خرجت علينا الصحف بخبر تعيين ابن الرئيس فى إدارة الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية، وانفجرت تعليقات المؤيدين والمعارضين من كل حدب وصوب، البعض يتساءل ما ذنب ابن الرئيس فى كون أبيه رئيس مصر، والبعض ينكر عليه أن يعمل فى حكومة الأب، وضيعة المرشد، والبعض وقف عاجزا عن أن يتصور أو أن يصدر حكما، وبطبيعة الحال فالموقف الإعلامى فى مصر وصل إلى أعلى مستوى من مستويات التحيز، فإعلام المعارضة والإخوان ومن يتبعهم كلا قد علق المشانق، وأطبق على خصمه شاهرا سيف قلب الحقائق ، وتحريف المعلومات صانعا دوامة تخنق الحقوق ، وتصنع حقوقا جديدة لأناس جدد. وفى مثل هذه الأحوال ، يخرج إلينا التاريخ منقذا، وعلوم الرياضيات والمنطق متكئا ، لا يستطيع احدا ان يغالطه أو ان يفرض منطق المغالطات على محترفى العلم، والفلسفة. إن العلماء والفلاسفة لا يستطيع ان يفرض عليهم احدا منطقا مغلوطا ، فقد خلقهم الله مخرجا للناس من الفتن ، ومنقذا لهم من ضياع الحق ، وانتشار الباطل. وكما خرج علينا الرئيس فى ميدان التحرير وهو يبايع الناس على الصيغة الصديقية، وهو يقول أطيعونى ما أطعت الله فيكم، نخرج على الناس لكى نذكرهم بما حدث مع بن الخطاب رضى الله عنه ، وهو بالمناسبة عمر أيضا ولكن شتان بين العمرين. فقد أشار بعض الناس على عبد الله بن عمر، أن يستثمر بعضا من ماله فى شراء وتربية الإبل ، فيشتريها ويدعها ترعى تأكل من الأرض وما نبت منها ، فتثمن فيبيعها ويكسب من الرعى شيئا، يساعد عبد الله بن الخطاب على حياة أبيه عمر القاسية فى التقشف، والمستميتة من أجل رضاء الله، وفعل عبد الله كما أشير عليه، فأشترى من الإبل ما استطاع، وتركها ترعى، وهى فى رعيها ترعى مع بقية الأبل وكان أغلبها ينتمى لبيت المال، فعمر بين الخطاب، قد فعل نفس الشىء، ولكن لصالح بيت مال المسلمين، حتى لا تنفذ الأموال على إشباع البطون والأفواه. وفى يوم وقف عمر يتفقد حال الأبل إبل بيت المال، فلاحظ الإبل الجديدة فسأل عنها، فقالوا إنها إبل عبد الله بن عمر، فاستدعى على الفور ابنه وسأله، فقص عليه ما سبق قوله، فصعق عمر بن الخطاب وهو الفاروق الذى فرق به الله بين الحق والباطل، وقال قولة لا تنسى فيما معناه تقدم إبل بن الخطاب، فتثمن وتكبر على حساب إبل بيت مال المسلمين، فيأكل بن عمر الحرام ويدخل عمر وابنه النار فيما أكلت الأبل زيادة عن إبل بيت المال، وأمر فرد لأبنه أصل ثمن الإبل، وضم الإبل الجديدة لبيت المال. إننا نسوق هذه الحكاية التى قرأتها فى كتاب الدكتور خالد محمد خالد عن الفاروق عمر، والتى أذرفت الدمع من مقلتى حينها ، فقد قرأتها فى أوج عصر بنى مبارك ، وما عرفته من صعودهما على أقفية الغلابة ، وتغذيهم على أقوات الفقراء. إن المتدبر فى هذه الواقعة، يتأكد من مكاسبها الحقيقية وان الرئيس وأبناءه ، يتم استغلالهم من الكل للحصول على مكاسب سياسية، فمن كان وراء كل هذا إلا كتائب الأخوان الأعلامية التى أندست بمسميات ثورية بين جموع الناس، واستغلت هذه القصة التى وضع فيها بن الرئيس بل الرئيس نفسه على مذبح المصالح السياسية لجماعة الإخوان. فلسان حالهم يقولون، أوليس هذا هو الرئيس الذى تدعون دكتاتوريته، لا يستطيع أن يعين ابنه فى وظيفة متواضعة فى الحكومة التى هو على رأسها ورأس جهازها التنفيذى. إن تلك الفرقعة الإعلامية، التى تلقفتها أجهزة الإعلام المعارض كالطعم، لم تكن أبدا إلا أن تضع الرئيس وابنه فى موقع المظلومين، وتدر تعاطفا مع رئيس لم يدعه الإعلام يهنأ بتعيين ابنه فى تلك الوظيفة المتواضعة. وما سقناه من واقعة تاريخية، توضح الفارق الحقيقى بين عمر الفاروق، وبين الرئيس، كما تفضح عفونة التخطيط، وعقول المخططين.