سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اقتصاديون ردا على خطاب "قنديل" حول الضرائب: لا يوجد نقود مستعملة فعليا من فئة "قرشين".. والتجار سيحولونها ل"25 قرشا".. قرارات الحكومة المتخبطة ستخلق "أسواقا سوداء" وستقضى على الأسواق الرسمية
أثارت قرارات الحكومة الأخيرة بشأن رفع أسعار عدد كبير من السلع الغذائية، استياء جميع فئات المجتمع فور الإعلان عنها، ورغم قيام رئيس الجمهورية بإلغائها بعد الإعلان عنها بساعات، إلا أن هذه القرارات أدت إلى حالة من البلبلة فى الأسواق، لدرجة أن عددا كبيرا من المواطنين تكالب على شراء بعض السلع المتوقع ارتفاع أسعارها، مثل السجائر، وبعض السلع الغذائية، وهو ما أدى إلى ارتفاع مفاجئ فى هذه السلع بعد بضع ساعات من الإعلان عنها، وحتى قبل إقرارها من رئاسة الجمهورية. هذا الإعلان المفاجئ غير المدروس جاء أيضا فى وقت غير مناسب بالمرة، أثناء وجود مظاهرات غاضبة جدا أمام قصر الاتحادية الرئاسى، اعتراضا على الإعلان الدستورى الأخير، والذى تم استبداله بإعلان دستورى جديد، رُفض أيضا وتزايد حالة الاحتقان فى الشارع من طرح مسودة الدستور الجديد للاستفتاء رغم رفض عدد من القوى السياسية له. وفى وسط هذا الجو المشحون خرجت علينا الحكومة بقرارات رفع الأسعار وتعديل الضرائب، حتى أن البعض اعتبر هذه القرارات مجرد "شو إعلامى" لجذب الكاميرات من أمام قصر الاتحادية ومظاهراته الغاضبة إلى الأسواق، التى اقتربت من الاشتعال، وبالفعل وجه عدد من الفضائيات كاميراته إلى الأسواق وخبرائها لمعرفة رد فعلهم على هذا التصرف، وجاءت الردود مفزعة ومحذرة من ثورة جياع بعد ساعات، وهنا فاجأ الرئيس الجميع وأوقف المشروع، وطالب الحكومة بعرضه على النقاش المجتمعى. ثم خرج الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء، ليؤكد للناس أن الأسعار الجديدة لن تمس السلع الإستراتيجية، وأنها ستقتصر على بعض السلع مثل السجائر المصرية، والتى ستزيد فقط 75 قرشاً والأجنبية 175 قرشا، مبررا ذلك بأن أغلب هذه الحصيلة ستستخدم فى تطوير منظومة الرعاية الصحية، وأوضح قنديل، أن زيت الطعام لم يزد إلا نحو 2 قرش فى الكيلو الواحد، وضريبة المبيعات لم ولن تمس السكر والفاكهة أو الملابس والوقود وسلعا كثيرة جدا. تصريحات قنديل رغم أنها خففت إلى حد ما من الكارثة، إلا أنه نسى أو تناسى أن للأسواق المصرية طبيعة خاصة فى سرعة الاستجابة لرفع الأسعار، فما أن سمع التجار شائعات رفع الضرائب والأسعار، إلا وقاموا برفع أسعار البيع بنسبة أكبر بكثير من المعلن عنها فى إجراء استباقى. كما أن هناك طبيعة أخرى للسوق المصرى لا توجد فى سوق آخر وهى أنه يستجيب لرفع السعر ولا يستجيب لخفضه، وهى طبية معروفة جدا فى السوق المصرى يعرفها الجميع، ولكن يبدوا أن الدكتور قنديل وحكومته لا يعرفوا ذلك. مشكلة أخرى يعانى منها الاقتصاد المصرى بشدة، وهى أن أكثر من 40% منه عبارة عن اقتصاد عشوائى وغير رسمى، لا يخضع لا إلى ضرائب ولا إلى قوانين، ويسرق الخدمات العامة مثل "الكهرباء والماء" من الشوارع بدون مقابل، ولذلك فإن هذه القرارات ستطبق فقط على الاقتصاد الرسمى "المحلات والمصانع المرخصة" والتى تدفع ضرائب وتشترك فى الكهرباء والمياه وتلتزم بتشغيل عدد من العاملين والتأمين عليهم، وبذلك ستزداد الأعباء على هؤلاء "الرسميون" مما سيدفعهم إما إلى تسريح جانب من العمالة لتخفيف الأعباء، مما سيزيد البطالة، أو اللجوء إلى التخلى عن الوضع الرسمى والعمل بشكل غير رسمى، وبذلك تقضى الحكومة على الاقتصاد الرسمى وتشجع العشوائيات غير الرسمية، وهذا ما قاله محسن عادل الخبير الاقتصادى. كما أن فئات النقود المستعملة فى السوق المصرى تبدأ فعليا من فئة 25 قرشا، ولا يوجد استعمال فعلى لفئة القرش الواحد الذى تحدث عنه رئيس الوزراء "رغم عدم إلغاء هذه الفئات رسميا"، فهو "قنديل" أكد أن الزيادة فى أسعار كيلو الزيت لن تتجاوز قرشين، وهو يعرف تماما أن القرشين سيترجمان فى الأسواق إلى 25 قرشا كحد أدنى، إلا أن الحكومة ورئسها يتعاملان مع السوق بشكل نظرى فقط. مسلسل التخبط الحكومى فى اتخاذ القرارات، سواء كانت قرارات اقتصادية أو حتى سياسية، له تداعيات خطيرة على السوق، وأهم أثر سىء له هو انعدام الثقة، واضطراب الأسواق، وظهور الأسواق السوداء، والتى لن تقتصر على سلعة بعينها، وإنما ستمتد إلى سلع كثيرة، وعمليات التلاعب بالأسعار، بالإضافة إلى ظهور عمليات الاحتكار بشكل كبير، حيث ستختفى سلعا مهمة ثم تعود فجأة لتحقيق طفرات فى الأسعار وسط هذا السوق المضطرب. الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادى، وصف القرارات السابقة بالعشوائية، والتى لا تراعى لا طبيعة الاقتصاد المصرى وأسواقه ولا الظروف القاسية التى يتعرض لها الاقتصاد، مشيرا إلى أن هذه القرارات لن تقتصر على رفع الأسعار لبعض السلع، وإنما سيمتد إلى جميع السلع فى السوق، حتى لو لم يشملها القرار، خصوصا إذا ما طبقت على مدخلات الإنتاج للمصانع مثلا، ما سيضطرها إلى تحميل هذه الزيادات الضريبية على المستهلك النهائى. وبذلك سنفاجأ بارتفاع جميع السلع بدون استثناء، فسترتفع أسعار الحديد والأسمنت وجميع مواد البناء ووسائل النقل، حتى السلع الغذائية التى قال رئيس الوزراء إنها لن ترتفع، سترتفع عندما ترفع مصانع الأسمدة أسعارها، وبالتالى ستزداد تكلفة الإنتاج الزراعى فترتفع أسعار الخضروات والفاكهة، وهكذا كل السلع، لأن الأسواق دوارة ومرتبطة ببعضها ارتباطا مباشرا، ولذلك فإن ما يقال إن السلع الإستراتيجية لن ترفع أسعارها هو كلام غير صحيح. أما إسلام عبد العاطى، فكشف عن خطورة جديدة على أسواق المال ومن هذه القرارات، أن ارتفاع أسعار السلع الضرورية سيجعل المستثمرين فى البورصة مثلا يسحبون جزءا من استثماراتهم فى سوق المال لتلبية احتياجاتهم الضرورية، وبذلك تتراجع السيولة فى سوق المال، الذى يعانى أصلا من ضعف شديد فى السيولة، وتراجع متواصل فى قيم التداول، وهو ما ينذر بكارثة حقيقية فى سوق المال خلال الشهور المقبلة، مما سيزيد من تدهور البورصة.