قد يكون من حقنا التشكيك فى نية الآخرين تجاه مصر ، لكن هذه النية لا يجب أن تظل مسيطرة علينا مدى الحياة ، لدرجة تدفعنا إلى معاداة الجميع دون فائدة ، أو بمعنى أخر معادة قد تضر بمصالحنا ، فمنذ انطلاق ثورة 25 يناير والتشكيك هو السمة الأساسية لحياتنا لدرجة أننا نشكك فى أنفسنا دون أن نحاول جاهدين إلى التحقق من مدى صدق أو زيف هذا الشك . التشكيك أمر مشروع لكن لا يجب أن يدفعنا إلى معاداة أنفسنا والإضرار بها ، طالما أن النية واضحة إمامنا ، وأسوق هنا مثالا عما يحدث بشأن دولة قطر ، فالشك منها أصبح ملازما لكل ما تقوم به تجاه مصر ، حتى وان كانت النية سليمة ، وهذا الشك فى النوايا جعل بعضنا يقف بالمرصاد أمام ضخ الاستثمارات القطرية فى مصر ، وتصويرها على أنها موجهه لدعم فصيل واحد وهو جماعة الإخوان المسلمين فى مواجهة بقية فصائل المعارضة المصرية ، متناسين أن هذه الاستثمارات لم تعرف طريقها للاقتصاد المصرى فى أعقاب الثورة ، وإنما سبقتها بسنوات ، ولم يقل أحد وقتها أن هدفها مساندة أو دعم الإخوان المسلمين ، لان منطق الأمور يؤكد أن الاستثمارات القطرية مثلها مثل باقى الاستثمارات العربية والأجنبية الأخرى لن تذهب إلى خزينة فصيل معين وإنما ستذهب إلى خزينة الدولة المصرية التى تعانى ألان من أزمة مالية لا تحل بالقروض والمساعدات والمعونات ، وإنما بالاستثمارات القادرة على توفير فرص عمل ، وضخ النقد الاجنبى مرة أخرى للسوق المصرى . وحتى أذا افترضنا جدلا بصحة هذه الاتهامات ، فلماذا لم نسأل أنفسنا هل فى فرنسا أو بريطانيا جماعات أخوانيه ترغب قطر فى دعمهم لكى تصل بهم إلى قصر الاليزيه أو 10 داوننج ستريت ، الاجابة بالطبع لا ، لكن قطر تحاول أستغلال وأستثمار من توافر لها من مصادر دخل لذلك تبحث عن الاماكن التى تتوافر فها أجواء جيدة للاستثمار لكى تستثمر أموالها ، فنراها فتحت أبوابا جديدة للاموال العربية فى قلب أوربا ، وتحاول من جهة أخرى ضخ أستثماراتها فى دولا عربية من بينها مصر لتحقيق عدة أهداف منها دعم الاقتصاد المصرى ، ولا يخفى على أحد هنا كافة التصريحات المنسوبة للمسئوليين القطريين بأنهم يحاولون مساعدة مصر بدعم أقتصادها ، فلماذا نقف نحن أمامهم . نعم قد نفرح كثيرا بما أعلنته الدوحة بتقديم مساعدات لمصر عبارة عن خمسة مليارات دولار منها مليار دولار منحة ، والاربعة الباقية ودائع لدى البنك المركزى المصرى ، لكن علينا أن نبحث عما هو أفضل ، والافضل لنا كمصريين وللقطرين أيضا أن نفتح أسواقنا للاستثمارات القطرية وغيرها أيضا من الاستثمارات العربية ، لكن قطر حاليا هى التى بادرت بلاعان المبكر عن استعدادها لضخ أموالا فى مشروعات مصرية ، فى حين أبدى أخريين تخوفهم بل وسحب أموالهم من السوق المصرية مما تسبب فى حدوث الازمة الاقتصادية التى نعيش اعراضها فى الوقت الحالى . ليس بعيدا عنا الجدل الذى صاحب أعلان قطر عن استعدادها لضخ استثمارات مباشرة بنحو 18 مليار دولار، منها 8 مليارات دولار للاستثمار في منطقة قناة السويس، و 10 مليارات دولار في منطقة الساحل الشمالي، واستقبل الكثيرون هذا الاعلان بتشكيك واضح فى النوايا القطرية وأنهم يسعون لتأجير قناة السويس وغيرها من الامور التى تداولت خلال الفترة الماضية ، ورغم النفى الرسمى من جانب الحكومة المصرية لفكرة تأجير أو بيع قناة السويس باعتبارها ملكا لكل المصريين وليست لحكومة او رئيس ، ومع تأكيدات رسمية منسوبة لقيادات عسكرية بأنهم لن يوافقوا على مثل هذه الاطروحات ، الا أن الاتهامات لازالت تتردد مع أنها لا تستند لدليل واضح ، فالاستثمار فى منطقة قناة السويس لا تعنى بيع أو تأجير القناة ، لان القناة هى مجرى مائى دولى أكبر بكثير من فكرة البيع أو التأجير ، لكن الم يحن الوقت لاستغلال هذه المنطقة الشاسعة لتحقيق مكاسب سواء مادية تضاف للاقتصاد المصرى ، أو من خلال توفير فرص عمالة للمصريين من خلال مشروعات أستثمارية عملاقة شبيهه بما حدث فى ميناء العين السخنى التى تديرها شركة أماراتية ولم يقل أحد عنها أنها تحاول شراء مصر . وربما يكون من المفيد الاشارة هنا إلى قائمة المشروعات التى قدمها مجلس الاعمال المصرى القطرى للرئاسة والحكومة المصرية وحددها ب34 مشروعا عملاقاً فى قطاعات الزراعة والصناعية والخدمات لتنفيذها باستثمارات قطرية تصل الى 18 مليار جنية خلال السنوات الخمس المقبلة بما يضمن توفير نحو مليون فرصة عمل جديدة على الاقل فى القطاعات الثلاثة ، حيث تضمن الاقتراح 4 مشروعات فى قطاع الزراعة و24 مشروعاً متكاملاً فى قطاع الصناعة، و6 مشروعات فى قطاع الخدمات ، وأرى أنه من الفضل النظر بعين المصلحة لهذه القائمة ، وأشير هنا إلى ما قاله الدكتور محرم هلال رئيس الجانب المصري بمجلس الاعمال المصري القطري عن أهمية الاستثمار القطري في مصر، وتأكيده ان قطر من أهم وأغني الدول المجاورة وأن التعاون الاقتصادي العميق بين البلدين له ضرورة ملحة لمساعدة مصر علي تجاوز الازمة الراهنة، ملمحا فى هذا الاتجاه إلى أن الجانب القطري يبدي ترحيبا ملحوظا بالتعاون معنا، حيث بادر باتخاذ عدة قرارات ايجابية مشجعة للتعاون، منها زيادة الكوتة الجمركية لبعض صادرات مصر الي قطر كذلك تيسير الحصول علي التأشيرات القطرية . ايضا السفير جمال الدين البيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب يؤكد من جانبه أن دخول الاستثمارات القطرية في السوق المصري والإعلان عن ضخ 18 مليار دولار في شرايين الاقتصاد خلال السنوات الخمس المقبلة مؤشر طيب، ويعكس النوايا الصادقة من دولة قطر لدعم الاقتصاد المصري خلال المرحلة التي يمر بها حاليا.