بعد العودة من الإصابة، رسالة مؤثرة من إمام عاشور تشعل مواقع التواصل عقب فوز مصر على نيجيريا    تشيلسي يتأهل لنصف نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    وزير الرياضة وأبو ريدة يحفزان المنتخب قبل أمم أفريقيا    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    انهيار مفاجئ لمنزل قرب معبد إسنا يصيب سيدة ويستدعي تحركا عاجلا    خطأ بالجريدة الرسمية يطيح بمسؤولين، قرارات عراقية عاجلة بعد أزمة تجميد أموال حزب الله والحوثيين    إعلان الفائزين بجائزة نجيب محفوظ للرواية 2025 فى مصر والعالم العربى    «كان مجرد حادث» لجعفر بناهي في القائمة المختصرة لأوسكار أفضل فيلم دولي    أرمينيا تتهم الاتحاد الأوروبي بالتدخل في شؤونها الداخلية    فيفا يكشف تفاصيل تصويت العرب فى «ذا بيست» 2025    اللاعب يتدرب منفردًا.. أزمة بين أحمد حمدي ومدرب الزمالك    كأس ملك إسبانيا، برشلونة يتخطى جوادالاخارا بهدفين ويتأهل لدور ال16    عمر كمال وأحمد بيكام يشاركان أحمد عبد القادر حفل زفافه بالدقهلية.. صور    تشيلسي يتأهل لنصف نهائي كأس الرابطة بالفوز على كارديف سيتي    استطلاع: انخفاض نسبة تأييد ترامب إلى 39% بسبب أدائه الاقتصادى    جزار يقتل عامل طعنا بسلاح أبيض لخلافات بينهما فى بولاق الدكرور    تفاصيل مداهمة مجزر «بير سلم» ليلاً وضبط 3 أطنان دواجن فاسدة بالغربية    رجال السكة الحديد يواصلون العمل لإعادة الحركة بعد حادث قطار البضائع.. صور    بعد أيام من زواجها.. أب يطلق النار على ابنته في أسيوط    إصابة 10 أشخاص فى حادث تصادم سيارة ميكروباص ونصف نقل على طريق الكريمات    القبض على شريك سارة خليفة في تعذيب شخص بالقاهرة    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: الحكومة هدفها خفض الدين العام والخارجى    مسؤول إيرانى سابق من داخل السجن: بإمكان الشعب إنهاء الدولة الدينية في إيران    دار الشروق تهنئ شريف سعيد بفوز «عسل السنيورة» بجائزة نجيب محفوظ    ياسمينا العبد عن «ميد تيرم»: عمل شبابي والجمهور لسه ما شافش المفاجأة الحقيقية    ضياء رشوان: ترامب غاضب من نتنياهو ويصفه ب المنبوذ    هيئة الدواء: نظام التتبع الدوائي يوفر رؤية شاملة ويمنع النواقص    "الصحة": بروتوكول جديد يضمن استدامة تمويل مبادرة القضاء على قوائم الانتظار لمدة 3 سنوات    نائب وزير الصحة: الولادة القيصرية غير المبررة خطر على الأم والطفل    سوريا تعلن مقتل قيادي واعتقال 8 بعملية ضد داعش    بنك المغرب يحافظ على سعر الفائدة الرئيسي عند 2.25% وسط حذر اقتصادي    أحمد مراد: لم نتعدَّ الشخصية الحقيقية لأم كلثوم.. والست عمل درامي لا تسجيلي    خبير تشريعات يكشف الهدف من زيادة حد إعفاء السكن من الضريبة العقارية    صحيفة «لوموند» تكشف أساليب إسرائيل لفرض «عهد إرهاب غير مسبوق» في الضفة الغربية    تفاصيل خاصة بأسعار الفائدة وشهادات الادخار فى مصر    محافظ الجيزة يشهد فعاليات الجلسة الختامية للندوة العالمية الثانية لدار الإفتاء    شيخ الأزهر يستقبل مدير كلية الدفاع الوطني ويتفقان على تعزيز التعاون المشترك    انعقاد اللجنة الدائمة لمتابعة العلاقات المصرية – الإفريقية    «القومي للمرأة» يشارك في احتفالية اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    رئيس هيئة المحطات النووية يشارك في فعاليات المنتدى العربي السابع    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    إقبال في اليوم الثاني من إعادة انتخابات مجلس النواب 2025 بالأردن    لا إغلاق لأى مصنع.. خطة للتقنين ودعم العمالة وإبقاء تبعية هيئة القطن ل «الاستثمار»    السكرتير العام لبني سويف يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات الخطة الاستثمارية    التأمين الصحى الشامل.. خطوات الاشتراك ومزايا الرعاية الطبية المتكاملة للأسرة    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    وزير التعليم ومحافظ أسوان يتفقدان المدرسة المصرية اليابانية    البورصة تخسر 22 مليار جنيه بختام تعاملات منتصف الأسبوع    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    «المصدر» تنشر لائحة النظام الأساسي للنقابة العامة للعاملين بالتعليم والبحث العلمى    * رئيس هيئة الاستثمار يثمن دور "نَوَاه العلمية" في تعزيز الابتكار والمعرفة ويؤكد دعم الهيئة المستمر للقطاع العلمي    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    أيمن أبو عمر: بروتوكول الإفتاء والقومى للطفولة يهدف لتعزيز حماية الأطفال    جولة مفاجئة لمدير "تعليم الجيزة" في مدارس العمرانية    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    برشلونة يواجه غوادالاخارا الليلة.. بث مباشر لموقعة كأس إسبانيا 2025/2026    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد مسار شامل للتطوير وليس إجراءً إداريًا    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداوِنى بالتى كانت هى الداءُ
أنفلونزا الخنازير بين الحقائق والأساطير..
نشر في اليوم السابع يوم 15 - 05 - 2009

بين هؤلاء الذين يعلنون بداية نهاية البشرية، وأولئك الذين يستخفون بهم، وبين هؤلاء الذين يلعنون الحكومة المصرية على مذبحة الخنازير، وأولئك الذين يشكرونها، يضيع كثير من الحقائق، ويضيع التناول العاقل الذى يحفظ المجتمع من حالات الفزع والاضطراب.
يعود هذا فى أساسه إما إلى نقص الحقائق والمعلومات، أو إلى الفشل فى إيصال ما هو متاح من حقائق ومعلومات، أو إلى مزيج من كليهما معاً. هذا المقال يحاول الإسهام فى سد هذه الثغرة.
حتى كتابة هذه السطور أعلنت منظمة الصحة العالمية أن 29 دولة، أعلنت رسمياً إصابة ما مجموعه 4379 شخصاً بأنفلونزا الخنازير المعروفة علمياً باسم H1N1. وما نلاحظه لأول وهلة فى تقرير المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة، هو خلو قائمة الدول المصابة من اسم مصر، ربما لأنه لا توجد فعلاً حالات مصابة فى مصر، وربما لأننا نعلم بها لكننا لم نعلن عنها رسمياً أمام العالم، وربما لأنها موجودة ولا يعلم بها أحد. هذه الاحتمالات الثلاثة لا رابع لها، اللهم إلا احتمال أنه تم الإعلان «سراً» عن حدوث إصابات فى مصر.
الملاحظة الثانية، أن معظم الإصابات والوفيات لم يعد متركزاً فقط فى المكسيك، منبع المرض، التى بلغ فيها عدد المصابين حتى وقت كتابة هذه السطور 1626 حالة، تم إثباتها معملياً (ومن شبه المؤكد أن ثمة حالات أخرى لم تُثبت معملياً بعد)، وأن هذه الحالات مات منها حتى الآن 45 شخصاً (وهو رقم مرشح للصعود فى كل لحظة)، أى بنسبة أكبر من 2.7 فى المائة. ولأن المكسيك دولة فقيرة، تنتمى إلى دول العالم الثالث، فإن من «حسن الحظ« أن الدولة التى تحتل الصدارة الآن من حيث عدد الإصابات هى الولايات المتحدة الأمريكية، أقوى دولة فى العالم، بعدد إصابات بلغ حتى وقت كتابة هذه السطور 2254 حالة؛ إذ إن اللافت للنظر أنه لم يمت من هذه الحالات حتى الآن سوى حالتين اثنتين، أى بنسبة أقل من 0.09 فى المائة فقط. وهناك دولتان أخريان متقدمتان ،بلغ عدد الإصابات فى إحداهما 280 حالة (كندا) لم يمت منهم سوى شخص واحد، وفى الأخرى 93 حالة (إسبانيا) لم يمت منهم أحد، أى أن نسبة الوفيات صفر فى المائة.
بعبارة أخرى، إذا طبقنا نظرية النسبة والتناسب، كان لا بد أن يموت حتى هذه اللحظة فى أمريكا أكثر من 62 شخصاً، وفى كندا أكثر من سبعة أشخاص. هذا التفاوت الضخم فى نسبة الوفيات بين العالم المتقدم من ناحية والعالم المتخلف من ناحية أخرى، سيصيب البعض لدينا بالإحباط وربما أيضاً بالقلق من احتمال انتشار المرض فى بلادنا، لا قدّر الله، باعتبار تشابه ظروفنا مع المكسيك أكثر من تشابهها مع أمريكا أو كندا، لكنه فى الوقت نفسه يفتح أمام البشرية باباً واسعاً للتفاؤل. يعود هذا إلى عدة أسباب، لكنه يعود أولاً ببساطة إلى الفارق فى مستويات مجموعة من المفاهيم الحاسمة، على رأسها: العلم والوعى والصراحة، وهى أسباب فى مجملها يمكن الأخذ بها، وليست حكراً على أمريكا أو كندا.
أمامنا فى هذا الإطار مجموعة من الحقائق لا بد أن نكون على وعى بها. أولاً، إن هذا نوع من الإنفلونزا فى غاية العدوى، يصيب الجهاز التنفسى للخنازير، ويحدث هذا عادةً فى نهاية الخريف وبداية الشتاء حين تتراوح نسبة الإصابة فى القطيع من 1 % إلى 4 %. ثانياً، يزيد شغف العلماء بنوع الجرثوم المسبب لهذا النوع من الإنفلونزا، نظراً لما لدى الخنازير من قدرة على الاحتفاظ فى أجسادها بجراثيم متنوعة، تزيد من صعوبة الفصل بينها، كما تزيد من سهولة تداول الجينات بين هذه الجراثيم، وهو ما يمنحها شراسة وقدرة عالية على الانتشار.
ومن المعروف أن جراثيم الأنفلونزا تتكون عادةً من ثمانية جينات، تحتوى النسخة الحالية منها على ستة جينات من ذلك النوع المنتشر فى أمريكا الشمالية، واثنين لهما تاريخ مع الخنازير الأوروبية والآسيوية.
ثالثاً، ينتقل الجرثوم من الحيوان إلى الإنسان بنفس الطريقة التى ينتقل بها جرثوم الأنفلونزا من الإنسان إلى الإنسان: فقاعة مائية دقيقة تحمل الجرثوم من خلال رذاذ الأنف أو الفم أثناء السعال (الكُحة) أو العطس، إما مباشرة إلى الجهاز التنفسى (عبر الأنف أو الفم) لمن تصادف وجوده حول المريض، أو إلى يد المصاب (أو حول وجهه) التى يمكن أن تنقلها بعد ذلك إلى آخرين عبر التصافح بالأيدى (أو التقبيل)، أو بشكل غير مباشر عندما يستقر الرذاذ على أى سطح (مثل القميص أو المقعد أو الطاولة أو مقبض الباب) يتصادف أن أحداً سيلمسه بعد ذلك ثم يمسح أنفه بيده.
رابعاً، رغم أن فيروساً متصلاً بالخنازير استطاع فى عام 1918 القضاء على حوالى 50 مليون إنسان فى مختلف أنحاء العالم (و هو أضعاف من قتلوا أثناء الحربين العالميتين)، فإن البشرية بدأت منذ عام 1930 فى فهم ما حدث (و إن لم تكتمل معرفتنا بعد)، وكان هذا من بين الأسباب التى جعلت من هجومه عام 1976 أقل خطورة عندما أصاب حوالى 200 شخص فى نيوجيرسى لم يمت منهم إلا شخص واحد. وبين عامى 2005 و2009 (قبل الهجمة الحالية)، لم تسجل فى أمريكا سوى 12 حالة لم يمت منها أحد.
خامساً: استطاع العلماء فى مركز السيطرة على الأمراض فى جورجيا فصل الفيروس بعد أخذ عينة من أحد المصابين، وهم يعكفون فى هذه اللحظات على تطوير مصل مضاد لهذا الفيروس وإن كان إنتاجه على نطاق واسع، سيستغرق من أربعة إلى ستة أشهر.
ومثلما هى الحال مع مواجهة سم الثعبان بالترياق الذى يحتوى على قدر من السم نفسه، سيحتوى المصل المضاد على عينة من جرثومة أنفلونزا الخنازير، تلعب دور المنبّه والمنشّط لجهاز المناعة فى الإنسان. وهى طريقة عرفتها البشرية منذ زمن طويل، حتى أن الشاعر العباسى أبونواس أشار إليها فى سياق حديثه عن الخمر: «دع عنك لومى فإن اللوم إغراءُ/ وداوِنى بالتى كانت هى الداءُ».
وكان القدماء يعالجون المجانين ومرضى الصرع بوجبات المخ، ومرضى قرحة المعدة بقوانص الدجاج، ومرضى الروماتيزم بكلية الغزال، إلخ، حتى أنه عندما أصابت ليلى العامرية قيس بن الملوح فى قلبه شغفاً وحباً، ذبح له أحدهم شاةً وقدم له قلبها فقال: «و شاةٌ بلا قلبٍ يداووننى بها / وكيف يداوى القلبَ من لا له قلبُ؟».
غير أن الذى يبعث على قليل من القلق، هو حقيقة أن فيروس عام 1918 كان قد زار البشرية بصورة ضعيفة فى مثل هذا الوقت من العام، ثم هدأ قبل أن يعود فى صورة متوحشة مع نهاية الخريف. ولأننا رغم التقدم العلمى الذى أصبناه، لا نعلم تماماً كل ما ينبغى علينا أن نعلمه عن هذا العدو الغامض الذى لا نستطيع رؤيته، ولا نفهم إلى حد بعيد كيف يعمل، فإنه ينبغى علينا أخذ جميع الاحتياطات التى يمكن أن يفكر فيها العقل البشرى. وعلى رأس هذه الاحتياطات: تجنب السفر إلا إذا كانت الدواعى قاهرة، والابتعاد عن أماكن التجمعات خاصةً غير الموثوق فى نظافتها، والابتعاد تماماً عن أى شخص يُلاحظ أنه يسعل أو يعطس، وتجنب المصافحة والاحتضان والتقبيل، وغسل الأيدى مراراً وتكراراً بالماء والصابون، ومسح أسطح المناضد والمقاعد ومقابض الأبواب والنوافذ والدواليب بمنديل معطر يحتوى على مادة مطهرة، والتخلص فوراً من المنديل بعد استخدامه والقيام بذلك مراراً وتكراراً، وأخيراً تجنب استخدام اليد العارية فى دعك أو لمس الأنف أو الفم أو العينين تجنباً تاماً.
ربما تكلفك هذه الاحتياطات بعض الوقت، وقليلا من الجهد، والنذر اليسير من الميزانية، لكنها في النهاية ربما تعني حياتك وحياة أحبائك وأنت لا تدرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.