يقول المثل الشعبي "أقل موال ينزه صاحبه" ، فما بالنا بموال سباعي الشكل ، يتنوع بين قواف جلية وأخري غامضة، وبين طرق أداء تتراوح بين التطريب والتنغيم والعد، والعد هنا يعني الأداء الشعري / الإلقاء كأن صاحب الموال يعد الشطرات ، ومابالنا بموال سباعي تتشاكل فيه الجناسات فتحتاج لمن يفك شفراتها، وكيف نقف علي التنوع في طرق الأداء والصياغات التي يقف وراءها وعي بالبناء ولبناته التي تشكل الموال عبر ثلاثة أبنية صغري هي : العتبة البدن / البطن / الردف الرباط / الغطاء / نهاية الموال ، وفي الغطاء تجتمع قوافي العتبة والبدن ، فالرباط يحكم قبضته علي رؤية الموال وصياغاته الجمالية ، لكن السؤال لماذا صاغت الجماعة الشعبية مواويلها السباعية كما نري في قصة الموال لميلاد واصف وهي تمتلك حصة كبيرة من المواويل الرباعية المكتنزة والتي تتنوع بين مواويل متبادلة القافية وأخري متتالية القافية: ياما بنوح عليك يا حلو وبناني لو كنت زغلول بنيت لك برج وبناني والبين قد هدني يا حلو وبناني ومن دموعي خضبت الكف وبناني عند أداء كلمة "بناني" الأولي يلونها بصوت كالأنين، وفي كلمة "بناني" الثانية يرسم بيده شكل بنية الحمام، وفي كلمة "بناني" الثالثة يشير بيده إلي البناء، وقد سبقها كلمة الهدد، وفي كلمة "بناني" الرابعة يشير إلي أصابع اليد، فضلا عن تعبيرات الوجه كما يؤكد محمد رجب النجار المصاحبة للتلوين الصوتي والحركي مع كل قافية ، ويتبع بعض الموالة الرباعي الأعرج لصوغ مواويلهم ، لنراه علي هذه الشاكلة (أ أ ب أ) وهو ما يعد تنويعا شكليا ودلاليا في تطور الموال ، كما تتكاثر المواويل الرباعية لتتشابك أغصانها مستلهمة حكمتها الأبدية من خبرة النصوص السابقة عليها مضافا إليها خبرة الجماعة الشعبية التي لا تكف عن رثاء النماذج السلبية ، بل ومعاينة الذات الجماعية وتأمل أعماقها الغائرة الزاخمة بالألم والأمل حين يصطرعان: إن كنت عاقل وربك بالتقي برك ارفع أذاك وهات خيرك ودع شرك وإن تَعَدَّي حسودك والحسد ضرك نادِيْه: يا أيها الإنسان ما غرَّك كما أنتجت الجماعة مواويل خماسية / عرجاء صائدة للحكمة في ذروتها عند السطر الأعرج (بدون قافية) ليرتفع بها مع نهاية الموال، ومنها ما رصده ميلاد واصف في قصة الموال : قاعد علي الرمل وحدي في عز ضهريه الشمس قدحت دماغي . ياناري يا عنيه ومن هوا البحر ما شعرتش بحنيه تلسعني نار الجفا ، تحرقني أتلوي يا حلو عطفك لروحي ضل شمسيه ومن يتتبع ما يفيض به الميدان سيجد أن المبرر الفني وراء وجود هذا الشكل من أشكال الموال هو حاجة الجماعة إلي شكل يتسع لما يحمله وعيه وما اكتسبته خبرته من حكمة وما وعته ذاكرتها من تراكيب وأساليب جمالية ، إضافة إلي الحاجة إلي شكل أكثر اتساعاً يحمل الأغراض المختلفة، كما أن الشكلين الرباعي والخماسي قد مهدا الطريق للجماعة كي تجود علي أبنائه بشكل جديد يكفي لرغباتها الجمالية ويتسع لخبرتها الحياتية ، كذلك فقد أصبح للشعراء ذاكرة من المواويل الرباعية والخماسية تمنحهم الرغبة في الولوج إلي شكل جديد، وهو الشكل السباعي، أو كما يطلق عليه عند بعض المغنين الشعبيين " السبعاوي " أو النعماني في مصر، أو الزهيري في العراقوالكويت . والسباعي يتكون من سبعة أغصان ، ثلاثة منها بقافية واحدة ، وبجناس واحد ، وثلاثة أخر أيضاً بقافية واحدة ، وتكون مغايرة للأغصان التي قبلها من حيث الجناس ، أما الغصن السابع فعلي جناس وروي الثلاثة أغصان الأول . أما عن تسميته بالسباعي أو " السبعاوي " فإن ذلك راجع إلي عدد الأغصان ، التي ينبني عليها شكل الموال ، فهو في ذلك كالرباعي والخماسي . أما بالنسبة إلي التسميات المختلفة كالنعماني " المربوط " / المزهَّر في مصر أو الزهيري في العراقوالكويت ، فحولها جدل كبير، فهناك تبريرات لتسمية هذا الشكل السباعي بالزهيري،" فيذهب معظم الباحثين إلي أن هذا الشكل السباعي للموال ، قد سمي - في الكويتوالعراق - بفن الزهيري والجمع (زهيريات) نسبة إلي شاعر عراقي حديث اشتهر بنظم هذا اللون من الشعر اسمه " ملا جادر الزهيري " من عشيرة الزهيرات المنتشرة في ربوع العراق، ولا سيما قرية الزهيرات التي تنسب إليهم"، وهذا التعليل نرفضه رفضه العالم الجليل الراحل محمد رجب النجار علي الرغم من ذيوعه ووجاهته لعدة أسباب، الأول : ليس لأن الشاعر ملا جادر الزهيري شاعر حديث - عاش في القرن التاسع عشر الميلادي - فحسب ، بل لأن المجتمع الشعبي نفسه ليس من طبيعته الاحتفاء باسم المبدع الفرد أساساً مهما كانت عبقريته ، فضلاً عن أن فنون الأدب الشعبي - علي اختلاف أنماطها وتنوعها - لم يحدث قط أن استمدت اصطلاحاتها الفنية من أسماء مبدعيها ، كالأمثال والأغاني والحكايات والأساطير والسير والملاحم والنوادر والغطاوي والمعاظلات اللسانية ...إلخ ، فهي علي اختلاف أشكالها كلها اصطلاحات فنية شائعة بين أبناء الجماعة الشعبية ، ولم يقل - أو يقم - أحد بنسبة أي منها إلي مبدع بعينه ، ويرجع محمد رجب النجار وجود هذا الاصطلاح " الزهيري " إلي نسيان أبناء المنطقة معني المصطلح العامي علي حد تعبيره بمرور الأيام ، فنشأ الخلاف بين الباحثين في تفسيره ، وبعض الرواة يشيرون إلي عدد الأغصان بالزهرات ، فيقولون "موال سبع زهرات"، ويتأكد ذلك من خلال الميدان حين يروي الفنان عزت نصر الدين هذا الموال ليصدق عليه خاله راوي الهلالية عبد الباسط نوح :