قبل قيام الثورة المباركة ثورة 25 يناير كان المصرى مهانا ذليلا، يئن من وطأة الظلم والاستبداد والفساد تتقاذفه أهواء الحاكم يمنة تارة ويسرة تارة أخرى، لا يستطيع المطالبة بحقوقه التى أهدرت على يد حكام لم يراعوا الله فيه، بل لا أبالغ إذا قلت أن المصرى كان لا يجرؤ أن يفتح فاه ويتأوه "آه، آه" إلا عند طبيب الأسنان على حد قول أحد المثقفين. وعندما شاء الله أن يستيقظ المصرى من ثباته العميق وقرر أن يقول بأعلى صوته "آه" بل وصرخ مناديا من أجل العيش والحرية والكرامة الإنسانية أصابته رصاصات الغدر والاستبداد وروت دماؤه الزكية أرض الوطن حتى تنبت لنا الأمل والوطنية للأجيال القادمة، وهذا ما كنا نظنه، ولكن كما يقال تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فبعد تنحى مبارك وترك الثوار الميدان، اختلف إخوة الأمس بعد أن كانوا يدا واحدة فى الميدان، لم يستطع النظام الحاكم ساعتها تفريقها فكان المسيحى يحمى أخيه المسلم أثناء صلاته وكان المسلم يحمى الكنيسة من عبث عابث يريد شق وحدة الثورة، ولم يكن هناك ساعتها أيضا تصنيفات أيديولوجية بل اتسع الميدان للجميع يسارى وإسلامى وعلمانى وليبرالى وقومى، لكن صدق من قال دوام الحال من المحال وأن بريق السلطة يفرق ولا يجمع، فقد بدأت الفتنة بين الجميع من أجل اقتسام تورتة الوطن، وتبارى كل فصيل فى القدح للفصيل الآخر والتشكيك فيه وازداد التنابز بين إخوة الأمس القريب فصاروا أعداء اليوم، مما أنهك الشعب وازدادت الأحوال اضطرابا وهرب الأمن والأمان مما جعل العديد من المصريين يصرخون ويتندمون قائلين "ولا يوم من أيامك يا مبارك"! وعاد من قامت الثورة من أجل إزاحتهم واجتثاثهم إلى صدارة المشهد السياسى وقد تتهموننى بالغباء أو عدم الوطنية وأننى من الثورة المضادة لو قلت لكم إننى توصلت إلى نتيجة أرجو الله ألا تحدث وهى أنهم باتوا الأقرب لحكم مصر مرة أخرى وما كان ليحدث ذلك إلا بسبب المطامع البشرية وعمليات الإقصاء التى يمارسها كل فصيل على الآخر كى ينفرد بالحكم، إننى من هنا أبعث برسالة لكل القوى السياسية التى اشتركت فى الثورة المصرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ارجعوا عما أنتم فيه من نزق للسلطة، دعوها إنها منتنة ولتقدموا مصلحة الوطن الكبيرة على مصلحتكم الخاصة الضيقة وتعالوا إلى كلمة سواء تجمع ولا تفرق، تبنى ولا تهدم تحبب ولا تبغض، ولتعلموا أننا فى سفينة واحدة إذا غرقت سيغرق كل من فيها من الركاب وإذا نجت سينجوا كل من فيها، لقد منحنا الله تعالى فرصة قيام الثورة ونجاحها فى إزاحة العديد من رؤوس الظلم والطغيان، فلا تضيعوها بسبب أهوائكم وحبكم للسلطة وعبوديتكم للكرسى، لن نسامحكم على إهدار الثورة التى طالما حلمنا بها، والتى سالت من أجلها دماء إخوتنا وأبنائنا، وحتى لا تقرأ الأجيال القادمة فى كتب التاريخ عن تلك اللحظة بأننا شعب قد مات حين أراد الحياة.