شاهد.. صلوات عيد القيامة ببورسعيد في افتتاح كنيسة السيدة العذراء    تاجر يستعرض مأكولات الفسيخ في شم النسيم.. وأحمد موسى يعلق: شامم الريحة من على بعد    حزب الله يعلن استهداف مستوطنة مرجليوت بالأسلحة الصاروخية    وكالات الاستخبارات الأوروبية: روسيا تخطط لأعمال تخريبية في أنحاء القارة    الفيضان الأكثر دمارا بالبرازيل .. شاهد    "هزم نفسه بنفسه".. فاروق جعفر يكشف سبب خسارة الزمالك أمام سموحة    تحرير 119 مخالفة مخابز وضبط كميات من الرنجة والفسيخ منتهية الصلاحية بالقليوبية    إصابة 3 أشخاص في تصادم 4 سيارات أعلى محور 30 يونيو    يسعى لجذب الانتباه.. محمد فاروق: كريم فهمي ممثل باهت واقف بمنتصف السلم    ما هي قصة شم النسيم؟.. 7 أسرار عن الاحتفال بهذا اليوم    أول تعليق من محمد عبده بعد إصابته بمرض السرطان    مركز السموم بالقصر العيني: الفسيخ أسماك مسممة ولا ننصح بتناوله.. فيديو    الكشف الطبي على 482 حالة في أول أيام القافلة المجانية بالوادي الجديد    أعراضه تصل للوفاة.. الصحة تحذر المواطنين من الأسماك المملحة خاصة الفسيخ| شاهد    وزير السياحة والآثار يُشارك في المؤتمر الحادي والعشرين للشرق الأوسط بلندن    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    فيديو.. محمد عبده يبكي خلال حديثه عن إصابته بالسرطان: هذا من محبة الله    «جالانت» يحث «نتنياهو» بقبول صفقة التبادل ويصفها ب«الجيدة» (تفاصيل)    نجل الطبلاوي: والدي كان مدرسة فريدة في تلاوة القرآن الكريم    نتنياهو:‫ الحرب في غزة ستنتهي بانتصار واضح.. ومصممون على إعادة المحتجزين    الوزير الفضلي يتفقّد مشاريع منظومة "البيئة" في الشرقية ويلتقي عددًا من المواطنين بالمنطقة    «ظلم سموحة».. أحمد الشناوي يقيّم حكم مباراة الزمالك اليوم (خاص)    .تنسيق الأدوار القذرة .. قوات عباس تقتل المقاوم المطارد أحمد أبو الفول والصهاينة يقتحمون طولكرم وييغتالون 4 مقاومين    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    الإسكان: إصدار 4 آلاف قرار وزاري لتخصيص قطع أراضي في المدن الجديدة    لوائح صارمة.. عقوبة الغش لطلاب الجامعات    ظهر على سطح المياه.. انتشال جثمان غريق قرية جاردن بسيدي كرير بعد يومين من البحث    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    روسيا تسيطر على قرية جديدة في شرق أوكرانيا    لجميع المواد.. أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2024    الهلال يطلب التتويج بالدوري السعودي في ملعب المملكة أرينا    طريقة عمل الميني بيتزا في المنزل بعجينة هشة وطرية    نقل مصابين اثنين من ضحايا حريق سوهاج إلى المستشفى الجامعي ببني سويف    تامر حبيب يعلن عن تعاون جديد مع منة شلبي    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    يوسف زيدان يرد على اتهامه بالتقليل من قيمة عميد الأدب العربي    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    رئيس مدينة مرسى مطروح يعلن جاهزية المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين لاستقبال طلبات التصالح    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأرض بتتكلم عربى


«فى الجو بذر استعمارى خايف ينبت على لحدى»
قالها فؤاد حداد فى السبعينيات.. بعد انتصار أكتوبر بسنوات قليلة.. لقد أحس فؤاد حداد أننا لن نجنى ثمار هذا الانتصار.. وأن المشروع الاستعمارى سيعود مرة أخرى إلى الظهور فى المنطقة وأنه يخشى أن «بذور الاستعمار» التى تلوح فى الأفق ستسقط على أرض المنطقة لتنبت على قبر فؤاد حداد.. وقد كان.. لقد عاد الاستعمار بقوة.. احتلوا العراق.. وشنوا أكثر من حرب على لبنان.. ومخطط تقسيم السودان يسير على قدم وساق، قواعدهم العسكرية تملأ منطقة الخليج، لقد نبتت بذور الاستعمار لتتحول إلى احتلال بالقواعد العسكرية أحياناً، واحتلال بمصادرة القرار الوطنى فى أحيان أخرى.. واحتلال شعار العولمة فى أحيان ثالثة.
بصيرة الشعراء تلك التى تتجلى كأعظم ما يكون التجلى فى تجربة فؤاد حداد.. أنتجت لنا أيضاً هذا العمل العبقرى «الأرض بتتكلم عربى» والذى كان يشبه الطلقة الأولى فى «حرب استعادة التوازن» بعد هزيمة 67.
«الأرض بتتكلم عربى».. أغنية داخل برنامج إذاعى شعرى كتبه فؤاد حداد بعد النكسة مباشرة وكانت هذه الأغنية هى أول ما كتب من صفحات هذا البرنامج الذى صدر بعد ذلك فى ديوان يسمى «فى نور الخيال.. ومن صنع الأجيال فى تاريخ القاهرة».. وكان الديوان وأغنية «الأرض بتتكلم عربى» هما النبوءة الأولى بانتصار أكتوبر 73 الذى تنبأ فؤاد حداد - فيما بعد - بأننا لن نجنى ثماره كما ينبغى!!
يقول فؤاد حداد فى هذه الأغنية:
الأرض بتتكلم عربى ولا ترتاح
واصل كالسيل المجتاح
فتحك، ياعبدالفتاح
الأرض بتتكلم عربى..
إنه يتحدث باعتبار أن الهزيمة جولة فى معركة نضال طويل وأن الانتصار فى هذه المعركة سيكون فى صفنا لا محالة.
والآن.. تعالوا نتأمل مرة أخرى هذا المشهد.. فؤاد حداد يرى النصر قادماً من عتمة الهزيمة.. وفى موقع آخر يسمع أقدام الهزيمة وسط صخب الاحتفال بالنصر!
وفى رأيى أن هذه الرؤية الثاقبة لفؤاد حداد تنبع من تقييمه لعصرى عبدالناصر والسادات. يوما ما سألت فؤاد حداد ونحن فى منزله: لماذا تحب عبدالناصر الذى دخلت المعتقل فى عصره حوالى ثمانى سنوات.. بينما لا تحب أنور السادات الذى لم تسجن فى عصره يوماً واحداً. فقال لى: إننى لا أقيم أياً منهما من خلال مكاسبى أو خسائرى الشخصية.
عندما كنت فى معتقلات عبدالناصر كان يحقق لمصر كل ما أرجوه لها.. الإصلاح الزراعى وإعلان الجمهورية ومجانية التعليم وتأميم القناة وبناء السد العالى والقومية العربية وغير ذلك من الإنجازات الكبرى التى تحققت فى وقت قصير.
وعندما كنت أتمتع بحريتى فى عصر السادات - باستثناء حرب أكتوبر - كنت أرى بعينى كل ما لا أتمنى أن يحدث لمصر!!
جمال بخيت
شاعر بيلضم أسامينا .. الفلة جنب الياسمينة
ولد شاميا وعاش مصريا.. من أسرة مسيحية وأصبح مسلما متصوفا.. من عائلة مترفة وينتمى للبسطاء.. هو مؤسس شعر العامية الملحمى فى مصر.. هو والد الشعراء وأشعرهم.. هو من قال عن نفسه:
أنا الأديب وأبو الأدبا.
اسمى بإذن الله خالد.
وشعرى مفرود الرقبة.
زى الألف.
ورقم واحد.
ولد فؤاد حداد فى عام ,1927. والده سليم أمين حداد.. لبنانى من أسرة مسيحية.. كان طيب القلب سريع الثورة.. مخلصا فى عمله، منظما فى حياته.. جادا وكثير الخلاف مع ابنه الأكبر فؤاد حداد المتمرد بطبعه.. كان يعرف الوالد أن ابنه فؤاد عبقرى.. ويعرف معنى أن يولد للمرء شاعر عبقرى.
كتب الشاعر أمين حداد ابن الشاعر فؤاد حداد بقلمه مسجلا: كان جدى يكتب شعرا عموديا رصينا.. وحيث إنه كان أستاذا فى الرياضيات.. كان مثلا يكتب بيتا تحية «لفلان» فإذا حسبنا حروف البيت بحساب الجمل.. كان الناتج مساويا لتاريخ ميلاد هذا الفلان.. وكان جدى يحب «المتنبى» ويستشهد بأبياته فى حديثه.. وكان مفتونا بنجيب الريحانى ويفضل الزيتون الأسود على سائر الطعام.. أما أجمل شراب يشربه فهو الماء.
والدة فؤاد حداد سورية مسيحية استقرت أسرتها فى مصر.. يسجل أمين حداد: إنها من أمهر نساء العالم فى الطبخ وأعمال الإبرة والخياطة.. حادة الطبع شديدة الذكاء.. تعرف من يقف أمامها من نظرة واحدة.. تتكلم الفرنسية بطلاقة.. كريمة وتحب مصر حبا عظيما ولا تخفى عنصريتها واعتزازها وفخرها بعائلتها الارستقراطية، وأخوالها أميل بولاد المحامى الشهير وفريد بولاد ذلك النابغة الذى سافر إلى فرنسا للدراسة وأصبح من أشهر مهندسى الكبارى فى العالم، وهو الذى صمم كوبرى «كفر الزيات».
فى كل حى ولد عترة
ومازالت السطور بقلم أمين حداد: ولد أبى «مفنجل» العينين.. «يزغر» لمن حوله باندهاش.. قامت على تربيته فى طفولته الأولى مربية روسية.. ولم ينطق فؤاد بكلمة حتى صار عمره ثلاث سنوات، ثم فجأة تكلم كل الكلام مثل الكبار.. كان طفلا خفيف الدم، سريع الحركة يحب الناس جميعا خصوصا النساء!!
قال فؤاد حداد لأبنائه: «من وأنا صغير أحب الذوق البلدى.. وأحب الخلخال فى أرجل النساء.. وأحب الورد فى ملابسهن وعلى الكنب فى منادرهن.. المصريات أجمل نساء العالم». فى كل حى ولد عترة.. وصبية حنان
وكلنا جيرة وعشرة.. وأهل وخلان
أميرة عاقلة وفى الجملة العقل يطير
كانت صغيرة بضفيرة وكان هو صغير
كانت لما تلعب مع أخوها تلاقيه بيغير
ولما ترفع قلتهم تلاقيه عطشان
الولد ده قلبه كبير
اشتكت والدة فؤاد حداد لطبيب الأطفال من شهية فؤاد الضعيفة للأكل وكشف عليه الطبيب وقال إن حجم قلب هذا الولد كبير.
وقال فؤاد حداد فى قصيدة «العيار الفالت»
مين اللى زى الشوك
وزى البير.. زى الريحان
فى داخله الدبابير
مين اللى قلبه
اللى شعبه كبير
الأرض بتتكلم عربى
لفؤاد حداد شقيقان أصغر منه.. كان والدهم حريصا على أن يتعلم أبناؤه العربية على أصولها ورغم دراستهم الفرنسية في مدرسة الفرير ثم الليسيه والمدرس الخصوصي الوحيد الذى دخل بيتهم هو مدرس الخط العربى.. وكان فؤاد حداد يفخر بحلاوة «خطه» ويصفه بأنه مثل سلاسل الذهب ويقول: يجب ألا يوجد شاعر لا يملك خطا جميلا.
وفى سيرته الذاتية قال فؤاد حداد إن أباه كان يواظب على سماع القرآن فى المذياع مستمتعا بجمال آيات الذكر الحكيم.. ولكى يتعود الأبناء على سماع اللغة العربية بنطق سليم. وقال أيضا إنه ورث العناد من أجداده.. فجدته ماتت لأنها حملت شوال قمح ثقيلا رغم تحذير الجميع لها من مغبة حمله!! وجده مات لأنه سقط من فوق نخلة عالية رغم رجاء الناس له ألا يطلعها!!
كان فؤاد حداد تلميذا «مصحصح» نير العقل يكفيه شرح المدرس حتى يحفظ الدرس عن ظهر قلب. شهد له الجميع بالنبوغ فى الرياضيات واللغتين العربية والفرنسية.. ورغم إجادته اللغة الفرنسية وكأنها لغته الأم. إلا أنه كان يرفض أن يتكلم بها فى غير فصول الدرس.. مما سبب له مشاكل كثيرة مع رهبان مدرسة الفرير الذين كانوا يمنعون الكلام باللغة العربية داخل جدران المدرسة.
كان فؤاد حداد منذ طفولته يريد أن يصبح شاعرا.. ولما سئل عن السبب.. أجاب: لأساعد الناس حتى تكون حياتهم أفضل.
كيف يجعل الشعر حياة الناس أفضل؟
سؤال يطرح نفسه ويجيب عنه فؤاد حداد من خلال ما كتب لنكتشف أن الشعر عنده ليس موهبة أو هواية فقط.. بل مبدأ والتزام خلقى واجتماعى وتطوير مستمر.
ازرع كل الأرض مقاومة
ما بين عامى 1942 و1943 أثناء الحرب العالمية الثانية وثكنات الإنجليز فى العباسية غير بعيدة عن منزلهم بالظاهر.. اضطر والده إلى الانتقال إلى منطقة وسط البلد.. وانتقل فؤاد حداد إلى مدرسة الليسيه بباب اللوق.. وفيها تعرف على التيارات السياسية التى تموج بها البلد.. وانغمس فى السياسة.. ونادى الشعر على فؤاد حداد.. فذهب إليه واهبا له حياته.. وراح يجوب القاهرة شرقا وغربا.. حواريها وأزقتها ومقاهيها وموالدها ويقرأ كل ما يقع تحت يده من كتب الأدب ويحفظ عن ظهر قلب المعلقات وقصائد دريد بن الصمة ومالك بن الريب.. والبحترى.. والفرزدق وجرير وأبى نواس وابن الرومى وأبى العلاء المعرى.. وأحمد شوقى وخليل مطران وغيرهم كثيرون.. ولكن كان للمتنبى مكان الصدارة فى قلبه.
حفظ فؤاد حداد كل شعر المتنبى بداية من إيصاله بسيف الدولة.. حتى موته.. وظل يردد هذه القصائد بصوته الجميل حتى نهاية حياته وكأنه يتذوق حروفها وكلماتها.
فتن فؤاد حداد بشعراء الفرنسية وخصوصا «أراجون» والذى لعب الدور الرئيسى فى حياة فؤاد حداد.
أراجون واحد من أكبر شعراء المقاومة وكان عضوا قياديا فى الحزب الشيوعى الفرنسى. وعن فؤاد حداد كتب الشاعر هشام السلامونى قائلا: فؤاد حداد اختار كل حاجة فى حياته.. إحنا فى حاجات كتير اتولدنا بيها وما فكرناش فيها ومستمرة.. إنما هو فكر وغير.. يعنى اختار الوطن.. والدين.. والانتماء للطبقات الشعبية، وهو ابن العائلة المترفة والأرستقراطية، ولم يكن من المتصور أن يخرج من هذا البيت.. هذا الشيوعى.
كان فؤاد حداد مؤمنا بالشيوعية وعضوا فى تنظيمها المصرى.. وكان يغصب بشدة لو قال أحد عنه أنه يسارى.. ويقول «أنا شيوعى».
إلا فلسطين
ارتبط شعر فؤاد حداد منذ إصداره لديوانه الأول «أحرار وراء القضبان» عام 1947 بقضايا الأمة الرئيسية وفى مقدمتها قضية الحرية حرية الوطن وحرية المواطن. السجن مبنى من حجر
السجن مبنى من عيون السجانين
قضبان بتمنع النور والشجر زى العبيد مترصصين.
وإذا كان حداد ارتبط اسمه وشعره بالحركة الوطنية، فقد ارتبط أكثر باليسار المصرى ودفع ضريبة هذا الارتباط حين خاض تجربة الاعتقال للمرة الأولى سنوات 1956 - 1959 .. وساعتها لم يكن غريبا أن تحتل القضية الفلسطينية موقع الصدارة فى شعره.
القضية الفلسطينية عند حداد هى قضية العرب جميعا وتحريرها هو الهدف الذى ينبغى أن يجتمعوا لتحقيقه:
ولا فى قلبى.. ولا عينيا.. إلا فلسطين
أنا العشطان ماليش ميه.. إلا فلسطين
المقاومة فى شعر فؤاد حداد ليست مجرد طلقة رصاص أو دانة مدفع بل سلوك عام على جميع المستويات.. هى السبيل الوحيد لتحرير الوطن وإطلاق طاقات المواطن فى كل المجالات.. وعبر عنها فؤاد حداد فى قصيدته التى لحنها وتغنى بها سيد مكاوى:
ازرع كل الأرض مقاومة
ترمى فى كل الأرض جدور
إن كان ضلمة تمد النور
وإن كان سجن تهد السور
كون البادئ.. كل فروع الحق بنادق
غير الدم ما حدش صادق
من أيام الوطن اللاجئ
إلى يوم الوطن المنصور
فى المعتقل الثانى من عام 1956 أو حتى 1964 تحولت كلمات حداد من السياسة الخالصة إلى الإنسانية الممزوجة بالسياسة.. فقال فى إحدى مقالاته «أنا ربنا جاب لى مصر كلها وحطها معايا فى المعتقل.. شفت ناس من النوبة.. ومن الصعيد.. من بحرى ومن الإسكندرية وكل أنحاء الجمهورية.. جاءوا بأغانيهم وحكاياتهم. عن هذه الفترة كتب حداد:
أشكر اللى سجنونى
وبنيل وطمي عجنوني
ولأول مرة تظهر فى شعره معانٍ خارج الخط السياسى فكتب «رقص ومغنى» وفيها وصف الحيوانات بشكلها ونبضاتها.. يعنى يستحضر الدب ويستنطقه.. والفأر.. والكلب والديك وهكذا.. يقول على لسان الدب:
طلعت أدب البط ما بضش
نزلت أدب أخوك ما قبضش
أنا صاحب رقة وصاحب بطش
تزّز بقى ولا ألب
طلعت أدب.. نزلت أدب
وكل شبر وحتة من بلدى
من صراعات الشيوعية إلى أطياف التصوف وبالتحديد فى عام 1964 كتب فؤاد حداد ديوان «المسحراتى» الذى لحنه وغناه سيد مكاوى ليصبح أجمل الأعمال لتلك الشخصية الرمضانية التى توقظ الناس للسحور وقد حولها فؤاد حداد إلى دعوة لإيقاظ الوطن والضمائر والهمهم: مسحراتى
منقراتى.. منجراتى.. دواليب زمان
ما تشتكوش.. دقة شكوش
جت فى الأوان
دأنا فى انتقالى
من أول ساقيه
لسد عالى.. لقيت مكانى
سيرى يا موجة بالتكنولوجيا
لبر الأمان.. المشى طاب لى
والدق على طبلى.. ناس كانوا قبلى
قالوا فى الأمثال: الرجل تدب
مطرح ما تحب
وأنا صنعتي مسحراتى
فى البلد جوال
حبيت ودبيت كما العاشق.. ليالى طوال
وكل شبر وحتة من بلدى
حتة من كبدى حتة من موال.
كتب فؤاد حداد تحت عنوان المسحراتى مائة وإحدى عشرة قصيدة كان أولها عندما طلبت الإذاعة من صلاح جاهين كتابتها ولكن قال فؤاد حداد هيكتبها أحسن منى.
وكتبها حداد ليصبح أشهر مسحراتى فى التاريخ.
بدأت علاقة حداد وجاهين فى الأربعينيات من القرن الماضى وكان صلاح جاهين يكتب الشعر الكلاسيكى قبل أن يبلغ العشرين من عمره.. وقرأ يوما قصيدة بالعامية المصرية لمشاعر لم يكن قد سمع به آنذاك.. فقرر التعرف عليه.. لم يكن ذلك الشاعر سوى فؤاد حداد الذى أثر فيه تأثرا كبيرا مما جعل صلاح جاهين يقول: أنا تلميذ فؤاد حداد.
جمعت بينهما صداقة عميقة استمرت فيما بعد.. عندما تزوج الشاعر أمين حداد ابن الشاعر فؤاد حداد من السيدة أمينة ابنة صلاح جاهين،
وإذا كان فؤاد حداد أشهر مسحراتى.. فلا شك أن بيرم التونسى كان أقدم وأول مسحراتى فى الإذاعة فى بداية الستينيات حينما كان ينادى بكلماته عبر صوت المطرب والموسيقار محمد فوزى على سكان المحروسة.. وعلى حنية نشد فؤاد حداد:
يا عم بيرم أقول
وأنشد على ضيك.. مين اللى زيك
صاحب الكنز الأصيل
القافية بتطاوع.. معاه والنيل تعرف فؤاد حداد على بيرم التونسى وفتن به وكتب عنه كثيرا.. أما بيرم التونسى هذا الشاعر العظيم فقال لا أحد أشعر من فؤاد حداد ويبدو أن قدر مصر أن يكون أكبر شعراء عاميتها شامى وتونسى.
عم فضل الله
من أكثر الشخصيات التى أثرت فى حياة شاعرنا فؤاد حداد وشعره وذكره حداد فى سيرته.. كان عم فضل الله طعمه رجل من أصدقاء والده ثم أصبح صديقا لفؤاد حداد.. دخل مجالات عمل عديدة وطاف حول العالم.. ومعه تعرف حداد على الملاحم الشعبية أبوزيد الهلالى وعنترة بن شداد، وحكى له عم فضل الله حكايات طريفة ومثيرة عن كل شىء.. وفى شتى المجالات.. ما كان يفعله جورج أبيض قبل أن يدخل المسرح.. ويوسف وهبى ومغامراته النسائية.. ونجيب الريحانى وبشارة واكيم، واستيفان روستى وكيف أنه كان يأخذ حمام الشمس فوق سطوح العمارة، وإن الممثل إلياس مؤدب ليس شامياً.. وحكايات عن غرابة أسماء العائلات اللبنانية.. حكايات لاتنتهى ومناقشات عن شعراء العرب القدامى والمعاصرين.
لاشك أن صداقته وهو صبى بشيخ فى عمر أبيه، خفيف الروح واسع المعرفة ذى حديث جميل.. قد أثر فى فؤاد حداد وشعره والذى نجده فى قصيدة «عمليات الربيع تحت البنج الشفتشى» وقصيدة كاملة فى ديوان المسحراتى:
مسحراتى على النبى صلى
منقراتى والقمر بسام
شايلك فى قلبى يابافضل الله
ابن الأوائل من بلاد الشام.
الأرض بتتكلم عربى
بعد نكسة 1967 انطلق فؤاد حداد يكتب بكل طاقاته وكان أكثر الأدباء إنتاجاً.. وأول بيت قاله بعد الحرب.. «الأرض بتتكلم عربى» مستحضراً التاريخ العربى ليكون حافزا للمقاومة وعدم الاستسلام للهزيمة.
وكان ديوانه «من نور الخيال وصنع الأجيال فى تاريخ القاهرة» الذى قال فيه: الأرض بتتكلم عربى.. بتقول الله
إن الفجر لمن صلاه
ماتطولش معاك الآه
وبعد انتصار أكتوبر ،1973. كتب «الليلة يا سمرة» التى تغنى بها محمد منير.. وقال: البنت قالت فستانى
منشور على الشط الثانى
خدنى المراكبى وعدانى
ورجعت فى القمره
الليلة يا سمرة يا سمارة.
تعالى نلضم أسامينا أدرك فؤاد حداد منذ الطفولة المبكرة أن مصر هى الأم.. مصر التى لجأ إليها أجداده وأبوه وذابوا فيها وأصبحوا من أهلها وأبنائها.. نظر حداد من حوله فوجد نيلا عريضاً فياضاً يحمل خيراً وسماراً أفريقياً.. ورأى فلاحاً نحيلاً لفحته الشمس وتشبثت جذوره فى الأرض.. فمنذ آلاف السنين يزرع أرضاً مصرية عربية.. ووجد أن أسماء القرى والكفور والنجوع مزيجاً من الفرعونية والقبطية والعربية.. وكتب: «تعالى نلضم أسامينا»:
تعالى نلضم أسامينا
الفلة جنب الياسمينة
قنا سوهاج الإسماعيلية
بنت الصعايدة يا بحرية
الأقصر غزالة محنية
فى إسكندرية ترسينا
وأنا رشيدى ودمياطى
آخذك يا منصورة فى باطى
وأغنى وأرقص سنباطى
قبل القمر ماينسينا
من السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى كان شاعرنا يحرر باب «قال الشاعر» فى مجلتنا صباح الخير.. ينشر فيه أسبوعياً قصيدة لأحد الشعراء مع ردود رسائلهم وقصائدهم.. وقدم فيه مقالات مختلفة عن الشعر العربى والكثير من القصائد المترجمة عن الفرنسية لأراجون وأيلوار وينرودا وشعراء أفارقة مثل سيخور وغيره.
رحل فؤاد حداد وهو فى قمة لياقته الإبداعية.. رحل تاركاً وراءه تراثاً هائلاً من الشعر والأدب.. رحل دون جائزة إلا حب الشعر والناس.. رحل وفى عينيه وقلبه الوجه الخالد للمحبوبة مصر يتجلى فى كل وقت وكل لحظة شامخاً عالياً.. رحل فؤاد حداد الأديب أبو الأدبا.. اسمه خالد.. وشعره مفرود الرقبة.. زى ألف ورقم واحد.
من أهم أغنيات فؤاد حداد
الأرض بتتكلم عربى - سيد مكاوى
الليلة يا سمرة - لحن: أحمد منيب - غناء: محمد منير
صلينا الفجر فين - لحن: حسين فوزى - غناء: على الحجار
تعال نلضم أسامينا - لحن: أحمد منيب - غناء: محمد منير
فى كل حى ولد عترة: لحن عبدالعظيم عويضة.. غناء كورال الطليعة - ومحمد منير.
أزرع كل الأرض مقاومة: سيد مكاوى
إلا فلسطين: سيد مكاوى - محمد رشدى
دخلت مرة حى الأزهر: سيد مكاوى
طلعت أدب نزلت أدب: سيد مكاوى - إيمان البحر درويش.
فنان فقير: لحن محمد الشيخ - غناء: محمود الجندى.
من صغر سنى: لحن محمد طه - غناء: محمد الحلو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.