هذا السؤال يسأله كل مواطن ويريد أن يعرف الإجابة، وفى حالة أن نسلط الضوء على هذا الجدال نجد فريقين: الأول معارض والآخر مؤيد، ولكل منهما حججه ودلالته، وتعدُ الكراهية المتبادلة هى التى تحشد الفريقين فى جبهات وصفوف متقابلة وجاهزة للهدم والهدم المضاد، فتوظف طاقات المجتمع وتحتشد الجهود وراء الرغبة فى الانتقام والثأر. فالفريق الأول يُصر على أن تدشين هذه الجبهة جاء لخراب الوطن، حيث ينظر إليها على أنها تجمع لأصحاب المصالح، وأن مؤتمرات وبيانات الجبهة ليست إلا مقابلات من أجل فلاشات التصوير، ولم ينصب ذلك فى مصلحة المواطن، متسائلاً، ماذا قدمت مؤتمرات الجبهة للمواطن؟، وماذا عن مصادر التمويل؟، ويضيف أن رموز النظام السابق يمولونها. كما تستند مواقف هذا الاتجاه على أن الجبهة انقلبت على الشرعية والممارسة الديمقراطية، وتهدف إلى دفع الشعب لإسقاط النظام من خلال خلق ثورة الجياع بأن تفوت فرصة مصر فى الحصول على قرض الصندوق الدولى، وهو ما سيؤدى إلى انحدار كارثى فى مصر اقتصادياً ومزيد من الانهيار فى العملة المحلية، ومع زيادة معدلات البطالة وأزمات الوقود وانقطاع الكهرباء يلتهب الغضب الشعبى، مشيرين إلى التصريحات والمواقف المتعارضة لرموز الجبهة، ومنها التناقض بين مواقف الجبهة الآن وسعيها الصريح لإسقاط النظام، وهو ما يتعارض مع تصريح البرادعى لمجلة نيوزويك الأمريكية بأنه لا يريد إسقاط مرسى، وكذلك تصريح عمرو موسى فى برنامج مصر الجديدة مع الإعلامى معتز الدمرداش على قناة الحياة 2، بأن جبهة الإنقاذ لم تتعد على شرعية الحكم فى مصر. كما يرى هذا الفريق، أن هناك وجهاً ديكتاتورياً للجبهة يرفض الانصياع لآليات العمل الديمقراطى، ولا تلتزم بمبادئه التى تستوجب احترام الإرادة الشعبية، بالإضافة إلى تضارب الأهداف وتناقض مرجعيات أطرافها ما بين الشيوعية والاشتراكية والعلمانية، مندهشين من التوظيف الإعلامى لحادثة المواطن المسحول وسكوتهم عن حالات التحرش والاغتصاب - 23 حالة - فى الذكرى الثانية للثورة، ولم يتذكروا سوى الأمس بأن عرضوا تصريحا مختصرا يدين ذلك. وعلى النقيض من ذلك، يدافع الفريق الآخر، باستماتة، عن كيان الجبهة، وتستند حجته إلى أن الهدف السامى لتدشين الجبهة هو توطيد ديمقراطية شاملة، وتخليص الدولة المصرية من مخطط التيار الإسلامى الذى يدفع بها إلى العدول عن المسار الصحيح للديمقراطية وتحويلها إلى ثيوقراطية تنافسية بين رؤيتن مختلفتين للحكم الإسلامى، بالإضافة إلى سعيها الدؤوب لمواجهة استبدادية النظام الحاكم الذى يضع كل معارضيه فى قالب فلول النظام السابق. ويثنى هذا الفريق على جهود جبهة الإنقاذ الوطنى، وذلك لكونها بمثابة طوق النجاه لإنقاذ الدولة المدنية والحد من طوفان التيار الإسلامى، كما أن الجبهة تحوى جميع الرموز الوطنية التى لديها باع فى الشأن السياسى، وهم يمثلون الشارع المصرى ويسعون إلى إيجاد حلول لمشاكله. وتعتبر الجبهة الكيان المدنى الوحيد الذى يستطيع الوقوف أمام مليشيات الإخوان المسلمين، ومخططهم فى أخونة الدولة المصرية، لاسيما بعد إقرار دستور معيب غير توافقى، وسطوه على استقلالية السلطة القضائية، مؤكدين فشل الإخوان فى إدارة شئون البلاد، حيث لم يعتد الإخوان على ممارسة السلطة بعد أن ظلت الجماعة تعمل لفترة طويلة فى السر، ويتساءل هذا الفريق، متى يسقط النظام؟. وبين هذا وذاك يوجد جمهور يرى البعض منه أن الجبهة سبيل جيد، لكن يأخذ عليها الغطرسة والتعالى والمغالاة فى الكثير من المواقف، وهو ما يقلل من رصيد الجبهة وشعبيتها، وأذكر هنا حديثى عندما كنت عائدة من معرض الكتاب مع سائق التاكسى "عم سعيد"، الذى يبلغ من العمر 63 عاماً، عندما قال لى، "ما الدنيا إلا مسرح كبير"، مشيراً إلى أن الجبهة بعيدة كل البعد عن ما تتحدث باسمه، فهى لا تعطى فرصة للنظام، وتجمع كل قواها من أجل إسقاطه، والنظام ما بيده حيلة يتلقى الضربات من الشرق والغرب، مستنكراً تهاون البعض بعقول المواطنين، قائلاً، "هل ما يحدث من تدمير وحرق منشآت الدولة يُسمى تظاهر؟". ويرى البعض الآخر أن كلا الطرفين يتشارك فى مقامرة عالية المخاطر، وأن ما يحدث هو تقسيم مصر إلى معسكرين، إسلامى وآخر مناهض، ويلقى اللوم على بعضهم البعض بسوء النية، فالإسلاميون تصرفوا بطرق بررت أسوأ تحيزات معارضيهم، والبعض الآخر زعموا أنهم يتحدثون باسم شعب، حتى بالرغم من أن أغلبية هذا الشعب أعربوا عن معارضتهم لمن يتحدثون باسمه، ورغم توحيد صفوف المعارضة إلا أنها لم تصل بعد إلى توافق وتناغم فى مواقفها وممارسة قواعد الديمقراطية، وألزمت نفسها بما يشبه نقطة اللاعودة، وهو ما سيحصرها فى مواجهة عنيفة وطويلة مع الإخوان والسلفيين. إن رصد وتحليل مواقف الجبهة الأخيرة، من موقف الحياد، فلا أحاول مدح الجبهة حتى لا أضللها، ومع تنحى خوفنا من هيمنة التيار الإسلامى ومساوئ استخدامه للسلطة وتجنب التأثر بانتمائنا السياسى، تظهر دلالات حول انفصال الجبهة الكامل عن الشارع المصرى، واتساع الفجوة بينها وبين أعضائها داخل أروقتها المؤسسية، فهى ليست قريبة من الشعب وبعيدة عن النخبة الحاكمة، وهو ما لاحظته فى تضارب المواقف حول تأييد وثيقة الأزهر ومناقشة طلب الانسحاب منها بعد توقيعها، والتضارب بين رفض الحوار والتصريحات الأخيرة بالأمس عن الترحيب به من قبل بعض الرموز المحسوبة عليها، فضلاً عن قطع بصلة التواصل مع النظام الحاكم. كما أود أن أذكر هنا أنه فى التقليد المصرى، الذى نلتزم به مهما بلغت درجة تحضرنا وثقافتنا، عندما يشتد الخلاف بين طرفين لابد أن يجتمعا لدى كبير العائلة لوضع حد لهذا الخلاف، مهما بلغت درجته وشدته، وأن عدم الذهاب إلى الحوار 7 مرات، حتى وإن كان الرافض صاحب حق، فيقلل تصرفه هذا من موقفه أمام الآخرين، فما بالك إن كان هذا يتخطى حدود العائلات ويخص شأن الدولة، ما أود قوله إن استمرار الجبهة على هذا الموقف لن يكون فى صالحها مستقبلاً. إن الديناميكيات السياسية وحالة الاستقطاب والانقسام الحادة فى مصر أفرزت حالة ضارة تتعدد آثارها السلبية إلى درجة يصعب حصرها، والصراع على السلطة يهدد "لقمة العيش" التى تحظى بأهمية قصوى فى أنحاء الطيف الأيديولوجى، أدعو المنظومة السياسية بما تشمله من الحزب الحاكم ومعارضيه إلى ضرورة الاعتماد بشكل أكبر على التفاوض وبشكل أقل على التظاهر، ويجب أن تركز الجبهة على الإعداد للانتخابات القادمة، فالتنافس مع الإسلاميين يتطلب منها ضرورة البدء فى التعامل مع المخاوف الملحة للفقراء، فالشعب ينتظر منكم موقفاً حاسماً، ويجب أن تثبتوا للرأى العام أن هناك معارضة قوية قادرة على اكتساب الثقة الشعبية. إن مصر لا تزال تتعلم الديمقراطية بالتجربة والخطأ، وهذا يتطلب توازناً دقيقاً بين حكم الأغلبية وحقوق الأقلية، لذا يجب أن يرتقى الأفراد فوق أنفسهم من أجل الصالح العام، حتى لا يدفعوا المواطنين إلى التكفير بالثورات من كثرة الصراعات.