23 شركة مصرية تعمل بالمشروع.. وزير النقل: القطار الكهربائي يصل لمطروح    رئيس "رياضة النواب": نسعى لتحقيق مصالح الشباب حتي لا يكونوا فريسة للمتطرفين    هنية للأسرى الفلسطينيين: إن مع العسر يسرا وطوفان الأقصى سيحقق لكم الحرية    إسماعيل هنية: طوفان الأقصى اجتاحت قلاع الاحتلال الحصينة.. وتذل جيشا قيل إنه لا يقهر    "الشحات في الصدارة".. تعرف على قائمة هدافي الأهلي في دوري أبطال أفريقيا حتى الآن    بسبب نصف مليون جنيه.. سمية الخشاب تتهم منتج سينمائي في محضر رسمي بقسم الهرم    21 ضحية و47 مصابا.. ما الحادث الذي تسبب في استقالة هشام عرفات وزير النقل السابق؟    ضبط عاطل بحوزته كمية من الحشيش في قنا    إليسا توجه رسالة ل أصالة نصري في عيد ميلادها    أمين الفتوى يكشف عن طريقة تجد بها ساعة الاستجابة يوم الجمعة    مخاطر الإنترنت العميق، ندوة تثقيفية لكلية الدعوة الإسلامية بحضور قيادات الأزهر    وزارة النقل تنعى الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق    «أونروا»: نحو 600 ألف شخص فرّوا من رفح جنوبي غزة منذ تكثيف بدء العمليات الإسرائيلية    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    وزارة النقل تنعى هشام عرفات: ساهم في تنفيذ العديد من المشروعات المهمة    بعد انفصالها عن العوضي.. ياسمين عبدالعزيز ترتدي فستان زفاف والجمهور يعلق    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    أمير عيد يكشف ل«الوطن» تفاصيل بطولته لمسلسل «دواعي السفر» (فيديو)    بعد تشغيل محطات جديدة.. رئيس هيئة الأنفاق يكشف أسعار تذاكر المترو - فيديو    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    رئيس جامعة المنصورة يناقش خطة عمل القافلة المتكاملة لحلايب وشلاتين    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    كوارث النقل الذكى!!    6 مستشفيات جديدة تحصل على اعتماد «جهار» بالمحافظات    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    رسميًا| مساعد كلوب يرحل عن تدريب ليفربول.. وهذه وجهته المقبلة    رغم تصدر ال"السرب".. "شقو" يقترب من 70 مليون جنية إيرادات    جامعة قناة السويس ضمن أفضل 400 جامعة دولياً في تصنيف تايمز    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    نائب محافظ الجيزة تشهد فعاليات القافلة العلاجية الشاملة بقرية ميت شماس    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    2 يونيو.. محاكمة 3 متهمين بإطلاق النار على شخصين خلال مشاجرة بالسلام    لسة حي.. نجاة طفل سقط من الدور ال11 بالإسكندرية    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    محافظ بورسعيد يناقش مقترحا للتعاون مع ممثلي وزارة البترول والهيئة الاقتصادية لقناة السويس    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    الصحة: تقديم الخدمات الطبية ل898 ألف مريض بمستشفيات الحميات    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    بالفيديو.. غناء وعزف أنتوني بلينكن في أحد النوادي الليلية ب"كييف"    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متي يحق لشعوب الأقاليم استرداد استقلالها؟
نشر في الوفد يوم 29 - 12 - 2010

أشرنا في الحلقة الماضية إلي أنه ترتب علي التطور التاريخي الذي أجملناه،‮ وعلي الطابع الأوروبي المسيحي الذي طبعت به أحكام القانون الدولي منذ نشأتها،‮ أن ظهرت نظرية صارت تقليدية فيما يتعلق بأسباب دخول الإقليم في سيادة الدولة وفي ولايتها،‮ وقد تأثرت هذه النظرية فوق ذلك ببعض ما يجري عليه العمل في القانون الخاص في نطاق اكتساب الملكية،‮ ونقلها بين الأفراد العاديين،‮ وتقضي هذه النظرية بأن أسباب دخول الإقليم في ولاية الدولة علي نوعين‮: أسباب أصلية‮: هي الاستيلاء والإضافة،‮ وأسباب ناقلة هي التنازل والفتح والتقادم‮. ويبدو ظاهرا أن هذه النظرية في وضعها الراهن لا تستجيب لمقتضيات التغيير الجوهري الذي حدث في نطاق العلاقات بين الدول،‮ وفي الظروف التي تلابس العالم الحديث،‮ فلم يزل الاستغلال والانحياز من سماتها،‮ وهي نظرية مختلفة لم تطور بعد،‮ والتغيير في الأوضاع وفي الظروف يجب أن يصاحبه تطور مماثل في أحكام القانون لكي تظل لهذه الأحكام حكمتها وفاعليتها وطابعها التنظيمي‮.‬
الخرائط السياسية‮!‬
أما بقاؤها علي حالها،‮ علي الرغم من التغيير الجوهري في أسباب نشأتها،‮ فلا يتفق علي منطقة الحياة،‮ ولا بقوائم مع ضرورة التنظيم،‮ ويجعل ضررها يغلب علي نفعها،‮ فتبدو أحكامها زائدة بعد أن كانت لازمة،‮ كما تبدو عاملا من عوامل الإضطراب في علاقات الدول،‮ بعد أن كانت من عوامل الاستقرار في نطاقها‮.‬
فالأسباب التي تقررها النظرية التقليدية لبسط سيادة الدولة علي إقليم بذاته لا تقيم وزنا لحق كل شعب في تغير مصيره،‮ وتجيز للدولة أن تدخل في ولايتها وفي في تبعيتها الأقاليم التي تحيا عليها شعوب تختلف في جنسها كليا عن شعبها،‮ تختلف اختلافا في لغتها،‮ وفي أمانيها القومية‮.‬
وهي تجيز للدولة ذلك أيضا من‮ غير أن تدخل في الاعتبار رغبة الشعب في الدخول في السيادة الشخصية للدولة أو اعتراضه علي ذلك،‮ مما يجعل من الشعوب سلعة ومحلا للملكية وللاستغلال،‮ وهذه النظرية لا تقيم أي وزن للظروف الجغرافية أو للمطالب الاقتصادية أو للفروق الاجتماعية والسياسية الخرائط السياسية للعالم قبل الحرب العالمية الأولي هي خير دليل علي هذا كله‮!‬
وعقب الحرب العالمية الأولي كان أمل الشعوب منعقدا علي أن تغير الدول الأوروبية المنتصرة سياستها في هذا الشأن،‮ غير أن هذه الدول عمدت إلي تطبيق معيارين‮: فانحازت إلي بعض الأقاليم فردت إليها استقلالها‮. كما حدث مع بولندا وتشيكوسلوفاكيا‮.‬
وطبقت التقييم والانفصال بالنسبة إلي أقاليم أخري،‮ وأدخلتها في ولايتها بوسائل مختلفة منها‮: التنازل،‮ والضم،‮ ونظام الانتداب،‮ وتم ذلك كله علي الرغم من إدارة شعب هذه الأقاليم،‮ وعلي الرغم من اعتراض الرئيس‮ »‬وودرو ويلسون‮« رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي كان قد أعلن مبادئة الأربعة عشر لإرساء السلم الدولي علي دعائم مكينة‮.‬
وكان أن انعدمت معاهدات صلح فرسايل وسان جرمان،‮ ونويي وتريانون،‮ وسيفر،‮ ولوزان وهي معاهدات رسمت فيها حدود سياسية جديدة في صالح الدول الأوروبية المنتصرة،‮ من‮ غير أي اعتبار لحق الشعوب في تقرير مصائرها،‮ أو لحقها في التحرر من ربقة الاستعمار والاستغلال‮.‬
وقد كانت أحكام هذه المعاهدات وغيرها من الاتفاقيات الدولية التي انعقدت عقب الحرب الحالية الأولي ذات أثر بالغ‮ في اضطراب العلاقات الدولية السياسية في الحقبة ما بين الحربين العالميتين،‮ بل إنها كانت بحق من الأسباب الحاسمة في نشوب الحرب العالمية الثانية‮.‬
ثورة الشعوب‮!‬
وأمام السياسة الأوروبية القائمة علي القهر،‮ لم ينفسح مجال التحرر إلا عن طريق ثورة الشعوب،‮ وبالفعل أعقب صلح فرسايل ثورة شعب مصر علي الحماية التي فرضتها بريطانيا عليه‮.‬
وقد نجحت هذه الثورة في القضاء علي هذه الحماية الاستعمارية،‮ واضطرت بريطانيا إلي إعلان استقلال مصر في تصريحها الصادر في‮ 28‮ من فبراير سنة‮ 1922،‮ وكان لهذه الثورة المصرية آثار بعيدة المدي لدي الشعوب الأخري المغتصبة،‮ فقامت في الهند في سنة‮ 1930‮ ثورة العصيان المدني التي أدت إلي رفع الهند من مرتبة الإقليم التابع إلي مرتبة‮ »‬الدمنيون‮« المستقل‮.‬
وقامت في مراكش التي كانت تحت الحماية الفرنسية ثورة الأمير عبدالكريم الخطابي ضد إسبانيا أولا ثم ضد فرنسا،‮ وقامت ثورة في دمشق ضد حكم الانتداب الفرنسي،‮ وقامت ثورة السنوسي في ليبيا ضد الحكم الاستعماري الإيطالي‮.‬
وكانت هذه الثورات جميعا آثاراً‮ لا يمكن إنكارها في الرقي بهذه الشعوب الثائرة إلي مرتبة الاستقلال فيما بعد،‮ علي أنه لا يمكن إغفال ملاحظة‮: أن هذه الثورات الشعبية لم تحدث تغييرا في السياسة الاستعمارية التي ظلت الدول الأوروبية تتبعها في تعنت ظاهر‮.‬
ويكفي للدلالة علي ذلك أن نذكر مثلا واحدا وهو الحملة الحربية التي شنتها إيطاليا في سنة‮ 1936‮ علي الحبشة،‮ وهي الدولة التي كانت عضوا في عصبة الأمم‮ - والتي أسفرت عن ضم الحبشة إلي الإقليم الإيطالي‮.‬
وأشير إلي أن الشعوب الأوروبية وقفت كلها ما عدا بريطانيا في صف إيطاليا ضد الحبشة وكانت المظاهرات تقوم في كل مكان لتأييد إيطاليا،‮ حتي أن المظاهرات في جنيف مقر عصبة الأمم كانت تقذف الإمبراطور هيلاسلاس بالطماطم والبيض الفاسد عند ذهابه إلي مقر عصبة الأمم للدفاع عن حق شعبه‮!‬
وإلي جانب ذلك قامت حركات شعبية أخري في أوروبا ذاتها بتعديل الحدود السياسية التي رسمتها معاهدات الصلح علي أساس التحكيم والبغي،‮ فقامت ألمانيا الهتلرية بضم إقليم النمسا كله علي أساس رغبة الشعبين النمساوي والألماني،‮ ثم قامت العناصر الشعبية الألمانية في تشيكوسلوفاكيا بالمطالبة بالانضمام إلي ألمانيا،‮ وانتهي الأمر بسلخ إقليم‮ »‬السوديت‮« من تشيكوسلوفاكيا وضمه إلي ألمانيا‮!!‬
الحكم الذاتي
وقد كان لهذه الأحداث،‮ ولغيرها مما قام بعدها في ألبانيا وبولندا وفنلندا،‮ آثر حاسم في تغيير الأوضاع الفكرية خلال الحرب العالمية الثانية،‮ مما جعل الدول المجتمعة في سان فرانسيسكو في يونية سنة‮ 1945‮ لوضع ميثاق الأمم المتحدة تعني بحق الشعوب في تقرير مصائرها‮.‬
وقد أثبت هذا الحق صراحة في‮ »‬مقاصد‮« الأمم المتحدة،‮ فنصت المادة الأولي في الميثاق في الفقرة الثانية فيها علي أن مقاصد الأمم المتحدة هي‮: (‬1‮)..(‬2‮) إنماء العلاقات الودية بين الأمم علي أساس احترام المبدأ الذي يقضي للشعوب بحقوق متساوية،‮ ويجعل لها تقرير مصيرها،‮ واتخاذ التدابير الأخري الملائمة لحفظ السلم العام‮.‬
وتضمن أيضا الفصل الحادي عشر من الميثاق تصريحا يتعلق بالأقاليم‮ غير المتمتعة بالحكم الذاتي،‮ يرمي إلي إقرار أعضاء الأمم المتحدة،‮ الذين‮ يضطلعون في الحال أو في المستقبل بتبعات عن إدارة إقليم لم‮ ينل شعبها قسطا كاملا من الحكم الذاتي،‮ بالمبدأ القائل بأن مصالح هذه الأقاليم لها المقام الأول‮.‬
وأنهم يقبلون أمانة مقدسة في أعناقهم الالتزام بالعمل علي تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم إلي أقصي حد مستطاع في نطاق نظام السلم والأمن الدولي الذي رسمه هذا الميثاق‮.‬
ولهذا الغرض ينمون الحكم الذاتي،‮ ويقدرون الأماني السياسية لهذه الشعوب قدرها،‮ ويعاونونها علي إنماء نظمها السياسية الحرة نموا مطردا وفقا للظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه،‮ ومراحل تقدمها المختلفة‮.‬
كما تضمن الميثاق،‮ في الفصل الثاني عشر منه،‮ إقامة نظام دولي للوصاية،‮ من أهدافه السياسية العمل علي ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في شئون السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم وإطراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال حسبما يلائم الظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه،‮ ويتفق مع رغبات هذه الشعوب التي تعرب عنها بملء حريتها وطبقا لما قد ينص عليه في شروط كل اتفاق من اتفاقات الوصاية‮.‬
ولا شك أن أحكام ميثاق الأمم المتحدة قد أدخلت تعديلاً‮ حاسماً‮ في سياسات الدول الاستعمارية ودفعت بها إلي العمل علي استقلال بعض الشعوب التي كانت قد اغتصبتها هي وأقاليمها في صورة أو في أخري‮.‬
غير أن هذا التعديل الحاسم لم يكن علي وتيرة مستمرة،‮ كما أنه لم يكن تعديلا شاملا هذه الدول المستعمرة‮.‬
ففي فلسطين تخلت المملكة المتحدة عن انتدابها عليها في‮ 15‮ مايو سنة‮ 1948،‮ وطلبت من الأمم المتحدة أن تتولي تحديد مركز فلسطين القانوني في المستقبل،‮ وكان أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية بتقسيم فلسطين،‮ علي الرغم من أن أحكام الميثاق لا‮ يخولها أي اختصاص أو أية سلطة في هذا الشأن،‮ وماتم بعد ذلك من تشريد شبه فلسطين خارج الحدود،‮ وحلول شعب مستورد محله،‮ وقيام دولة إسرائيل علي أساس من البغي والاغتصاب،‮ يعد مأساة إنسانية واجتماعية وسياسية ليس لها في تاريخ العلاقات الدولية نظير في قسوتها،‮ بل في همجيتها‮!!‬
وفي الجزائر كانت فرنسا تشن حربا مستمرة علي شعب الجزائر الذي كان يطالب بالاستقلال،‮ وكانت فرنسا تعتبر الجزائر أيضا فرنسية علي الرغم من كل الأدلة التي تنهض علي خلاف ذلك،‮ وقد وصل الأمر بفرنسا إلي بعث الروح الصليبية في حربها مع الجزائر،‮ وإلي اتباع أساليب القهر والتعذيب التي كانت تتبعها إسبانيا في عهد التفتيش ضد المسلمين،‮ وعلي الرغم من كل ذلك حصلت فرنسا علي استقلالها،‮ بعد أن قتلت فرنسا ما يزيد علي المليون من الجزائريين‮.‬
وعندما أمم جمال عبد الناصر شركة قناة السويس تآمرت كل من إسرائيل وفرنسا وشاركتها الممكلة المتحدة علي العدوان علي مصر،‮ وتم هذا العدوان الثلاثي ابتداء من‮ 19‮ أكتوبر لسنة‮ 1956‮ وذلك خرقا لكل الالتزامات التي أخذتها هذه الدول علي عاتقها،‮ بوصفها من أعضاء الأمم المتحدة،‮ في نطاق وجوب تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية‮.‬
وقد كان‮ يفشل ضد العدوان،‮ ولموقف الأمم المتحدة منه أكبر الأثر في الدلالة علي أن الأوضاع في النطاق الدولي قد تغيرت علي صورة حاسمة،‮ وأن دور الاستعمار قد دخل في دور التصفية النهائية،‮ ومع ذلك فقد ظلت البرتغال وبلجيكا وغيرها من الدول المستعمرة تتشبث بما تبقي من ذيوله لتسويغ‮ تصرفاتها في أنجولا وكاتنجا وفي جوا‮.‬
وعندما استعدت الهند بقوة السلاح مقاطعة جوا وديو وداماو في‮ 23‮ ديسمبر سنة‮ 1961‮ ثارت ثائرة المستعمرين،‮ حتي أن وزير خارجية المملكة المتحدة واللوردهيوم ألقي في‮ 28‮ ديسمبر سنة‮ 1961‮ خطابا يتهم فيه الدول الإفريقية والآسيوية بتطبيق معيارين،‮ والكيل بكيلين في نطاق العلاقات الدولية،‮ وتجاهل أو تناس أن دولته والدول الأخري الاستعمارية كانت تعتبر الشعوب الإفريقية والآسيوية سلعة تستغل ويتصرف فيها كما تستغل الأشياء ويتصرف فيها،‮ وأن عهد الاستعمار أيا كانت طريقته قد أنتهي ودخل في دور التصفية‮.‬
المهم أن الوضع الجديد في نطاق العلاقات الدولية يقضي بأن الأسباب التي يدخل بها الإقليم في سيادة الدولة وولايتها قد تغير تغيراً‮ أساسياً‮. فمبدأ الاستيلاء قد زال موضوعه،‮ وإن هو طبق في مناطق لم تكشف بعد كما هي‮ الحال في‮ بعض المناطق القطبية فإنه‮ يجب أن‮ يتقيد بحق السكان ورغبتهم في‮ تقرير مصائرهم،‮ وذلك في‮ الحال الذي‮ يكون هذا الإقليم المكتشف إقليماً‮ مسكوناً‮ علي‮ صورة أو أخري‮.‬
أما الحالات التي‮ كان الاستيلاء فيها سبباً‮ للأقاليم في‮ سيادات الدول،‮ فيجب ان تصفي‮ علي‮ أساس حق شعوب هذه الاقاليم في‮ تقرير مصائرهم‮.‬
وهذا الحق‮ يجب أن‮ يثبت للشعوب سواء عن طريق السلم وهذا هو السبيل الأهدي‮ والافضل،‮ أو عن طريق العنف في‮ حالة فشل الوسائل السلمية‮.‬
والتنازل أيضاً‮ يجب ان‮ يكون سبباً‮ في‮ دخول الاقليم المتنازل عنه في‮ سيادة الدولة المتنازل لها في‮ حالة واحدة،‮ وهي‮ رغبة السكان،‮ سكان الاقليم في‮ الخضوع لهذه السيادة،‮ والتقادم كما هو ظاهر أساسه اغتصاب،‮ ويجب ألا‮ يكون للمغتصب اي‮ حق في‮ نطاق القانون في‮ الوقت الحاضر علي‮ الأقل‮.‬
والفتح صار الآن‮ غير ذي‮ موضوع،‮ ويجب ان‮ يكون لشعوب الاقاليم التي‮ سبق ان دخلت في‮ ولاية دولة من الدول الحق في‮ استرداد استقلالها واسترداد اقليمها لحكمها الذاتي‮.‬
وليست هذه المبادئ من عندياتي،‮ ولا وليدة تأملي‮ في‮ التاريخ وأفكاري،‮ انما هي‮ قواعد النظام القانوني‮ الدولي،‮ الذي‮ ارنضت الدول عامة الخضوع لاحكامه،‮ ذلك القانون الذي‮ ينظم العلاقات بين الدول‮.‬
معاهدة ضيافة‮!!‬
ولا ريب ان القانون الدولي‮ العام بوصفه القانون الذي‮ ينظم العلاقات القائمة بين الدول علي‮ أساس رضاها المشترك بالخضوع لاحكامه هو الي‮ حد كبير نتاج الحضارة المسيحية الغريبة،‮ وهو لم‮ يبد بمظهر القانون إلا منذ اربعة قرون علي‮ الأكثر،‮ الا ان الجماعات المتحضرة ساهمت كلها في‮ خلال عصور التاريخ في‮ تكوين بعض قواعده‮.‬
وما من شك في‮ ان المصريين القدماء والفرس والفينيقيين كانوا‮ يخضعون علاقاتهم مع‮ غيرهم من الشعوب لبعض الاحكام،‮ كما ساهم اليونانيون مساهمة ذات أثر في‮ تكوين هذا القانون،‮ كما كان لدي‮ الرومان قانون‮ ينظم العلاقات التي‮ تقوم بينهم وبين‮ غيرهم من الأمم‮.‬
وكان‮ يقوم علي‮ وضع هذا النظام والاشراف علي‮ تنفيذه هيئة مكونة من عشرين من رجال الدين،‮ وكان هؤلاء الرهبان‮ ينهضون بمهمتهم بتطبيق القانون الإلهي‮ المقدس علي‮ علاقات روما بغيرها من الشعوب،‮ وكان الرهبان‮ يقومون بوظيفتهم عند إعلان الحرب وعند عقد السلم،‮ وعند إبرام المحالفات‮.‬
ووفقاً‮ لعادات الرومان كانت علاقات روما مع الشعوب الأخري‮ تتوقف علي‮ ما اذا كانت تربط روما والشعب الآخر معاهدة صداقة أم معاهدة ضيافة ام معاهدة تحالف فإن افراد الشعب الاخر‮ يستمتعون بالحماية في‮ حالة انتقالهم او وجودهم بروما‮. وكانت العلاقات بينهم وبينه افراد الشعب الروماني‮ تحكمها قواعد قانون الشعوب،‮ اما الشعوب الاخري‮ التي‮ لا تربطها بروما أي‮ معاهدة فإن افرادها وممتلكاتها لا تتمتع بمثل هذه الحماية‮.‬
صحيح ان هذه الاحكام القليلة التي‮ ساهم مختلف الشعوب في‮ تكوينها كان‮ يعوزها الأساس الذي‮ يكسبها وصف الإلزام عند واضعيها،‮ ولما طبقت احكام الاديان السماوية ارتكز بعض هذه الاحكام مضافاً‮ اليها احكام جديدة علي‮ اساس الدين فاكتسبت قواعد القانون الدولي‮ من العقائد الدينية قدسيتها ومن العقاب الإلهي‮ الجزاء المترتب علي‮ مخالفتها‮.‬
وقد دامت هذه الحال الي‮ ان زالت الامبراطورية الرومانية الغربية سنة‮ 476‮ ميلادية باستيلاء الجرمان عليها،‮ وفي‮ سنة‮ 800‮ أقام شرلمان امبراطوريته المقدسة التي‮ شملت البلاد الاوروبية جلها ونصب ليون الثالث حاكماً‮ عليها وتولي‮ هو الحكم الديني‮ فيها،‮ وساد الامبراطورية قانونان القانون الزمني‮ الذي‮ ينظم العلاقات المدنية والتجارية بين رعايا الامبراطورية والقانون الكنسي‮ الذي‮ كان‮ ينظم كل العلاقات المتفرعة علي‮ العقائد‮.‬
وهكذا ظلت الحال الي‮ ان طالت عوامل الضعف والانحلال الامبراطورية الجرمانية المقدسة وزالت بوفاة اخر اباطرتها‮ »‬فردريك الثالث‮« وتفرقت اوروبا دولا كثيرة،‮ مستقلا بعضها عن بعض ودعت الحال عندئذ إلي‮ ايجاد قانون دولي‮ ينظم ما بين هذه الدول من علاقات‮.‬
من هنا اتجه العلماء نحو القانون الرومان‮ يستوحون احكامه،‮ ثم نشطت حركة التأليف وكان من نتائجها ان انفسح امام القانون الدولي‮ المجال،‮ فذاعت مبادئه وتأكدت ضرورة وجوده،‮ ورسخت في‮ حكم علاقات الدول قواعده‮.‬
وقد ساهمت عوامل أخري‮ في‮ اقامة احكام القانون الدولي‮ وإنمائها،‮ اهمها القواعد القانونية التي‮ كانت تضمنها الدول معاهدات الصلح التي‮ تبرمها مع‮ غيرها من الدول،‮ وظهور عدة دول جديدة بعد الثورة الفرنسية،‮ والمؤتمرات الدولية التي‮ عقدت لوضع قواعد القانون الدولي‮ وتدوينها في‮ اتفاقات،‮ وتعتبر أهم هذه العوامل تلك الاتفاقات الدولية التي‮ وضعت للجماعة الدولية تنظيماً‮ جديداً،‮ واهمها معاهدة فرسايل التي‮ انعقدت سنة‮ 1919‮ التي‮ انشأت عصبة الامم المتحدة،‮ واتفاقية سان فرانسسكو المنعقدة سنة‮ 1945‮ التي‮ انشأت هيئة الامم المتحدة‮.‬
الدول المسيحية
ومن الامور التاريخية المعلومة للكافة ان العضوية الاصلية في‮ الاسرة الدولية كانت مقصورة علي‮ الدول المسيحية القديمة في‮ غرب اوروبا،‮ وان نطاق تطبيق احكام القانون الدولي‮ كان محدوداً‮ بها،‮ لا‮ يتعداها الي‮ غيرها‮.‬
وكلما كانت تنشأ دولة مسيحية جديدة في‮ اوروبا كانت تعتبر إثر نشوئها من الاعضاء الجدد في‮ الاسرة الدولية،‮ وكانت قواعد القانون الدولي‮ تمتد فتحكم علاقاتها بالدول الاوروبية المسيحية الاخري‮ وقت الحرب ووقت السلم علي‮ السواء‮.‬
لذلك انطبع القانون الدولي‮ منذ ظهوره بطابع اقليمي‮ طائفي،‮ وهو لم‮ يزل حتي‮ هذه اللحظة نتاج الحضارة الاوروبية المسيحية‮.‬
ولا شك أن من الاسباب التي‮ يسرت طبع القانون الدولي‮ بهذا الطابع أن العلاقات بين دول أوروبا المسيحية والدول الإسلامية كانت علاقات عداء متبادل،‮ واستمرت كذلك فترة طويلة من الزمان،‮ كما أن العلاقات بين الدول الأوروبية المسيحية وكتلة الدول التي‮ تديق بالبوذية كانت مفقودة تماماً،‮ ولما ازدادت المواصلات بات حتمياً‮ أن‮ يتم الاتصال بين دول العالم الأوروبي‮ من جهة وغيرها من الدول من جهة أخري‮. إلا أن العلاقات الناشئة عن هذا الأتصال كان‮ يتحكم فيها اتجاهان مختلفان‮:‬
الاتجاه الأول‮: الاتجاه الديني‮ الذي‮ دفع الدول الأوروبية المسيحية إلي‮ أن تفتح أبواب مجتمع أسرتها للدول المسيحية التي‮ نشأت وترعرعت خارج أوروبا،‮ أو التي‮ تحررت من ربقة الاستعمار الأوروبي‮ كالولايات المتحدة الأمريكية،‮ وليبريا وهايتي،‮ كما دفعت بها إلي‮ إخضاع علاقاتها معها لأحكام القانون الدولي‮.‬
الإتجاه الثاني‮: الاتجاه الاستعماري‮ الذي‮ دفع الدول الأوروبية المسيحية إلي‮ البناء اعتبار الدول‮ غير المسيحية خارجة نطاق الأسرة الدولية،‮ وعلي‮ نطاق القانون الدولي‮ معاً،‮ ولذلك فإنها أخضعت علاقاتها معها لحكم الاستغلال أو الاستعمار،‮ فعملت علي‮ توسيع نظام الأمتيازات الأجنبية في‮ الدول الاسلامية‮.‬
وقد ظلت الحال علي‮ هذه الوتيرة إلي‮ النصف الأول من القرن التاسع عشر،‮ وفي‮ بداية النصف الثاني‮ من هذا القرن حدث تطور له شأنه،‮ إذ قررت الدول الأوروبية المسيحية الخمس العظمي‮ وقت ذاك‮: فرنسا والنمسا وبريطانيا العظمي‮ وبروسيا وروسيا أن تقبل تركيا الإسلامية في‮ عضوية الأسرة الدولية‮.‬
غير أن عضوية هذه الدولة في‮ الاسرة الدولية ظلت عضوية ضعيفة،‮ ثم قبلت اليابان بعد ذلك عضواً‮ في‮ الأسرة الدولية،‮ وبدخول تركيا واليابان تحرر نطاق القانون الدولي‮ من رابطتي‮ الدين والإقليم الأوروبي‮.‬
وبعد الحرب العالمية الأولي‮ أنفسح المجال أمام كثير من الدول للدخول في‮ عضوية الأسرة الدولية ومن هذه الدول‮: الصين وإيران وسيام والحبشة،‮ ثم تمكنت دول أخري‮ من التخلص من نظام الامتيازات الأجنبية ومن ربقة الاستعمار الأوروبي‮ كمصر،‮ فصارت أيضا من أعضاء الأسرة الدولية‮.‬
ولما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها شاركت في‮ وضع ميثاق الأمم المتحدة جميع الدول الإسلامية والعربية والإفريقية والآسيوية وبذلك ثبتت عضويتها في‮ الأسرة الدولية،‮ ودخلت علاقاتها الدولية مع‮ غيرها في‮ نطاق القانون الدولي‮.‬
أزمة السويس
وعلي‮ أثر أزمة السويس في‮ نهاية أكتوبر سنة‮ 1956،‮ وهزيمة العدوان الثلاثي‮ علي‮ مصر دخل نظام الاستعمار في‮ دور التصفية النهائية،‮ وكان لهذا أثره الحاسم في‮ استقلال شعوب إفريقيا شعباً‮ بعد آخر،‮ وفي‮ أرتقائها إلي‮ مرتبة الدول المستقلة الأعضاء في‮ الأسرة الدولية‮.‬
وليس هناك شك أن القانون الدولي‮ بصورته الراهنة قد تحرر من عيوب الإقليمية والطائفية،‮ إلا أن طابعه الأول لم‮ يزل‮ غالباً،‮ فكثير من أحكامه لا‮ يتواءم مع الروح التحررية،‮ ولا‮ يستجيب للمساواة بين مختلف الدول من‮ غير تمييز بين أديانها وأجناسها وألوانها،‮ ولا‮ يلبي‮ مطالب روح العهد،‮ ولا‮ يطابق بعد ظروف أحواله ويلاحظ أيضا أن انقسام العالم انقساماً‮ سياسياً‮ حطيراً‮ بين المذاهب الشيوعية والرأسمالية والحيادية قد ساعد من جديد علي‮ ظهور الطائفية في‮ النطاق الدولي‮.‬
وقد بدأت ظواهر هذه الطائفية في‮ التكتلات الدولية الحديثة،‮ ومن هنا‮ يحق لي‮ أن أقول ان ملامح القانون الدولي‮ بدأت تتسم بأنه‮ أصبح قانون السلطة فالقانون الدولي‮ اليوم‮ يقوم بوظيفة طبع للمواقف التي‮ خلقها انتصار القوة المسلحة بالطابع القانوني‮ المشروع،‮ وهذا ما تقوم به معاهدات الصلح عادة،‮ كما أن بعض أحكامه تستعمل ذريعة قانونية تخفي‮ السياسات العدوانية التوسعية أو الاستعمارية‮.‬
والقانون الدولي‮ اليوم هو قانون التبادل،‮ فهو‮ يقوم الآن بفرض القيود علي‮ استعمال القوة علي‮ أساس التبادل،‮ كما أنه‮ يفرض امتيازات خاصة أو‮ يفرض التزام نهج جديد في‮ التعدي‮ علي‮ أساس تبادلي‮ بحت،‮ فان زال الأساس التبادلي‮ زال الحكم القانوني‮ تبعاً‮ له‮.‬
والقانون الدولي‮ اليوم اصبح أيضا قانون التناسق،‮ فأحكامه تقوم احيانا بدور ايجاد التناسق بين تصرفات مختلف الدول إلا أن هذه الوظيفة الرئيسية لم تزل في‮ مرحلتها البدائية‮.‬
وظاهر أن مستقبل أحكام القانون الدولي‮ يتوقف علي‮ تطورها ونموها إذ هي‮ وحدها الكفيلة بأن تطبع القانون الدولي‮ بطابع العالمية،‮ وبأن تخلع عنه طابع الطائفية،‮ وبأن تقيم أحكامه وقواعده علي‮ معيار واحد‮ ينطبق في‮ جميع الاحوال بغير تمييز بسبب اللون أو اللغة أو الدين‮.. وإلي‮ اللقاء‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.