يقول الشاعر بيرم التونسى، ولولا النقاد لهلك الناس، وطغى الباطل على الحق، ولامتطى الأراذل ظهر الأفاضل، وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجال. بحكم العمل السياسى المشترك بين النظام السياسى الحاكم والمعارضة، فإننا نميل فى أغلب الأحيان إلى المعارضة، لأنها الأضعف، وأنها دائما هى المظلومة، وخاصة إذا كانت معارضة تريد البناء، تعمل وتعبر عن ضمير وروح الشعب والمجتمع، وتسعى إلى تحقيق تطلعاته وأهدافه، وأن تكون واضحة الخطط والوسائل، وتتخذ الطريق السلمى طريقا، والحوار أسلوبا، والتوافق مطلبا. هل سمحت المعارضة المصرية الآن، أن تخالف كل معارضات العالم، بأن لا تؤمن بالعملية الانتخابية، ولو اضطرت لها تمارسها شكلا، وأن تحكم على الشعب بأنه جاهل وأمى وغير راشد، وأن صندوق الانتخاب ليس هو الحكم والفيصل، وألا تؤمن بالواقع بل بالغطرسة والعباطة، فنقول لها جملا تقول احلبوه. وأن يكون كل ما عداها باطل ومشكوك فيه ولا شرعية له، وتصرخ دائما وتنكر وتنكر ظناً أن الجماهير بتصدقها، وليس لها خطوط حمراء، ولا حرمات، وتتحالف مع الأعداء فى الداخل والخارج، ولا تنظر إلا برؤية سوداوية، فتدور مع المال حيث دار، ومع حب السلطة والحكم أينما كانوا، ولو على جثث الشعب، وأن تكون معارضة يجمعها الحسد والحقد والطمع والهوى ولا غرابة أن تكون بلا حياء، وأن تتبجح بالوطنية والقومية والإنقاذ، وتكون معارضة رداحة نواحة لا تنطلق إلا من المصلحة الشخصية. فنعم المعارضة مهمة فى مجتمع ديمقراطى يرعى الحريات ويتخذ من الديمقراطية ومبادئها عنواناً لبنائه، لكن كيف تكون المعارضة؟ معارضة متطرفة أو هدامة تستخدم الإهانة والسخرية منهجا لها وأسلوبا، فتتطاول وتسب وتشتم وتقذف النظام ورئيسه بأبشع الألفاظ والكلمات، أم أنها تحاول تقويم وتوجيه ومراقبة النظام ورئيسه، لكى ينصلح حاله وحال المجتمع معه، وبدلا من أن تتحول أن تعمل من أجل البناء تتحول إلى هدم المجتمع وكسر هيبة الدولة، وهل من الديمقراطية أن تكون المعارضة متطاولة، وألا تهتم بالأخلاقيات، فعلى سبيل المثال ما يحدث الآن من إهانة للرئيس على الفضائيات وصفحات الجرائد والندوات والمؤتمرات الشعبية والثقافية، الذى وصل إلى السب والقذف والتطاول على شخص الرئيس، هل نصت الديمقراطية التى نريدها ونحارب من أجلها وضحينا بفلذات أكبادنا من أجل تحقيقها، أن تصبح الشتائم وقلة الأدب والتطاول على كل لسان، فنحن لا نريد تأليه الرئيس أو خلق فرعون جديد بعد ثورة مجيدة، لكن نقوم بنقده فى الممارسات والسياسات نقدا بناءً، مثلما يحدث فى الدول الديمقراطية. هتقولى لا الغرب ممكن أن يمس شخص الرئيس، أقول لك هذا صحيح فى حالة عندما يخطأ الرئيس خطأ شخصيا مثل بيل كلينتون وساركوزى وبرليسكونى.. هتقولى.. الرئيس ليس مختلفا عن المواطن العادى، ومن سبه فعليه أن يقاضيه وهذا هو جوهر الحقوق المدنية.. وهل أصبح لزاما علينا أن نقهر الإعلام مثلما كان يفعل مبارك.. أقول لك نعم هو شخصية عامة لكن فى النهاية هو مواطن عادى له خصوصياته: أنتقده فى سياسته وممارسته العملية من أجل التقويم لا من أجل السخرية وكسر الهيبة.. فتكسر معه هيبة مصر وهيبة الشعب المصرى، لأنه مهما اختلفنا معه أم اتفقنا معه، هو فى النهاية رمز لمصر كلها ورئيس منتخب من الشعب المصرى. هتقولى لا هناك حريات التعبير عن الرأى وحرية الإعلام أنت عاوز تكمم الأفواه وتغلق منافذ حرية التعبير المختلفة، فتخلق فرعونا مثل مبارك وإعلاما منافقا مثل إعلام مبارك، ويحل الحرية والعدالة محل الحزب الوطنى. أقول لك إن محاولة التشبه بمبارك فى أى شىء مرفوضة تماما بل لابد علينا أن نمنعها ولو أراقت دماؤنا وخاصة بعد ثورة تحققت على دماء غالية لشهدائنا، لكن هذا لا يتأتى بكسر هيبة الدولة فى عيون المواطن وعيون الأعداء فى الداخل والخارج، وخاصة العالم ينظر إلينا بعيون جاحظة، فلا نريد أن نظهر بشكل فيه قلة أدب، وعدم احترام، فنحن بلد الاحترام والأخلاقيات، فلابد من معايير أخلاقية وقانونية وثورية شريفة بيضاء نعترض وننتقد من خلالها الرئيس ونظامه. لأنه فى الحقيقة أنه تم كسر كل شىء وليس من الإعلام فقط وإنما مننا أيضا.. فنحن أخلاقنا "بقت مش كويسة" وتعاملاتنا أيضا أصبحت سيئة ولا أحد أصبح يلتزم بواجبه ولا يحترم الكبير أو الصغير، فأصبحنا لا نوقر كبيرنا ولا صغيرنا، وهل من مكتسبات ثورتنا أن تكون هناك فوضى إعلامية تتبادل فيها الشتائم، ونسمع من الردح بين نخبتنا ما يشبه ردح الستات، وتتحول تلك النخبة من نخبة تقوم على توعية وتثقيف المجتمع وقيادته سياسيا إلى معارضة تخلق انقساما بالمجتمع، بل تؤدى إلى تدميره"، فلا نجد حوارا ولا توافقا ولا تنازلا من طرف للطرف. ومن هنا يجب على معارضة ما بعد الثورة، أن تتحلى بمبادئ الثورة، وأن تقود الشارع المصرى سياسيا من أجل تصحيح المسار، لا من أجل إسقاط الآخر وخاصة إذا كنا فى المرحلة التى تستوجب التقويم لا الإسقاط، وعلى الإعلام ألا يكون أداة للتحريض أو التشويه، وألا يكون ساحة للردح وتبادل الإهانت والشتائم. نريد إعلاما يراقب ويكشف المعلومات والحقائق للرأى العام، نريد إعلاما يحترم رئيسه، وكذلك ينتقد رئيسه بمهنية تتماشى مع ميثاقه الشرفى، فلا نريد إعلاما بوقا للنظام ولا منافقا لرئيسه، وإنما إعلاما يعلى من المصلحة العامة للبلد، يكون أداة للفهم والتثقيف والتوعية وتبصير وتنوير الرأى العام. فالمعارضة الباطلة ساعة ودولة الشرعية إلى قيام الساعة.