نشأ العديد من الدول اثر عملية التفكك الطويلة التي تعرضت لها الامبراطوريات التقليدية كالأمبراطورية العثمانية وامبراطورية النمسا والمجر عقب نشوء القوميات, كما أن بعض هذه الدول نشأ عقب إنهيار الامبراطوريات الاستعمارية التقليدية وتتجه قيام حركات التحرر الوطني والمقاومة المسلحة وغير المسلحة لنيل الاستقلال والاعتراف بالأقاليم التي كانت تسيطر عليها الامبراطوريات الاستعمارية كدول حديثة, علي قدم المساواة مع بقية أعضاء الجماعة الدولية, كما أن بعض هذه الدول نشأت نتيجة تفكك الاتحاد الذي كان يجمعها كوسوفا, البوسنة والهرسك عقب تفكك الاتحاد اليوجوسلافي, وكذلك عقب إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق واستعادة العديد من الأقوام والشعوب لخصوصياتها القومية ودولها الوطنية. في معظم وغالبية الحالات السابقة كان وجود الدولة الواقعي وعناصر قيامها متوافرة في الغالب وسابقة علي طلب الاعتراف أيا كان منشئا أو كاشفا, صراحة أو ضمنا, قانونيا أو فعليا فرديا أو جماعيا, وكان مثل هذا الاعتراف تتويج لعملية واقعية قائمة في الواقع العملي بصرف النظر عن شكل ومضمون الاعتراف, بينما في الحالة الفلسطينية يسبق طلب الاعتراف القانوني والواقعي بالدولة الفلسطينية نشأة ووجود هذه الدولة هكذا يبدو الأمر ظاهريا علي الأقل ففلسطين تقع تحت الاحتلال, وخاصة ذلك الجزء منها الذي تم احتلاله عام1967 ويتوغل فيه الاستيطان والمستوطنون رغم وجود السلطة الفلسطينية القائمة علي أساس اتفاق أوسلو عام.1993 بيد أن التدقيق في المحتوي الواقعي لدولة فلسطين يشير إلي وجود مقومات الدولة رغم الالتباس الظاهر, فمن ناحية أيا كان الاحتلال ومهما طال مداه فهو لا ينشئ سيادة للمحتل ولا يمكن الاعتراف بما ترتب علي الاحتلال من نتائج مهما كانت الحجج والمبررات, أما من ناحية الوجود والاستمرار التاريخي لإقليم دولة فلسطين فهو ثابت منذ معاهدة لوزان وبموجب صك الانتداب علي فلسطين باعتبارها آنذاك ولاية ضمن الامبراطورية العثمانية, وكان من المفترض أن يكون مصيرها كبقية الولايات التي استقلت عن الاستعمار وشكلت دولا كما أن صك الانتداب قد منح فلسطين وضعا متقدما ضمن الفئات التي وضعها, ولم يحل دون ذلك إلا تدفق المهاجرين اليهود والمستوطنين إبان عهد الانتداب البريطاني والذي انتهي بإقامة دولة إسرائيل في فلسطين وتشريد مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني اثر نكسة.1948 وفضلا عن كل ذلك فإن قرار التقسيم رقم181 لعام1947 الصادر عن هيئة الأممالمتحدة الجمعية العامة قد أقر بقيام دولة فلسطينية عربية علي مساحة46% من أرض فلسطين جنبا إلي جنب مع الدولة اليهودية وهو القرار الذي قبلته إسرائيل علي الفور واعتبرته مصدر شرعية قيامها ودخولها إلي عضوية الأممالمتحدة, والحال أن موازين القوي السياسية والعسكرية حالت دون قيام الدولة الفلسطينية وسمحت بقيام دولة إسرائيل. ربما يمثل ما سبق ذكره أو بعض منه علي الأقل الخلفية التي صاحبت تقدم فلسطين بطلب عضوية كاملة في منظمة الأممالمتحدة لمجلس الأمن, وينطوي هذا الطلب علي ضرورة استعادة المنظمة الأممية هيئة الأممالمتحدة لدورها في الصراع علي أرض فلسطين والذي كان حاضرا منذ البدايات الأولي للصراع, وغيبة المفاوضات الثنائية والمتعددة في إطار أوسلوومدريد, حيث فرض الصمت علي ممثلها في مدريد, ولم يكن لها أي دور في أوسلو وخططت إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية لتهميش دور المنظمة الدولية وقراراتها وتغييب حضورها باستثناء ما يمثل من هذا الدور تغطية علي حقيقة المفهوم الإسرائيلي للسلام كما هو حال عضوية المنظمة الدولية في اللجنة الرباعية. بالإضافة إلي ذلك فإن التوجه الفلسطيني لطلب العضوية الكاملة في الأممالمتحدة يستهدف إقرار مرجعية التفاوض اللاحق مع إسرائيل وهي حدود4 يونيو عام1967 في مواجهة خطوط الإجماع الإسرائيلي التي تشكلت حول حدود التسوية والسلام مع الشعب الفلسطيني والتي تتمثل في اللاءات التالية; لا للعودة إلي حدود1967, لا لتقسيم القدس وغير ذلك من اللاءات الإسرائيلية التي تستهدف تقاسم الضفة الغربية والإبقاء علي الكتل الاستيطانية والحؤول دون التواصل الديموجرافي الفلسطيني.من ناحية أخري فإن التوجه الفلسطيني يضع النظام الدولي كله أمام مسئولياته ويواجهه بعجزه وتواطؤه وإزدواجية معاييره ويضعه في امتحان عسير أمام الضمير العالمي والرأي العام المتعاطف فعليا مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من آخر الاحتلالات في القرن الحادي والعشرين ولم يحصل طيلة هذه العقود إلا علي وعود براقة أو كاذبة ولامعة ولكنها ليست ذهبية مطلقا.وضع طلب الدولة الفلسطينية بين يدي مجلس الامن الدولي الذي تمتلك فيه الولاياتالمتحدة والاتحاد الروسي وبريطانيا وفرنسا والصين حق الفيتو والذي تتطلب فيه الموافقة علي المسائل الموضوعية اغلبيه9 اصوات. بحيث تشمل موافقة الأعضاء الدائمين بينما لا تتطلب غالبا المسائل الإجرائية مثل هذا الشرط, يمتلك الأعضاء الدائمون في المجلس كل علي حدة حق الفيتو وإذا ما استخدمه ضد قرار ما ليس بمقدور هذا القرار أن يري النور, و وفق آراء بعض القانونيين فان الدول أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين وعددهم عشرة أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة يمتلكون هذا الحق جماعيا, أي إذا أعترض سبعة من هؤلاء الأعضاء علي القرار فلن تتوفر له الأغلبية المطلوبة لإقراره وتظل هذه الامكانبه نظرية فقط. والحال أن الأعضاء الدائمين في المجلس خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية تستخدم كل ما لديها من أرصدة سياسية ومادية واقتصادية ورمزية للتأثير علي الأعضاء غير الدائمين ودفعهم كرها أو طوعا للموافقة علي القرارات التي تريدها وذلك بحكم الوضعية التي تحظي بها الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ نهاية القطبية الثنائية. قد تبحث الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن ورائها إسرائيل لتجنب استخدام الفيتو ضد قرار المجلس أو توصيته للجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوا كاملا في المنظمة الدولية حيث سيضع هذا الفيتو الولاياتالمتحدةالأمريكية وجها لوجه مع العالم العربي والإسلامي بمحافظيه وراديكالييه ويمثل انتكاسا للوعود التي قطعها أوباما في بداية ولايته بفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي والعالم العربي وفي القلب منه القضية الفلسطينية, قد تعمد الولاياتالمتحدة لبحث تأجيل البت في هذا الطلب للدورة القادمة للجمعية العام عام2012 عبر استخدام الآليات البيروقراطية في المنظمة الدولية وقد تعرض الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا عضوية مراقب للدولة الفلسطينية في المنظمة الدولية. من المحتمل أن يصوت لصالح هذا القرار الصين وروسيا وأن تمتنع فرنسا عن التصويت وذلك لا يعد معارضة للقرار, وثمة العديد من الأعضاء غير الدائمين في المجلس تناقلت الأخبار عزمهم علي التصويت لصالح هذا القرار أما المملكة المتحدة البريطانية فلم ترشح عن نياتها في التصويت أية أنباء ويحتمل أن تساير الولاياتالمتحدةالأمريكية قياسا علي سابق عهدها في ظل حكومة توني بلير والحكومة التي تلته. المفارقة الكبري في حالة معارضة القوي الغربية الكبري لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية أن بعض هذه القوي أعضاء في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي يقدم المساعدات والمنح للسلطة الفلسطينية وقد شهد الصندوق بأن الهيكلية الإدارية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ عام1967 تمتلك كامل الشروط لإقامة دولة وتناقض المواقف سيكون واضحا إذا ما أستقر الأمر بهذه القوي لمعارضة هذا القرار. في جميع الحالات أي أن تكون فلسطين دولة كاملة العضوية أو دولة ذات وضع مراقب فإن النتيجة والهدف المرجو هو أن ينخرط مثل هذا الاعتراف في ديناميكية جديدة عربية وفلسطينية تحمل المنظمة الدولية والمجتمع الدولي مهمة إنهاء الاحتلال وأن تفتح الصراع السياسي بين فلسطين وإسرائيل في المجالات الحقوقية والقانونية لدي محكمة الجزاء الدولية ومحكمة لاهاي ومجلس حقوق الإنسان بهدف تحميل إسرائيل ثمن إنتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني وإطلاق موجة مقاومة سلمية في مواجهة الاحتلال وإلا لن يكون لمثل هذا الاعتراف في أية صورة ذو مصداقية وحيثية. ولاشك أن قرار السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية بالتوجه إلي المنظمة الدولية لطلب الاعتراف قد أثار كثيرا من الجدل في الدوائر والفصائل الفلسطينية تمحور حول مصير قضية اللاجئين الفلسطينيين والتي تعتبر أهم قضية في المفاوضات وكذلك الإقرار والاعتراف بحق إسرائيل ودولتها في السيطرة علي ما يقرب من78% من أراضي فلسطين الانتدابية وإغلاق ملف الصراع العربي الإسرائيلي وإنهاء الملاحقات الفلسطينية لإسرائيل وهذا الجدل بحاجة إلي بلورة إجابات واضحة وواقعية حتي يتحقق الإجماع حول خطوط الحل مع إسرائيل ويكتسب الصوت الفلسطيني المصداقية اللازمة. بالإضافة إلي ذلك فإن أسئلة كثيرة يثيرها مثل هذا التوجه من بينها بل ومن أهمها أيضا ذلك السؤال المتعلق بالقرار181 بتقسيم فلسطين ولماذا لم يتأسس طلب الاعتراف علي مثل هذا القرار الذي نفذ نصفه المتعلق بإقامة إسرائيل وبقي نصفه الثاني معلقا وهو المتعلق بالدولة العربية الفلسطينية, وكذلك السؤال الذي يتعلق بمدي ملاءمة نموذج1967 للتسوية الآن ومدي كفايته لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني, أسئلة كبيرة لاتزال تبحث عن إجابات.