تولى الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز مقاليد الدولة الإسلامية فى دمشق لما يقرب من عامين ونصف فقط، وكانت الدولة تموج بأشكال وألوان من الفساد المالى والخلقى، وظهرت الحاشية وبطانة السوء التى تضل الحكام وتدمر أواصر ملكهم، بأن تمنعهم عن الرعية وتظهر نفسها فى ثوب المخلص ودونها الخائن والناصح الأمين ودونها الطامع فى الملك والحكم. واستطاع عمر بن عبد العزيز، حفيد عمر بن الخطاب، أن ينقذ الدولة الإسلامية الأموية من مخرات الفساد وأنهاره التى لا تنضب، وطهر أركان الدولة من الفاسدين واقتلع جذور الشر والخراب، ولكن الرجل، وهو الزاهد العابد، لم يكن ليعجب بعض الناس من المستفيدين من يغمة الباطل وموت الحق ونفوق العدل فحاربوه فى السر والعلن، والبعض الآخر ظل يلومه ويعاتبه ويراه ضعيفاً فى مقاومة الظلم والقضاء على الفاسدين. حتى إن بن الخليفة قال له يأ بت لم لا تنهى على هؤلاء وأنت أعلم منى بما يفعلون وما يقترفون فى حق الأمة وحق الرعية؟، فرد عليه الخليفة عمر بن عبد العزيز، أن يابنى لن نستطيع خلع الباطل مرة واحدة وإلا خلعنا، لن نستطيع خلع الفاسدين من بنى أمية مرة واحدة وإلا خرجوا علينا، لن نستطيع فى يوم وليلة أن نقلم أظافر الفاسدين ونقطع أيديهم ونغل أرجلهم. ففهم الرجل أن الفساد يحتاج إلى الصبر عليه حتى يموت، وأن الفاسدين يحتاجون قوة تعين الحق عليهم كى تنهى على قوتهم، وأن الحاكم العادل لن يستطيع وحده أن يقضى على معاناة شعبه دون أن يعاونه شعبه، ودون أن تنتهى المؤامرات والفتن التى تساق له بليل، وبتدبير وبتخطيط من إبليس وجنوده ومن تبعه من بنى البشر، وأصحاب المصالح والحاقدين، ومن باعوا ذممهم بالملايين، وباعوا وطنهم بوعود بالكرسى والمنصب، وكذلك المتلونون كل يوم وكل ساعة. تحدثت بهذا الحديث مع أحد ممن يكرهون الرئيس، ولكنه أبى أن يفتح عقله أو قلبه، وبينما نحن فى الطريق وجدنا سيارتين تحملان القمامة وتسيران بسرعة جنونية وتتطاير منهما ما يحملان على جنبات الطريق، وفى النهاية اختفت عن أعيننا واحدة، وفجأة توقفت الثانية وأفرغت حمولتها على جانب طريق ترعة الإسماعيلية. وعندما اقتربنا من بنزينة على الطريق قال السائق، الحمد لله فيها جاز ولكن الطابور طويل، وقفنا ننتظر ووجدنا سيارتين نقل تحملان عدداً كبيراً من البراميل يقوم القائمون على البنزينة بملء تلك البراميل، وهناك على الأرض عشرات الجراكن تملأ بالجاز والبنزين ويتم تحميلها على تكاتك وتروسيكلات، بينما نحن وغيرنا من أصحاب السيارات نقف دون كلمة واحدة والشاطر يتكلم، فسوف يتم إخراجه من الدور ويطرد شر طردة. مونت السيارة بعد وقت طويل وركبنا الطريق، وبعد قليل توقفت السيارة فقال السائق إنه مون جازا مخلوطا بالماء من البنزينة، وظل يقول "ياخراب بيتى الله يخرب بيتكم ياظلمة". هذه نماذج ثلاثة تفرجنا عليها أنا وكاره الرئيس مرسى ومحب مبارك وعصره، فقلت له نحن متعلمون ورأينا الفساد بأعيننا ولم نفعل شيئاً، "السيارة التى تلقى بالقمامة على الطريق"، "ومحطة الوقود التى تعطى حصتها للسوق السوداء فى عز الظهر"، وفى النهاية اكتشفنا أن السولار والبنزين مخلوطان بالماء. نعم لم نفعل شيئاً ولم يتحرك مصرى واحد ضد الفساد الذى رآه ويراه كل لحظة حوله، وغابت الأجهزة الرقابية التى ما زالت تلعب لصالح النظام السابق، وغاب ضمير كثير منا فيغش من أجل المال، ويظلم غيره من المصريين لصالح غيره من المصريين، فماذا يفعل الرئيس مع تلك الضمائر الفاسدة وذلك الشعب الذى ما زال يتفرج على الفساد والفاسدين ويقول وأنا مالى، وماذا تفعل حكومة لا تجد شعباً يساعد نفسه. فإن كنا نحتاج الخلاص من الفساد فإنا نحتاج شعباً يقاومه ولا يتفرج عليه، وإن كنا نحتاج نهضة فنحتاج معها أيادى كثيرة كى تعمل بحب وإخلاص، وعندها ستكون النتائج على الله سبحانه وتعالى. * كاتب المقال عضو بجماعة الإخوان المسلمين.