، وهربت عائشة من أبيها تحتمي بالرسول  وتجلس وراءه ، أما عمر فشدته نحو المرأة معروفة .
فالرسول وحده كان عصمة المرأة ، وحاميها وقد روى عن ابن عمر قال (كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم هيبة أن ينزل فينا شيء ، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا ) (1) .
وورد في سنن ابن ماجة كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أن لا تضربوا إماء الله ، فجاء عمر إلى النبي وقال : يا رسول الله : قد ذئرت النساء على أزواجهن ، فرخص النبي في ضربهن ، فضربت ذلك اليوم سبعون امرأة في بيوتهن فلما كان الغد ازدحمت النساء على باب النبي  فدعا الناس فخطب :( لقد طاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كل امرأة تشتكي زوجها ، فلا تجدون أولئك خياركم) [أبو داود وابن ماجة والد ارمي].
دفع شبهات :
هناك شبهات عديدة يطلقها المستشرقون أو الشانئون للمساس بشخصية الرسول  ، وعلى وجه التحديد ، فيما يتعلق بالمرأة . مثل تزوجه من تسع زوجات ، ومثل ما روى من أحاديث تمس المرأة وتصفها بالدونية .
وركاكة هذه الشبهات ، التي أسهمت في إيجادها بعض المراجع العربية وكتب التراث عندما نقلت بحسن نية المزاعم الإسرائيلية ، تتجلى بمجرد مناقشتها .
وزواج الرسول  أصلاً أمر يضيق به بعض المستشرقون المتأثرين بالاتجاه الذي غرسه بولس في المسيحية من العزوف عن الزواج وعدم تقبله إلا كملاذ أخير ، وفلسفة الإسلام وأصوله غير ذلك بالمرة ، فالزواج أمر تقتضيه الفطرة الإنسانية ، وأي مساس به أو انتقاص له يعد مخالفًا لبدهيات المجتمع الإسلامي والقيم الإسلامية ، وقد كرر الرسول  الدعوة للزواج وندد بالذين يعزفون عنه ، لأنهم ليسوا نصارى أو يهود ، وإنما هم مسلمون ، ويحق للإسلام أن يفخر أنه طهر العلاقة الجنسية المشروعة من دعوى الدنس ، والبهيمية ، واعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الطبيعة البشرية السوية ، بل إنه أثاب على ممارسة الجنس مع الزوجة ، ولما استغرب بعض الصحابة ذلك رد الرسول  الرد المنطقي ( أترون إن وضعه في حرام أما كان يؤاخذ عليه ، قالوا : نعم ، قال : أفتحتسبون بالحرام ، ولا تحتسبون بالحلال ؟ ) .
هذه مقدمة عن نظرية العلاقة الجنسية بين الزوجين باعتبارها جزءًا من نظام الزواج الذي يكفل فيما يكلفه الإشباع العاطفي ، والجنسي ، وتكوين خلية اجتماعية تبعد الزوجين عن أن تستأثر بكل منهما مشاعر الفردية والأنانية عندما يعيش كل منهما منفردًا . والعلاقة الجنسية بين الزوجين هي أشد العلاقات خصوصية وهى ما تعطي الزواج صفته المميزة ، وما توثق العلاقة بين الزوجين بما تحدثه من إنجاب أبناء وتكوين أسرة .
أما بالنسبة للرسول  ، فمعروف أنه تزوج في سن الخامسة والعشرين من خديجة التي كانت تكبره بأكثر من عشر سنوات ، ولم تكن ذات جمال خاص ، وقد أمضي معها سحابة حياته في علاقة سعيدة لم تشبها أي شائبة ، سوى وفاة الأبناء الذين أنجبتهم وماتت في عام أطلق عليه الرسول  عام الحزن ، قبل الهجرة ببضع سنين .
وكانت الزوجة التي أراد لها الرسول  أن تشرف على البيت الذي خلفته خديجة وما فيه من البنات هي سودة بنت زمعة ، وهى أرملة كانت في مثل سن خديجة تقريبًا أو أقل . والعنصر الذي يغفله المستشرقون وغيرهم أن الرسول  ليس كأحد من الناس ، وأن صفته كرسول تعطيه خصيصة لا تدانيها أي خصيصة أخرى وتفرض عليه واجبات عديدة خاصة إذا كان هذا الرسول هو رسول الإسلام الذي ينظم شئون الحياة جميعًا ويصبح الرسول  هو الحاكم والقائد .. الخ ، وخاصة أيضًا إذا كان في بلاد العرب التي يعد فيها الزواج من الروابط التي تربط القبائل والأفراد .
ومن الواضح بالطبع أن الصفة المميزة للرسول  التي تسمو به فوق الملوك والحكام كانت تجعل أي علاقة زواج بالرسول  فخرًا لأي امرأة ، ومطمحًا لا يمكن أن يجاوزه خيال سيدة مهما كانت مميزة ، إنه ليكفي ليلة واحدة مع الرسول  وأن تحمل صفة (أم المؤمنين) لكي تعوض عليها أي نقص آخر ، وتكسبها فخر الدهر .
وهكذا نرى أن صفة الرسول  كانت تعطي الزواج منه معنى غير المعنى المعهود لآحاد الناس ، كما أن مجرد الزواج منه كان بالنسبة للنساء جميعًا مطمحًا لا يمكن أن يوازيه أي مطمح آخر فكان هذا وذاك بقدر ما يجعل الرسول  مطلوبًا للزواج بقدر ما يجعل النساء سعيدات بالزواج منه وكان يمكن للمستشرقين أن يفهموا هذا لو تصوروا صفة الرسول  كملك فرنسا أو إنجلترا ، وكيف أن التزوج منه يكون مطمحًا تسعى إليه وتسعد به أي امرأة .
وقد وجد الرسول  أن مما يوثق علاقته بوزيريه أبي بكر وعمر أن يصهر إليهما ، وقد سعدت عائشة ، وهى البكر الصغيرة السن بزواجها أكثر من أي زوجة أخرى ، أما حفصة ، فلم يكن هناك مشكلة فقد تزوجت قبلا ومات عنها زوجها .
وفي غزوتين من الغزوات استنقذ الرسول  كريمتين من كرائم الأسر من منزلة السِّبية المهينة ، إلى أسمى ما يمكن أن يسمح به الخيال لهن ، وهكذا أصبحت صفية بنت حيي وجويرية بنت الحارث زوجتين للرسول  ، فأي شرف سيق إليها ؟ لقد أطلق الصحابة كل سبي بني المصطلق وقالوا : أصهار رسول الله  ، فلم يكن من هو أكثر بركة ويمنًا على قومها من جويرية .
وقد أثار زواج الرسول  من زينب بنت جحش الأقاويل دون أي داع أو مبرر ، إلا الشنآن والرغبة في الشغب فقد زوجها الرسول  من غلامه وابنه بالتبني زيد وقبلت هي ذلك خضوعًا لأمر الرسول  الذي كان يلحظ فيه أن الكفاءة في الزواج هي للتقوى وليس للحسب والنسب ، ولكن زينب لم تكن سعيدة ، ولم يكن زيد ليستطيع طلاقها دون إذن الرسول  وجاءت الفرصة عندما أراد الإسلام أن يقضي على نظام التبني فأذن الرسول  لزيد في طلاقها وتزوجها ليكون دليلاً عمليًا على أن الابن المتبني ليس له شيء من حقوق الابن الطبيعي ، وكانت زينب سعيدة وكان زيد أكثر سعادة فما الذي يثير هؤلاء الناس ؟
إن تعدد زوجات الرسول  كان عبئًا عليه في الحقيقة ، لأنه كان ملزمًا بالعدل بينهن ، وعندما تتفاوت مستويات الألفة والجمال والفهم ، فإن العدل يكون على حساب الزوج ، وقد ظهر أثر ذلك عندما مرض الرسول  مرض الموت ، وكان يبيت عند كل واحد ليلة مما كان يسئ إلى صحته وعلاجه فاتفقت الزوجات على أن يقيم بحجرة عائشة التي هي أقرب إليه وأقدر على علاجه وتمريضه ولم يتم هذا إلا باتفاقهن .
ولو لم يكن الرسول  ملاحظاً الاعتبارات العامة التي جعلته يأوي إليه أرامل أصحابه ويضعهن تحت جناح رعايته ، لكان من المحتمل أن لا يستبقي إلا الثلاث اللاتي عرف عنهن قدر من الجمال ، الأمر الذي لم يفعله ثم جاء الحظر من القرآن أن لا يطلقهن ، وأن لا يتزوج عليهن (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) (الأحزاب 52 ) .
قضية زواج الرسول  قضية مشرفة للرسول  وكاشفة عن مدى شعوره بالمسئولية نحو أيامى أصحابه ومدى التزامه بالعدل بينهم واستخدامه الزواج لتعزيز الدعوة الإسلامية ورفع مستوى المرأة وإشاعة الثقافة والمعرفة .
أما الاستمتاع الذي هو من حقه كأي رجل من البشر ، فما أقل ما يبقي له من وقت بعد عمله المتصل من الفجر إلى العشاء ، وتهجده الطويل بالليل ، وانشغال ذهنه ليل نهار بالدعوة ، خاصة إذا وضعنا في تقديرنا ما فرضه على نفسه من تقشف في المأكل .
وقيل إن الرسول  لم يبايع النساء مصافحة كالرجال ، وأن هذا هو الأصل في تحريم المصافحة بين الرجال والنساء . والواقعة منهارة ولا أصل لها ، فضلاً عن أنه لا يستفاد منها حكم لو صحت .
فمبايعة النساء حق كفله القرآن للنساء بمقتضى الآية 12 من سورة الممتحنة :
•" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " .
فالمبايعة هنا أوجبها القرآن على الرسول  ، وجاءت كلمة (بايعهن) مطلقة دون تخصيص لها فيطبق الأصل فيها ويكون شانها شأن المبايعة التي جاءت في سورة الفتح خاصة بالمؤمنين .
(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ، وقد حددت هذه الآية طريقة المبايعة بأنها باليد ، وهي الطريقة المألوفة لدى العرب والمفروض أن يتبع الرسول  النص القرآني دون تحوير .
ومن ناحية أخرى فإن حسن ظن الرسول  بنفسه ، وحسن ظنه بالمرأة لا يفسح مجالاً لكي لا يصافح . ورواية رفض المصافحة جاءت عن عائشة ، وعائشة لها نظرات ثاقبة واجتهادات في التفسير والتأويل فاقت فيها كبار الصحابة ، ولكننا لا نعرف الحق بالرجال أو النساء ولم تر أو تشاهد عائشة كل المبايعات بدءًا من بيعة العقبة الثانية التي حضرها اثنتان من السيدات ، كما لا يستبعد أن يكون هذا القول قد دس عليها أو أسئ فهمه .
وهناك شواهد عديدة تحكم بأن الرسول  كان يبايع النساء مصافحة . منها تلك الشواهد العديدة التي رفض فيها الرسول  المبايعة ممن لم تختضب ، ومنها ما جاء في حديث أم عطية (فقبضت امرأة يدها) ، مما يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن ، وكذلك ما جاء في رواية أخرى ( فمد يده ومددنا أيدينا ثم قال اللهم فاشهد ) .
وأراد الفقهاء أن يتمحلوا ليمضوا كلمة عائشة ، وكأن عائشة كانت حاضرة كل مبايعات النساء فذهبوا مذاهب شتى بعضها لما فيه من افتعال يثير الضحك . ففي مغازي ابن إسحاق أنه كان يغمس يده في إناء فيه ماء وتغمس المرأة يدها معه. وروى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتي ببرد قطرى فوضعه على يده وقال : ( لا أصافح النساء ) .
وهذه الأحاديث مردودة بواقع الحال فأحاديث مبايعات النساء عديدة ، ولم يأت في أي منها إشارة إلى الماء المزعوم أو البرد المدعي ، ولو كان لهما أصل لجاءت الإشارة إليهما في صلب أحاديث المبايعة .
على أننا لو فرضنا جدلاً أن الرسول  لم يبايع مصافحة ، فإن هذا لا يصلح أن يكون دليلاً على تحريم المصافحة أسوة بالرسول  ، فيالبجاحة أناس يعطون أنفسهم مثل صفة الرسول .
وقد وكل الرسول  في إحدى الروايات بعض المبايعات إلى عمر ، فهل كان عمر أيضًا يحضر ماء أو بردًا ؟ .. الخ .
ورووا أن الرسول  قال : ( لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) ، وأن هذا الحديث هو الأساس في تحريم الفقه الإسلامي الولاية الكبرى على المرأة . والحديث يروى عن عبد الرحمن بن أبي بكرة وكان أبوه من موالي ثقيف ، وعندما حاصر المسلمون الحصن أعلن الرسول  أن كل عبد يترك الحصن وينضم للجيش يصبح حرًا فانسل من الحصن ببكرة واكتسب الحرية والإسلام واستطاع خلال سنوات أن يصبح من سراة البصرة وكان قد تورط (في خلافة عمر) في شهادة ضد المغيرة بن شعبة بالزنا ولم تكمل شهادة الشهود الأربعة لأن أحدهم لم ير العملية بالصورة التي تتطلبها الشهادة ، وعندئذ أوقع عمر بن الخطاب الحد على الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا ، وكان منهم أبو بكرة ( مختلف في صحة اسمه كما سيلي ) .
ويبدو أن الأيام أسدلت أستارها على هذا الحادث بحيث لم ينل من مكانته ، وعندما خرجت عائشة أيام الجمل اعتزل القتال وروي لأول مرة الحديث . فهل يعقل أن تتوصل في القرن الخامس عشر الهجري سيدة من الكاتبات النسائيات في المغرب(1) إلى آثار واقعة غفل عنها رواة الحديث ودهاقنته بما فيهم البخاري والفقهاء المعاصرون ، أي على مدار ألف عام ؟
يبدو أن واقعة الشهادة ، وما تلاها من حد لم تؤثر أقل أثر على تقدير المحدثين والمؤرخين لمنزلة أبي بكرة ، فجاء في البداية (ج8 ص57) : (صحابي جليل كبير القدر ويقال كان أسمه مسروع ، وإنما قيل له أبو بكرة أنه تدلي ببكرة يوم الطائف فأعتقه رسول الله  وكل مولي فر إليهم يومئذ وأمه سمية ، وهي أم زياد وكان ممن شهد على المغيرة بالزنا ومعهما سهل بن معبد ونافع بن الحارث . فلما تلكأ زياد في الشهادة جلد عمر الثلاثة الباقين ثم استتابهم فتابوا إلا أبو بكرة فإنه صمم على الشهادة .
وجاء في تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي 303 (أبو بكرة الصحابي) رضي الله عنه تكرر في هذه الكتب اسمه نقيع بن الحارث بن كلدة بكاف ولام مفتوحين بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة وهو عبد العزى بن غيرة بكسر الغين المعجمة بن عوف بن قسى بفتح القاف وكسر السين المهملة وهو ثقيف بن منبه الثقفي البصري وأمه سمية أمة للحارث بن كلدة وهي أيضًا أم زياد بن أبيه وإنما كني أبا بكرة لأنه تدلى من حصن الطائف إلى النبي ببكرة وكان أسلم وعجز عن الخروج من الطائف إلا هكذا روي له عن رسول الله  مائة حديث واثنان وثلاثون حديثا اتفق البخاري ومسلم منها على ثمانية أحاديث وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بحديث روي عنه ابناه عبد الرحمن ومسلم وربعي بن خراش والحسن البصري والأحنف وكان أبو بكرة من الفضلاء الصالحين ولم يزل على كثرة العبادة حتى توفي ، وكان أولاده أشرافاً بالبصرة في كثرة والمال والولايات ، قال الحسن البصري لم يكن بالبصرة من الصحابة أفضل من عمران بن الحصين وأبي بكرة واعتزل أبو بكرة يوم الجمل فلم يقاتل مع أحد من الفريقين(1) .
نقول إن هذه الأقوال تنطق بفضله ، ولكنها لا تنفي تلك الشائبة الجسيمة التي تلحق به خاصة وأنه لم يتب مع التائبين وتؤثر على عدالته وعلى سلامة حديثه والقرآن صريح "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (2) .
وقال عمر في خطابه المشهور إلى أبي موسى الأشعري "المسلمون عدول إلا مجلودًا في حد .. الخ" .
فيفترض أن يسقط حديثه كله أو على الأقل تكون به علة قادحة ، وهو بعد حديث آحاد ، فلم يروه إلا عبد الرحمن بن أبي بكرة ، ولهذا فهو ساقط ولا يعتد به . هذا بالنسبة للسند ، أما بالنسبة للمعنى فلا جدال لدينا في أن الرسول  أراد حالة بعينها وصدقت كلمته لأن أهل فارس تنازعوا الأمر وذهبت ريحهم ، وإن الحديث لا يقدم مبدأ أو حكمًا ، ولكنه يدور حول واقعة بعينها ، مهما كانت صياغته ، لأن المهم ليس الصياغة ، ولكن المناسبة التي قيلت فيها هذه الصياغة والتي تلزم الصياغة ، فضلاً عن أن الصياغة في يد الرواة وقد جاءوا بأكثر من صيغة ، والشيء الثابت رغم اختلاف الروايات أنها كانت لمناسبة تولية امرأة شئون فارس .
ففي بعض الروايات أنه قيل له إنهم ولوا أمرهم امرأة فقال الآن هلكت الرجال إذا أطاعت النساء (ثلاثا) وفي رواية أن الرسول  قال : "من يلي أمر فارس ؟ قالوا: امرأة قال : ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة" ، وطريق آخر "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة" .
وقيل له (أي للنبي  إنه (أي كسرى) قد استخلف ابنته فقال لا يفلح قوم تملكهم امرأة ، وفي النهاية "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة" (1) .
فتعدد هذه الروايات يدل على الاضطراب الكبير في حقيقة ما قاله الرسول  بالضبط . وإنما استبعدنا أن مراد الحديث الإطلاق لأن التاريخ قد أثبت حكمًا قويًا لملكات مثل حتشبسوت في مصر القديمة ، وكاترين في روسيا واليزابيث الأولى وفيكتوريا في بريطانيا .. الخ ، وأهم من هذا أن القرآن نفسه امتدح حكم امرأة "هي ملكة سبأ" "إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ" ، وكيف أنها أنقذت قومها من الحرب بعد أن أشار عليها كبراؤها "نحن أولو قوة وبأس شديد" مما ينم عن كياسة وحصافة وأسلمت ، فهذه الآيات تخالف تمامًا ما يريد لنا الفقهاء أن نفهمه من حديث "ما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة" ولا يمكن لحديث صحيح أن يخالف وقائع التاريخ الثابتة ولا نصوص القرآن الصريحة .
ويذكرون حديث "ناقصات عقل ودين" ومع أن الرسول فسر ذلك تفسيرًا لا يمس كرامة المرأة أو عقلها ، وإنما عرض لما يمنعها من الصيام والصلاة ، وأن شهادتها هي نصف شهادة الرجل ، واعترف في الحديث نفسه للنساء بغلبتهن على ذي اللب ، ولا يتأتى هذا إذا كن ناقصات عقل ، وإذا كان في الحديث ما يمس المرأة ، أو يلمس جانبًا من جوانب الضعف فيها ، فما أكثر الأحاديث التي تثنى على المرأة وتفضلها أمًا على الأب ، وتساويها زوجة بالرجل ، وقد كان مسلك الرسول إزاء المرأة ينم عن تقدير كبير .
◄الأربعاء الفصل الثالث "المرأة فى المجتمع الإسلامى الأول"
◄حضور المرأة كان بارزاً فى السلم والحرب
◄قامت بدور كبير فى المجالين الثقافى والسياسى
◄مشاركتها فى الحروب تثبت أن المجتمع المسلم لم يكن مغلقاً
◄خوارج النساء لم يكن أقل شجاعة من الرجال
************************************************************************************
(1) جمع عاتكة والعاتكة هي المتضمخة بالطيب ، والعواتك ثلاث نسوة كن أمهات النبي ، الأولي عمة الثانية ، والثانية عمة الثالثة ، وبنو سليم تفخر بهذه الولادة (الحديث عن سبابة بن عاصم (ص طب) ، انظر جامع الأحاديث للإمام السيوطي رقم 4736 ج2 ص183) .
(2) في الحديث مقال ، ولكن هناك باللفظ نفسه الحديث الذي سيتلوه .
(1) مَن مِن السلفيين أو السنيين يفعل مثل هذا الآن .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.