ولم يقتصر الاتهام الظالم, والهجوم العنيف علي كاتب العرب الراحل نجيب محفوظ في كتاب الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها لمؤلفه السعودي الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي, كما أشرنا في المقال السابق, بل تجاوز ذلك إلي الهجوم والتطاول علي أكثر من المائتي عالم ومفكر وأديب وناقد يمثلون أغلب أقطار الأمة العربية, إلا أن الغريب أن ينال علماء ومفكرو ومثقفو مصر النصيب الأكبر من هذا الهجوم والتطاول وهو ما نهتم بالإشارة إليه في هذه السطور فتارة يصف رموز الفكر والعلم والأدب والنقد بالكفر والإلحاد.. وكأنه فتش في قلوبهم واكتشف أنهم لا يؤمنون بالله ورسله وكتبه!؟ وتارة يصفهم بالجهالة والغفلة.. وكأنه نصب من نفسه حاملا لمفاتيح خزائن العلم والفكر والثقافة فيحكم علي الذين علموه وثقفوه بالجهل والغفلة!؟ وهكذا لا يكاد صاحب هذا الكتاب يستثني أحدا من رموز مصر من الهجوم والتطاول كما قلنا من قبل وفي مقدمة هذه الرموز باعث النهضة الثقافية في العصر الحديث رفاعة رافع الطهطاوي, وعبقري الإصلاح والتعليم الشيخ الإمام محمد عبده, وأستاذ الجيل لطفي السيد, وعميد الأدب العربي طه حسين, وعملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد, وأمير الشعراء أحمد شوقي, ورائد القصة القصيرة يوسف إدريس, والكاتب السياسي أحمد بهاء الدين, والشاعر والكاتب عبدالرحمن الشرقاوي, والشاعر العظيم صلاح عبدالصبور, وغيرهم, واصفا إياهم بالكفر والإلحاد, الضلال والزيف, الانحراف والانحدار, الخيانة والعمالة... ليهدر دماءهم جميعا أمواتا أو أحياء قائلا في الجزء الثالث من كتابه ص (1740) في عبارات ركيكة ومضطربة, ومن أقوالهم وأعمالهم وعقائدهم التي أذاعوها نوجب الحكم عليهم بالردة, ونرفع عصمة الدم عنهم, لأنهم في الأجواء السياسية والعلمانية المستوردة من الغرب أذاعوا كل ما في صدورهم من كفر وإلحاد وعناد للدين الإسلامي وأحكامه. ولعل هذا الكتاب يعتبر امتدادا لنغمة فاسدة يتولي كبرها بعض الأشقاء في بعض الأقطار العربية, مستهدفين الرموز المصرية, رغم أن هذه الرموز أسهموا في البناء الثقافي والعلمي لهم وليس لمصر وحدها, وفي مقدمة هؤلاء طه حسين والعقاد والحكيم ونجيب محفوظ.. وبرغم هذا لم ينج واحد منهم من التطاول في حياته أو بعد وفاته, فمثلا يعزف علي هذه النغمة الفاسدة المؤلف الأردني الدكتور عبدالمجيد عبدالسلام المحتسب, حيث يصدر كتابا بعنوان طه حسين مفكرا مليء بالأخطاء الفاضحة, ويكفي أن يكون عنوانه لا يدل علي مضمونه, فبينما يعلن في العنوان أن طه حسين مفكر, نراه يكتب في الصفحات ما يناقض ذلك, وتزداد نغمة التهجم والتطاول لديه حيث يقول: طه حسين لم يكن مفكرا ولا مثقفا ولا أديبا ولا مربيا, وإنما هو مذنب ومجرم ووثني وكافر وإنه يستحق الشنق بعد الموت ثم الحرق.., وكان يكفي أن يخص هذا الذي رضي بجهله, وجهله رضي به, بما قاله عن طه حسين, إلا أنه يتناول أساتذته أيضا بالسب والتجريح وفي مقدمتهم الشيخ الإمام محمد عبده, وأستاذ الجيل لطفي السيد, ويكفي أن نقرأ سطرا من ذلك يقول فيه: إن محمد عبده, ولطفي السيد, وطه حسين هم نعال للأرجل البريطانية في مصر. ولا ينجو العقاد من سهام التهجم والتطاول, فها هو الكاتب البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري يكتب في مجلة الدوحة: هل ترانا نصدق أن العقاد كان عملاقا للفكر العربي وهو الذي أسس شهرته علي نقض شاعرية شوقي وظل يحارب كل موهبة واعدة وتتوالي أساليب الهدم لهذه الرموز المصرية من بعض الكتبة المجهولين, فهناك من يشكك في شاعرية أمير الشعراء أحمد شوقي معلنا أنه لم يكن كاتب شعره, وعزيز أباظة كان هو الآخر مستطيعا بغيره حيث اختار له شيطانا يكتب قصائده ومسرحياته الشعرية! ومحمود تيمور لم يكن المؤلف الحقيقي لقصصه ورواياته ومقالاته.. إلي آخر هذا الهزل الحاقد... المزيد من مقالات سامح كريم