بعد أن قام الاستعمار بتقسيم الوطن العربى فى مطلع القرن الماضى إلى دويلات صغيرة وجعلهم شعوبا متناحرة متحاربة، ونصب على كل دويلة حكومة له موالية تأتمر بأمره ونهيه وتحفظ له مصالحه ومشاريعه فى المنطقة، رجع إلى وطنه الأصلى بعد أن أمن له الأموال والثروات والسمع والطاعة من حكومة ظاهرها الوطنية، ويحتفى شعبها كل عام بأمر حاكمها بيوم ثورتهم التى سموها شعبية وأطلوها بزى الوطنية، والشعب يقتله الجهل والجوع منذ أن قامت ثورتهم الأجنبية، واستمر الحال هكذا عقودا طويلة حتى خرج البوعزيزى فى تونس وأحرق نفسه ليثبت للعالم كله أن حكومة بلاده لم تكن شرعية ولا وطنية وإنما هى حكومة استبدادية جاءت لنهب ثروات البلاد وخيراتها وجمعها فى قصورها الدموية، لتنفقها بعد ذلك على شهواتها ورغباتها الشخصية، وما فاض ترسله إلى سادتها الأغراب فى الدول الغربية وبنوكها الربوبية، وتترك الأطفال والجياع من غير غذاء ودواء، ولهذا شكى البوعزيزى الفقر والحرمان ونفذ صبره بعد أن قام شرطى الاستعمار بمنعه وضربه لأنه يدفع عربته اليدوية ليجنى منا لقمة عيشه اليومية، فأحرق البو عزيزى نفسه فمات، وأنهى بذلك حكومته الرجعية بعد أن خرج شعبه بثورة شعبية، وهكذا انتهى البوعزيزى وانتهت مأساته اليومية وانتهت حكومته القمعية وبقى الشعب وبقت مأساته اليومية الدموية ولم تُنه مأساته حتى حكومته المنتخبة الشرعية، ولو بقى الأمر محصورا بتونس لهان الخطب وقل الضرر ولكن انتقلت العدوى إلى بلدان أخرى فتقاتل الشعوب والحكام وعم الخراب والدمار فضاع الأمن والأمان، ولا يعرف أحد إلى أين تسير الشعوب وأين ستنتهى ولا ما هو مصير الحكام ؟ ولا يفوتنى أن أذكر أن البو عزيزى انتحر والإسلام يحرم على المسلم قتل نفسه لأى سبب كان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يتوجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) صحيح الجامع، غفر الله ل (البو عزيزى) والله واسع الفضل والإحسان.