لا شىء يمكن للقوى السياسية المدنية أن تستند إليه فى مواجهة طغيان ونفوذ وسيطرة أحزاب التيارات الدينية سوى الأزهر الشريف بتاريخه الوطنى وخطابه الدينى المعتدل، القوى المدنية تدرك ذلك جيدا وتعرف أن سلاحها الوحيد فى مواجهة رغبة الإخوان والسلفيين فى السيطرة على مقاليد الحكم والأمور فى مصر من خلال الخطاب الدينى هو الأزهر الشريف، سواء كان ذلك عبر صياغة خطاب دينى جديد داخل المؤسسة نفسها، أو استغلال حب المصريين واحترامهم للأزهر ودوره التاريخى والسياسى فى مواجهة أى محاولة للسيطرة السياسية باسم الدين، ولكن هذا الإدراك لم يكن سببا كافيا ليدفع هذه القوى السياسية نحو اتخاذ كل التدابير لحماية الأزهر الشريف من محاولات الاختراق التى يبذلها الإخوان والسلفيون، والتى أصبحت أكثر جرأة وقوة، خاصة بعد أن جعل الدستور الجديد للأزهر دورا كبيرا فى التعامل مع مؤسسات الدولة والقوانين بصفته المرجعية المنوط بها تفسير ما يتعلق بتطبيق الشريعة، وشهدت الفترة الأخيرة حالة من الرفض الذى أبدته بعض القوى السياسية على ما جاء بالمادة رقم «4» من الدستور، والتى تنص على «الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كل شؤونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون». وتجلت مخاوف القوى المدنية فى عدة نقاط، أهمها تسرب بعض الأفكار الوهابية أو الطلبانية إلى الأزهر، وإعطاء الفرصة لفصيل بعينه السيطرة على مؤسسة الأزهر، مثل جماعة الإخوان المسلمين، أو الأحزاب السلفية، مؤكدين أن ذلك سيفقد الأزهر وسطيته واعتداله، وسيقحمه فى السياسة، وبذلك سيتحول من مؤسسة تربوية دعوية، إلى مؤسسة سياسية تخدم مصالح فصيل سياسى واحد، بالإضافة إلى وجود مخاوف كبيرة من تعاظم دور أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر، بموجب نص المادة والتى قالت: «ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية»، موضحين أننا فى جميع أمورنا الدينية وبشكل تلقائى نلجأ إلى الأزهر وعلمائه لتفسير كل ما هو متعلق بالشريعة، أما هذا الجزء من المادة سيمهد لخلق «ولاية الفقيه»، كما أنه سيدخل علماء الأزهر فى دائرة الصراع السياسى، فى حال تعرضهم أى تشريعات أو قوانين سياسية بحتة، بدعوى أنها تخالف الشريعة، من أجل خدمة مصلحة فصيل معين، وهو أمر سيتحقق مع وجود صراعات فى البداية بين الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامى السياسى، على المناصب وعضوية هيئة كبار العلماء داخل الأزهر الشريف، إلى أن يصل الصراع على منصب الإمام الأكبر. ما الذى تريده القوى السياسية والأحزاب المدنية من الأزهر الشريف؟ وكيف يرون دوره فى الفترة المقبلة؟، وما هى أبرز المشاكل التى يرونها داخل المؤسسة وما هى مخاوفهم؟ كل هذه الأسئلة جاءت عليها الإجابات التالية: «شكر»: نرفض زيادة سلطة «هيئة كبار العلماء» التى أقرها الدستور من جانبه، قال عبدالغفار شكر وكيل مؤسسى حزب التحالف الشعبى، إن الأزهر الشريف مؤسسة دعوية وتربوية فى الأساس، مشدداً على ضرورة أن يحافظ الأزهر على دوره التعليمى والدعوى، فى تقديم الوعظ والإرشاد الدينى، والدور التربوى من خلال المعاهد والجامعة التابعين له، وألا يتجاوز ذلك بالانخراط فى السياسة. وحذر عبدالغفار، من أن ما جاء فى نص المادة رقم 4 من الدستور الجديد، والتى ينص الجزء الأخير من الفقرة الأولى منها على «ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية»، سيقيم دولة «ولاية الفقيه»، موضحاً ذلك بأن ما سيعرض على هيئة كبار العلماء بالأزهر للبت فيه إن كان يخالف الشريعة، سيقحم الأزهر فى السياسة حال سيطرة فصيل بعينه على أغلبية هيئة كبار العلماء. وأضاف وكيل مؤسسى حزب التحالف الشعبى، أن نص المادة سالفة الذكر من الدستور، ستزيد من دور وسلطة أعضاء هيئة كبار العلماء، مؤكداً أن ذلك سيدفع جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، للسيطرة على الهيئة وتفسير الشريعة حسب رؤيتهم، وبما يخدم مصالح معينة، مشدداً على أنه حال حدوث هذا سيكون الأزهر الشريف المؤسسة الوسطية بريئا من تلك الممارسات، التى ستكون فى الأساس مخالفة للشرع. وأشار عبدالغفار، إلى أن الأزهر الشريف، اكتسب مكانته لوسطيته واعتداله واقتصار دوره على الدعوة والعمل التربوى والأخلاقى، أما فى حال محاولة سيطرة فصيل عليه، سيكون بذلك طرفا فى صراع سياسى، وهو ما ننأى به أن تكون تلك المؤسسة العريقة طرفا فى تلك الصراعات، وهو ما سيكون أيضاً نظير خطر على حيادية تلك المؤسسة. أما اختيار شيخ الأزهر، فأكد عبدالغفار تأييده للفقرة الثانية من المادة 4، الخاصة باختيار شيخ الأزهر، لافتاً إلى ضرورة أن يكون شيخ الأزهر مستقلاً، ويتم اختياره من هيئة مستقة، غير تابعين لمؤسسة الرئاسة. وأوضح عبدالغفار، أنه فى حال عدم استقلال هيئة كبار العلماء بالأزهر، ستؤدى إلى الصراع بين الفصائل السياسية المسيطرة على الهيئة للوصول إلى منصب الإمام الأكبر للأزهر الشريف، وسيتبدل حال الأزهر من هيئة جامعة تدعو للفكر الوسطى المعتدل، إلى بيئة صالحة للصراعات السياسية. «عادل»: نرفض تحويل الأزهر إلى طرف فى المواجهات السياسية المهندس باسل عادل البرلمانى السابق، ورئيس حزب النيل - تحت التأسيس- يرى أن دور الأزهر لا يستمده من نصوص مواد أو دستور، وإنما يستمد دوره من الشعب المصرى، الذى لم تهتز ثقته بهذه المؤسسة العريقة على مر العصور، مضيفاً أن مؤسسة الأزهر الشريف، أكبر من أى مواد تؤيد أو تحدد دوره، وأنه لن يحل محله أى شخص أو هيئة أخرى. وأضاف باسل، أن المادة رقم 4 من الدستور، التى تحدد دور الأزهر الشريف، وكيفية اختيار إمامه الأكبر على النحو الذى ينظمه القانون، مشتبكة فى الأساس مع المادة رقم «219»، موضحاً بأن الاشتباك بين المادتين يظهر جلياً فى الاختلاف على الجهة التى ستفسر الأمور المتعلقة بالشريعة الإسلامية، إذا ما كانت هيئة كبار العلماء بالأزهر، أو الشخصيات الاعتبارية الممثلة لمذاهب أهل السنة والجماعة، مؤكداً أن ذلك سيخلق سيطرة للسلطة الدينية، والسماح لها بالتدخل فى التشريعات البرلمانية والسياسية، وطرح مواد لا تخص الشريعة، بدعوى أنها قد تمس الشريعة فى شىء، وأشار باسل إلى أنه فى حال سيطرة فصيل ما على الأزهر سيجعله ذلك طرفا فى المواجهات السياسية، ومعرضا للاشتباك فى الكثير من المواد السياسية، وهو الأمر الذى سينال من هيبة الأزهر ويبعده عن دوره الأساسى فى إدارة شؤون الدعوة والدين. «خيرى»: نرفض تحويل الأزهر إلى جسر تعبر من فوقه الدولة الدينية أحمد خيرى المتحدث الرسمى باسم حزب المصريين الأحرار، يرى أن مشروع الدستور الجديد، وتحديداً المادة رقم «4» الخاصة بشؤون الأزهر الشريف، جعلت منه مؤسسة دينية فوق جميع المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها البرلمان والمحكمة الدستورية، بما يقيد حرية تلك السلطات، مضيفاً أن ذلك يضر أيضاً بالأزهر والحياة السياسية، حيث إنه يقحم الأزهر فى السياسة، ويجعل ذلك بداية لدولة دينية. وأكد خيرى على ضرورة أن يقتصر دور الأزهر على نشر الدعوة الدينية والوعظ، ودوره الروحى والأخلاقى، ضد الأفكار المتشددة، التى بدأت معالمه تظهر فى طرق البعض فى نشر الدعوة، والابتعاد عن السياسة تماماً، وذلك كونه مؤسسة دينية جامعة، لافتاً إلى أن ذلك لن يضر بالشريعة فى أى شىء، حيث إنه من الأساس تعود كل المؤسسات للأزهر ومشايخه لأخذ الرأى الدينى، فى أى شىء يخص الشريعة وشدد المتحدث الرسمى باسم حزب المصريين الأحرار، على أنه غير مرحب بالمرة أن يلعب الأزهر أو الكنيسة أى دور سياسى فى مصر، وأن يكتفوا بدورهم الوطنى والدعوى كمؤسسات دينية عريقة جامعة. وأكد خيرى على ضرورة أن يكون اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب من بين هيئة كبار العلماء، وأن يتم الحفاظ على هذا المنصب، بألا يتحول إلى منصب سياسى أو حزبى تتصارع عليه القوى السياسية، وأن تعمل جميع القوى السياسية، على دعم استقلال الأزهر استقلال حقيقى عن سيطرة مؤسسات الدولة التنفيذية. «كامل»: ندعم إنشاء قناة فضائية للأزهر لنشر الفكر الوسطى البرلمانى السابق باسم كامل عضو المكتب السياسى للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، يقول إن الأصعب من المواد الدستورية التى تحدد دور الأزهر الشريف هو تطبيقها، خاصة أن الكثير من مواد الدستور يحكم تطبيقها القانون الذى سيحدده المشرع، لافتاً إلى أن اعتدال تلك القوانين، سيتوقف على انتخاب برلمان متوازن، دون سيطرة فصيل بعينه. وحذر كامل من التدخل فى شؤون مؤسسة الأزهر، وتحويله إلى مؤسسة تخضع لسيطرة فصائل سياسية إخوانية أو سلفية، والتأثير على دوره الوسطى المستقل، مؤكداً أنه لا يحبذ أن يكون للأزهر الشريف دور فى الحياة السياسية. وشدد عضو المكتب السياسى للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، على ضرورة عدم تدخل جميع التيارات السياسية أياً كان انتماءاتها فى شؤون الأزهر على أى نحو، والحفاظ على عدم إقحام الأزهر فى السياسة. وأكد كامل أنه لا يوجد أزمة عندهم مع شكل وتكوين الأزهر الحالى، لافتاً إلى أن التخوف الحقيقى يتمثل فى السيطرة على الأزهر من أى فصيل سياسى، عن طريق عضوية هيئة كبار العلماء، والتى يختار منها الإمام الأكبر للأزهر. وطالب كامل الأزهر الشريف، بضرورة العمل على المشروع المطروح أمامه، بإصدار قناة فضائية تحمل اسم الأزهر، وتعمل على مدار ال 24 ساعة، وتبنيها كمشروع قومى، لنشر الدعوة والفتاوى والوعظ الدينى من خلال مشايخ وعلماء الأزهر. «عبدالفتاح»: نرفض محاولات الرئاسة للسيطرة على الأزهر الناشطة السياسية إسراء عبدالفتاح، العضو المؤسس بحزب الدستور، تقول إن الأزهر لن يتخلص من سيطرة مؤسسة الرئاسة عليه، ولن يحصل على استقلاله التام خلال الفترة المقبلة، لافتة إلى رفضهم لأى مواد تحدد دور مؤسسة الأزهر، بالإضافة إلى رفضهم للدستور كاملاً، لأنه غير محل توافق من جميع القوى السياسية، وأضافت عبدالفتاح أن نص المادة الرابعة من الدستور، سيجعل جميع سلطات الدولة التشريعية تحت سيطرة الأزهر، وتحديداً هيئة كبار العلماء، وذلك لانتظار وجهة نظر أعضاء الهيئة فى المواد والقوانين التى سيشرعونها، والتى سيتم اقترانها بالشريعة. وأشارت عبدالفتاح، إلى أن نص مادة فى الدستور على الرجوع لهيئة كبار العلماء، فى الأمور المرتبطة بالشريعة، رغم أن هذا يحدث بشكل تلقائى من جميع مؤسسات الدولة، سيفتح مجالاً لجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين للصراع على عضوية هيئة كبار العلماء، ومن ثم السيطرة على مؤسسة الأزهر كاملة. وطالبت عبدالفتاح، الأزهر الشريف بتبنى حملة لإنقاذ الإسلام، وإصدار تشريعات تحجم من مساحة ظهور المشايخ الذين يبتعدون عن الأسلوب المعتدل واللياقة والأدب فى الكلام، ممن يسيئون للإسلام. «عبد المجيد»: لا اعتراض على الدور الوطنى للأزهر ولكن ضد وضعه فوق مؤسسات الدولة وحيد عبدالمجيد عضو جبهة الإنقاذ الوطنى، يؤكد أن مصر ستدخل فى نفق مظلم، ليس على الأزهر فقط ولكن فى جميع المؤسسات، فى حال حدث غزو للأزهر الشريف من جانب أى أطراف متشددة، من أجل تسريب الأفكار الوهابية والطلبانية، إلى الأزهر والسيطرة عليه، وهو ما سيكون بعيداً كل البعد عن الإسلام الوسطى المعتدل.وأضاف عبدالمجيد، أن هناك محاولات لتحويل الدولة ل «ولاية الفقيه»، وتغيير طبيعة مصر وهويتها، وجعل الأزهر مؤسسة فوق جميع مؤسسات الدولة، مؤكداً أن هذا سيزلزل جميع مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الأزهر نفسه. وأشار عبدالمجيد، إلى أننا لم نكن فى حاجة إلى مواد تحدد دور الأزهر الشريف، لأنه مؤسسة تلقى بطبيعة الحال قبولا واحترام جموع المصريين بمن فيهم الأقباط، لما عرف به عبر التاريخ من وسطية واعتدال، بالإضافة إلى أن جموع الشعب المصرى، ومؤسسات الدولة ممثلة فى القضاء والبرلمان والمحكمة الدستورية العليا، يلجأون بشكل طبيعى ومنتظم إلى الأزهر لتفسير أى أمور تتعلق بالشريعة. وأوضح عضو جبهة الإنقاذ الوطنى، أن دور الأزهر فى الفترة المقبلة، سيتوقف على مدى حفاظ المؤسسة على تكوينها الداخلى دون تأثير من أى طرف سياسى عليها، مؤكداً أنهم لا يعترضون على الدور الوطنى الذى يقوم به الأزهر الشريف طول عهده مروراً بالمرحلة الانتقالية الماضية والمرحلة الحالية، والمتمثل فى التوفيق بين جميع الأطراف المتنازعة، والعمل على تصفية جميع الخلافات بين المصريين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية، من أجل استقرار البلاد، ومن أبرزها الوثيقة التى أطلقها تحت اسم «وثيقة الأزهر»، مؤكداً أنه لو كانت قد قوبلت تلك الوثيقة بالاحترام الذى تستحقه وتم العمل بها، كان سيتم وضع دستور محل توافق واحترام الجميع، لافتاً إلى أنهم يعترضون فقط على أى محاولات للسيطرة على الأزهر، أو التلاعب فى اختيار أعضاء هيئة كبار العلماء، والعمل على دفعه للانحياز لفصيل سياسى بعينه، مشدداً على أن ذلك سيدمر دور الأزهر، ويحوله إلى مؤسسة سياسية. وطالب عبدالمجيد، مشايخ وعلماء الأزهر الشريف، بضرورة التكاتف للمحافظة على مؤسساتهم الجليلة، لمواجهة الاختراقات التى حدثت له فى الفترة الماضية، وتسلل بعض الحاملين للفكر الوهابى والطلبانى، إلى صفوف علمائه، وأن يبذلوا جهودهم للمحافظة على الأزهر بهيبته الذى يحظى بها احترام مصر والعالم أجمع.