لا أريد الحديث كثيرا، ولكنى سأعلق على جدار التاريخ بعض لوحاته العتيقة النابضة بالحب والخير والجمال والحرية على المذهب الفرنسى المتحضر: لوحةٌ: يقول عبد الرحمن بن حسن المعروف بالجبرتى فى تاريخه: "وبعد هجعةٍ من الليل، دخل الإفرنج المدينة كالسيل، ومروا فى الأزِقَّةِ والشوارع، لا يجدون لهم ممانع، كأنهم الشياطين أو جُند إبليس، وهدموا ما وجدوه من المتاريس... ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر، وهم راكبون الخيول، وبينهم المشاة كالوعول، وتفوَّقوا (أى قاءوا) بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهَّارات، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكَتَبَة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع، والأوانى والقِصاع، والودائع والمخبَّآت، بالدواليب والخزانات، ودَشَتوا الكتب والمصاحف (أى: مزقوها تمزيقًا)، وعلى الأرض طرحوها، وبأرجلهم ونعالهم داسوها.. وشربوا الشراب وكسروا أوانيه، وألقوها بصَحْنِه ونواحيه، وكُلُّ من صادفوه به عرُّوه، ومن ثيابه أخرجوه". اه. حاشية على كلام الجبرتى: لم يكن إذ ذاك تنظيم للقاعدة أو لغيره فى مصر المحروسة لتهبَّ فرنسا- على عادتها الرحيمة!- للقضاء عليه! لوحةٌ أخرى: فى الثامن من مايو 1945 قررت الشرطة بأمرٍ من "الجيش الفرنسى" إطلاقَ النار على متظاهرين جزائريين فى مدن جزائرية؛ لأنهم اقترفوا جريمة المطالبة بحقهم فى الاستقلال والحياة، فتحركت فرنسا بأنوار الحرية ومشاعل الإنسانية وذبحت قربانا لهذه الحرية المقدسة فى يومٍ واحدٍ أكثر من 48 ألف قتيل، جُلُّهم من الأطفال والنساء! حاشية: لم يكن هنالك فى الجزائر تنظيم للقاعدة أو لغيره لتهب فرنسا- على عادتها الرحيمة!- للقضاء عليه! لوحةٌ متكلمة ثالثة! يروى العقيد مونتانياك (Montagnac): "أخبرنى بعض الجنود أن ضباطهم يلحون عليهم ألا يتركوا أحدا حيًّا بين العرب! كل العسكريين الذين تشرفت بقيادتهم يخافون إذا أحضروا عربيا حيا أن يُجْلَدوا" "لقد محا الجنرال لاموريسيير (La Moricière) من الوجود خمسًا وعشرين قرية فى خرجةٍ واحدة! إنه العمل الأكثر انعدامًا للإنسانية!" . ويقول النائب البرلمانى طوكوفيل (Tocqueville): "إننا نقوم بحرب أكثر بربرية من العرب أنفسهم-(لا أعرف متى فعل العرب هذا فى تاريخهم، ولكن هكذا هم! فى إنصافهم يكذبون!)"! وتتابعت حملات فرنسا من قبل ومن بعد، حتى تركت من خلفها أطنانًا بشرية من الضحايا فاقت المليون ونصف المليون، من العرب، المسلمين، أبناء الشعب الجزائرى العظيم! حاشية: لم يكن هنالك فى الجزائر تنظيم للقاعدة أو لغيره لتهب فرنسا- على عادتها الرحيمة!- للقضاء عليه! لوحة معاصرة مخزية: تدخل فرنسا برصاصها المصبوب فى العمق الأفريقى، وعلى الحدود الجزائرية فى قلب مالى، لتمارس هوايتها العتيقة فى الإبادة، وقصف المدن واقتلاع البشر من الوجود، ومن ورائها قلم عربى مسلمٌ أقام مقالاته وكتاباته مفتشًا عن "السبب" الذى حرك فرنسا الرحيمة الوادعة، وأرغمها على مخالفة عادتها التى يؤكدها تاريخها النقى البرىء فى نشر الحب والسلام، والذى قدمتُ لك طرفًا منه فى صدر المقالة، لتنتهك حرمة الفقراء والمساكين، وتقصف الأبرياء المدنيين! ولكى تكون منصفًا مستنيرًا، فإن تفسيرك للموقف سينتهى بك إلى النتيجة المعروفة "نحن السبب"، وأن هنالك جماعاتٍ متطرفةً قد استنزلت بممارساتها اللعنةَ الفرنسيةَ عليها! إذن: فالتهمة علينا، والضحايا منا، والمستهدفة بلادنا، والمغيبون مُهَيَّئُون لتصديق كل شىء يُنْسَب إلى الإسلام والمسلمين، وكُتَّابنا أسرعُ الناس للتنديد بالمتطرفين/ المسلمين، والإرهابيين/ المسلمين، والمجرمين/ المسلمين، وأما ما تقوم به فرنسا فهو حقٌ طبيعى لها، وفق الابتكار الذى قام به برنار كوشنار وزير خارجية ساركوزى، وأسماه "حق التدخل الإنسانى"، وهو باختصارٍ تزويرٌ يتيح لباريس خرقَ مبدأ السيادة فى ميثاق الأمم، تحت ذريعة "التدخل لإنقاذ المدنيين"! ولأن لفرنسا تاريخًا عريقًا فى الاستعمار، فإنها ما غادرت جغرافيا بلدٍ احتلته، إلا بعد إعادة رسم الخارطة الذهنية والثقافية والفكرية فيه؛ حتى يكون لها أعوانٌ يزورون الواقع ويزيفون التاريخ ويحفظون لها نفوذها، من حملة العقول الباريسية، أو من حملة المباخر "الطُّرُقية"، الذين يميعون الإسلام، ويجعلونه نوعًا من الثقافة الطقسية المتماهية مع الكل! حتى إذا استشعرت باريس خطرًا على رعاياها من رعاة ثقافتها، وأحست أن هناك من يسعى للاستقلال عنها، والتأثير على مصالحها، تحركت ونفضت عنها رداء التحضر؛ لتكشف عن وجهها التاريخى فى إبادة الإنسان والعمران، وهى توقن أن هناك من يصفق لها وهو يقول: "ميغسى باريس!"