فى مبادئ العلوم السياسية،، أى قرار يصدر من المؤسسة الرئاسية لابد أن يكون مدروس الجوانب والأبعاد والنتائج وإلا سيقع صانع القرار فى الكثير من المشاكل والأخطاء فخطواته محسوبة ومتربصة من المعارضة والمواطنين على حد سواء طوال فتره حكمه. على أرض الواقع المصرى، يتضح وبشدة أن هناك لبثا وعدم فهم من قبل مؤسسة الرئاسة بين طريقة "صنع" القرار وطريقة "سلق" القرار، ومن هنا يسلط هذا المقال الضوء على عملية التخبط والضبابية فى صنع القرار المصرى وخاصةً بعد انتشار العديد من المشكلات فى مؤسسة الرئاسة فى ظل إدارة الرئيس محمد مرسى. بدأت قصة ضبابية صنع القرار وفجوة الثقة فى القرارات الرئاسية بتراجع الرئيس محمد مرسى عن قراراته والتى تكررت غير مرة بحيث أصبحت سمة مميزة للرئيس، بدايتها فى أول 8 أيام قضاها الرئيس بعد توليه مباشرة حينما أعلن عوده مجلس الشعب المنحل مما أشعل الصراع بين مؤسستى القضاء والرئاسة، ليعلن الرئيس بعدها تراجعه عن القرار مؤكدا احترامه الكامل للقضاء. ومن بعدها زادت موجه التخبط أكثر فأكثر فمن القرارات التى تم الرجوع فيها كذلك، تعيين المستشار عبد المجيد محمود سفيرا لمصر فى دولة الفاتيكان والذى تراجع فيه الرئيس، ولم تقف الضبابية عند هذا الحد بل اتضحت أكثر حينما أصدر الرئيس يوم 21 نوفمبر على لسان متحدثه الرسمى ياسر على إعلاناً دستورياً، ألغاه يوم 8 ديسمبر على لسان الدكتور محمد سليم العوا، بإعلان دستورى جديد تنص أولى مواده على إلغاء السابق ولكن هذا التراجع تم بعد بحور دماء سالت فى عدد من الميادين وبعد حالة تقسيم رهيبة يعانيها المصريون منذ هذا الإعلان، ولم يكن الإعلان الجديد آخر خطوات التراجع للرئيس، فبعد 24 ساعة تراجع للمرة الرابعة، لكن هذه المرة عن قرارات تتعلق برفع الضريبة على عدد من السلع؛ حيث أعلن الرئيس التراجع عن التنفيذ لحين إجراء حوار مجتمعى حول الزيادات المقررة. إستمراً لمسلسل التخبط دعى الرئيس مرسى الناخبين للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات مجلس النواب وسط خلافات ومشاحنات وإراقة دماء على مستوى البلاد، على أن تتم الإنتخابات على أربع مراحل، تبدأ المرحلة الأولى منها يومى السبت والأحد 27 و28 إبريل، والإعادة لهذه المرحلة يومى 4 و5 مايو المقبل. ولأن القرار بالطبع غير مدروس تزامنت هذه المواعيد، مع أعياد تحتفل بها الطوائف المسيحية الثلاث فى مصر (أرثوذكس وكاثوليك وإنجيليين) وهى: بداية أسبوع الآلام السبت 27 إبريل، وأحد الشعانين الأحد 28 إبريل، وسبت النور السبت 4 مايو، وعيد القيامة الأحد 5 مايو. وكالعاده تم التراجع وتعديل القرار بعد مطالب الأقباط بتعديل موعد إجراء الانتخابات بإصدار قرار رقم 148 لسنة 2013م بتعديل مواعيد المراحل المختلفة بما يضمن مشاركة المواطنين. من جهة أخرى، أنتقضت العديد من القوى المجتمعية لهذه الدعوة لأن توقيتها يأتى وهناك إراقة لدماء المصريين وما تشهده مدن القناة، والعديد من المحافظات من دعوات للعصيان المدنى. من هنا نستنتج أن التخبط فى صنع القرارات الرئاسية ليس له إلا معنى واحد فقط، أن مثل هذه القرارت لم تخرج من مؤسسة متكاملة ولا من مؤسسة احترافية قامت على موازنة الآراء وحساب مردودات كل خطوة، وإنما خرجت بحسابات وبفكر أحادى وهذا الفكر لا يتوفر فيه الدقة فى صنع القرار لدرجة أنه أصدر قرارات غير مدروسة ولم يحسب لها النتائج والمردودات المحتملة بدقة. فكل قرار يصدره صانع القرار فى مصر وخاصةً بعد الثورة محسوباً عليه، فقرار واحد من مؤسسة الرئاسة كما تدعى ذلك قد ينتهى إلى دوامة عنف وحرائق سياسية ومجتمعية واسعة، ولسنا فى منأى عن ذلك فلقد شهدته مدن القناة بالفعل ومازالت تعانى منه بعد فرض حالة الطوارئ وحظر التجول عليها ودعت لعصيان مدنى يؤثر بالسلب على المنظومة الاقتصادية. ومن الناحية العملية، التراجع فى هذه القرارات الغير مدروسة النتائج أظهر صانعها بمظهر الضعف الشديد، فبدا الأمر كهزيمة للجماعة ومجمل الإسلاميين، على نحو يهدد قاعده الرئيس الانتخابية التى يدافع بها عن نفسه فى كل لقاء أو خطاب أو حوار صحفي، فلقد أصبح الرجوع فى القرارات سمة مميزة للرئيس وباستمرار هذا التخبط فى صنع القرارات يصدم الرئيس والجماعة صدام لا محالة له بموقف قد يكون شبيها بموقف الرئيس السابق مبارك يوم 11 فبراير 2011، فما يحدث على الساحة السياسية الآن نتيجة لتخبط القرارات الرئاسية، ومن الواضح أن كرة ثلج جديدة فى طريقها للتكوين والتى تكونت من كم الغضب والاستفزاز الذى يقوم به الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين والذى يقفز بالبلاد قفزة بعيدة نحو المجهول ويضعها فى موضع أكثر خطرا. وحتى عندما يصدر الرئيس قراراً ويرجع فيه لا يقدم وجهة نظر أويطرح رؤية بديلة إنما يقوم بذلك بعد إنقلاب المواطنين والقوى السياسية على نتائج هذا القرار السلبية، وحتى الاعتذار عن إصدار هذه القرارت لا تقدمه الرئاسة فقط إما التبرير أو السخرية من القوى المتحدثة باسم الجماعة المؤيدة للرئيس أو للمرشد بمعنى أكثر دقة. من هنا، فالمطلوب من رئيس الجمهورية ألا يتمادى فى استفزاز الشعب المصرى أكثر من ذلك، ويدرس توابع ونتائج أى قرارت يصدرها فهى محسوبة عليه، ولتصمت الجماعة ومن يتحدث منها فهى تزيد البله طين ولا تقدم حلولاً بل تزيد النار إشتعال، فيكفى كم التخبط والضبابية فى صنع القرار السياسى من مؤسسة الرئاسة، والذى نتج عنه فجوة ثقة بين الحاكم والمحكومين فى مصر.