فى المقالة التمهيدية لهذا الموضوع تحدثنا عن المبالغة المفرطة فى التزام ما لا يلزم إلى درجة التطابق فى قوافى الكثير من المواويل مجهولة المؤلف, وما نتج عن ذلك من تعتيم- وأحيانا إعتام كامل- فى المعنى. وقلنا إن هذا العيب تحول إلى ميزة على يد الشعراء الكبار الذين استلهموا موال الشعب, وكنت أقصد بالتحديد فؤاد حداد, الذى شارك الشاعر الشعبى افتتانه بالجناس, ولكن فاقه براعة, فتحول القيد بين يديه إلى جناح, والتعتيم والإبهام إلى سطوع,والجناس غير المفهوم إلى متعة مشتركة بين الشاعر وقارئه: أنا صايم الشهر طول الشهر ودا فاطر وانا ماشى فى الشغل قلبى سخن ودا فاتر ما ينتقل شبر إلا بحبر ودفاتر. من يتذكر شيئا من مقالة الأسبوع الماضى سيتعجب لهذا الموال الثلاثى . معك حق. المصادر الأكاديمية والنماذج الفلكلورية لاتحوى إلا مواويل رباعية وخماسية وسداسية وسباعية فى الأغلب الأعم, وأحيانا ما يزيد عدد سطوره عن ذلك, ولكن لا وجود لموال من ثلاثة أسطر. ولكن القواعد كما هو معروف توضع ليتمرد عليها المبدعون: يا ليل من الحب صاحى, من الشقا نعسان على كل طوبة ندى,وشذى وأمل إنسان من الضلام فى الضى من العطش فى الرى من ألف حى وحى من ألف عام وانا عايش فى الزمان الجى. مثال آخر يستخدم شكلا تراثيا هو الموال السداسى بحرية إبداعية غيرت نمط قوافيه من(أ أ أ أ ب أ) إلى ( أ أ ب ب ب أ) مع تحويل السطور الثالث والرابع والخامس إلى انصاف سطور. أم الأهم هنا فهو اللغة, فرغم أن الشاعر هنا كأسلافه يقول: يا ليل, إلا أنه "ليل من الحب صاحى من الشقا نعسان" وهو جلال شعرى نادر فى المواويل , بل وفى الشعر كله. وربما كان فؤاد حداد هو الوحيد الذى كتب الموال القصصى. صحيح أن نجيب سرور استلهم موال ياسين وبهية فى مسرحية تحمل هذا الاسم, وأيضا حول عيد الرحمن الشرقاوى موال الفتى مهران إلى مسرحية شعرية بالفصحى بنفس الاسم, وحول صلاح جاهين موال شفيقة ومتولى إلى سيناريو سينمائي يتخلله سرد شعرى له شكل الموال من حيث الإيقاع وسمات أسلوبية أخرى,إلا أن أحدا من هؤلاء أو سواهم لم يجعل من الموال القصصى الطويل وعاء مميزا لطاقته الشعرية مثلما فعل فؤاد حداد فى سنوات إبداعه الأخيرة. إلا أن حداد حين اختار هذا الشكل كان مفارقا لخصائصه التراثية, فمواويله القصصية ليست قصص حب أو بطولة, بل رؤى سيريالية يختلط فيها التصوف بالغضب والسياسة بالوجع..ولكى لانطيل لندع أحد هذه المواويل يحدثنا عن نفسه. موال الشيخ سعيد كان يا ما كان شيخ سعيد أسمر عيونه وساع في قعدته مرحبا والخطوه جدّ وساع تعطف عليه الجنينه كل ساعه وساع وتدور عليه الموالد *** تدور عليه الموالد شيخ سعيد يا سعيد مين غيرك اللي ح يجبر خاطر المكسور من سبحتك يجري حمص يملا جرن صعيد رقابينا يا هل ترى تشهد شهادة زور يا شيخ سعيد الشجر بيندّي لما تزور وتلالي في المندره تفتح لفوق وبعيد تعزف على الجندره تبسط هدوم العيد قال يا ولد يا اللي ماشي هناك على الحيطه والسقف زي السحالي طل وإسعى لي ح اعلمك صنعة الموال وطباته إوعى توسوس توشوش خد نفس عالي ودحرج النور على السلم وطباته بعيد ولفوق قلنا القوافي كتيره قالوا طب هاتوا طلع لهم شيخ سعيد في أولى طبعاته والجمهوريه بتطلع ويا طلعاته شاور بكمه وجاب لك شارع الصاغه وبعتره في ميدان المادنه والساعه قال كل مين يسمعوني يفهموني كمان عاشق بلادي بعبلها وبهبلها كمان فِى العين وفِى الحلم واللي ف بالها أحلى كمان قلنا القوافي كتيره وربنا يرزق باعلمك زهوة الموال وشباته سبح بعرفه وضرب في الجو لباته نادى حصان أبو زيد ع الشمس لباته باتوا العرب فِ الترب ع الذل لم باته بعت لهم كهربائي الجن لمباته قلنا القوافي كتير وربنا يرزق باعلمك صنعة المنقار مع الفسدق علشان تقول عني يا فؤاد كلام يصدق مش برضه إسمك فؤاد يا حته من كبدي تقول لهم شيخ سعيد والقافيه شيخ دسق كان بوسطجي مسحراتي في الندى الأبدي ما كانش يقبل مماينه وكان جريء بلدي حتى الأمير في الطلاينه كان جريء بلدي أفضل أموت م العطش إلا إن جا ريق بلدي قمر الصحاري بطش بمحرم الموال عقلك بشمس إتلطش طمني كيف الحال سمعني تحت الرحال برهوم في الحاره نوح البنات العذارى يا أبو زيد هلال ندا العتابا وردة يابا بالشامي *** "نحنا فرغ صبرنا لما اتملا خيرنا ماشيين على قبرنا روحنا في مناخيرنا" *** إطفي النجف من عماد الدين وبرشامي ح اسمعك يا فؤاد موال من الأصلي إذا خيال القمر في الماء تَرَقّص لي يا ليل يا ليل غيهبي يا ليل غبي يا ليل الإنجليزي هابي و أنا شيخ سعيد يا ليل وباعرف إن الظلام إسمه ظلام يا ليل وإسمه الكتوم والقتام واسقي المدام يا ليل أنا باعرف إن الظلام إسمه نواهنّ وبعدهن شهورا لا نراهنّ على الجميلات من بعد الهوى هنّا *** قمر الصحاري بيعرج زي صباره معلقه خردوات وخرق وتين شوكي كأنه بوابة المتولي سهاره ضربوها فضه وعاج وفاروز على ذوقي يا شيخ سعيد ليه رجعت لأول الحاره من آخر الحاره قال من لهفتي وشوقي جبت اللي سحّرتهم سكنتهم فوقي يربوا فوق السطوح زغاريد وتوليفه ويشتروا حمامات بالورد والليفه قمر الصحاري كأنه جنيه بتعريفه باعرف تمن كل شيء ما دمت انا المغلوب و اعرف دموع القمر لما ان سئل أيئوب أنا شيخ سعيد وشيخ سيد وشيخ أيوب وأنا شيخ غريب المغيب في عرق وطيوب وأنا كنت شيخ إسماعيل وأنا كنت شيخ مهيوب عسل البحيره يا بنها مشعشعه في قليوب وأنا شيخ سروجي بروجي ع السفر وركوب وأنا من عسل سرياقوس الإسود ومن نيروب وأنا إمام كردفان تسجد معاه النوب عطشان سقاني الطوفان غرقان وما لي نوب ودي ليله فيها عمل ودا فجر فيه ملعوب ما تبص ليش يا ولد حرف الألف مشطوب وشي الجميل انجلد مستنظرينه يتوب على الشعاع والحصى والدم لما يدوب صوتي اللي يفرح بلد يصبح صفيح سرساع كأنه سر وذاع كأنه سر وضاع كأنه سر بتاع واحد بتاع مواويل لا كان سعيد ولا كان أسمر عيونه وساع من ديوان التسالي بالمزاج و القهر - الأعمال الكاملة - المجلد الخامس - الهيئة العامة لقصور الثقافة