لابد لنا بادئ ذى بدء أن نعى ونعترف أنه لا قيمة، ولا شرعية ولا تفعيل لأى مادة من مواد أى دستور، فى أى بلد طالما لا يصادفها موافقة أغلبية غالبة من الشعب عند الاستفتاء عليه. وأن نعى ونعترف كذلك أن الدستور ليس إلا مجموعة كلمات صماء عمياء يصيغها بعض النُخبة بشكل بلاغى حيناً، ونحوى حيناً آخر، وهى كلمات لا تقوى على حماية نفسها بنفسها، ولا على احترام تنفيذها إلا من خلال تفاعل مُشرعى ومواطنى الشعب أنفسهم بها ومعها بعد الموافقة عليه وتفعيله. إذن، فإن تصويت أغلبية الشعب - بالموافقة - على الدستور هو الأساس الذى يعطى الشرعية للدستور ذاته وليس العكس !! ولأن شعب مصر مدعو من رئيس الجمهورية يوم السبت 15/12/2012 للاستفتاء على الدستور الذى أخرجته لنا الجمعية التأسيسية المنوط بها كتابته، والتى قامت بتسليمه للرئيس فقام بدوره بدعوة الشعب للاستفتاء فى احتفال مهيب بقاعة المؤتمرات التى بناها ( النظام السابق الفاسد الحرامى المُجرم )!! ولأننى أحد أفراد شعب مصر، فقد قررت بعد قراءة مستفيضة، وبعد تحليل دقيق ومراجعة لكل مادة من مواد الدستور، وبعد عقد مقارنات بينه وبين دستور 71 المُعطل، ومقارنة بينه وبين بعض دساتير العالم، فقد قررت أن أقول لهذا الدستور – لا ... وذلك للأسباب التالية : 1- أن الجمعية التأسيسية التى كتبت وسطرت هذا الدستور يشوب تشكيلها البطلان. 2- أن السادة مؤيدى ومناصرى السيد رئيس الجمهورية – الداعى للاستفتاء - قد ارتكبوا جريمة كبرى بمنعهم أعضاء المحكمة الدستورية من دخول محكمتهم العليا الشامخة على ضفاف النيل والتى بناها أيضاً ( النظام السابق الفاسد الحرامى !! ) وذلك يوم 2/12/2012 وهو اليوم المُحدد لإصدار الحكم بشأن بطلان الجمعية التأسيسية من عدمه، وكأن هؤلاء السادة المؤيدين المناصرين المأمورين الطائعين - متأكدون من صدور الحكم بالبطلان !! 3- أن الدستور المُستفتى عليه مكتوب بشكل يدُل دلالة قطعية على جهل القائمين عليه بأبسط قواعد كتابة الدساتير البلاغية والنحوية، وقلة خبراتهم الدستورية والقانونية، ويظهر ذلك جلياً فى ركاكة الأسلوب، وكثرة عدد المواد، وفى الإسهاب فى شرح بعض المواد، ناهيك عن وضع مادة، وتفسيرها بأخرى كما حدث فى المادة 2 وتفسيرها فى المادة 219 بشأن مبادى الشريعة الاسلامية، وهو أمر لا يجوز وغير مُستحب عند كتابة الدساتير !! 4- شعورى بأن هناك نوايا خبيثة لدى القائمين على كتابة الدستور لصالح فصيل دون فصيل أو لحزب دون حزب، فالمادة رقم 10 منه مثلاً تؤكد أن الأسرة هى أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتؤكد المادة على حرص الدولة والمجتمع – معاً - فى الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلى تماسكها واستقرارها .. إلخ .. فإن كانت الدولة هى مؤسساتها الشرعية التنفيذية المنوط بها هذا الحرص، فما هى مؤسسات المجتمع ؟! أليس ذلك كفيل بتكوين جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مثلاً .. مُجرد تساؤل ؟! 5- ويزداد شعورى بالنوايا السيئة فى المادة 12 الخاصة بتعريب العلوم والمعارف فى حين أن العلم والمعرفة هى لغة عالمية، وأن الطب حين تم تعريبه فى سوريا مثلاً خرجت سوريا تماماً من منظومة المنافسة الطبية والكيمائية فى العالم أجمع .. مُجرد شعور!! 6- ويزداد شعورى بنفس النوايا الخبيثة فى المادة 224 التى تنص على إجراء الانتخابات التشريعية والمحلية وفقاً للنظام الفردى، أو القوائم، أو الجمع بينهما !! فى حين أن المادة 231 تنص على أن تكون الانتخابات التالية للدستور بواقع (ثلثى) المقاعد للقائمة و(الثلث) للفردى ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح فى كل منهما .. فهذه المادة تشعر وكأنها مرسومة على مقاس جماعة الإخوان والسلفيين .. أليس كذلك ؟! 7- أن المادة 232 والخاصة بعزل قيادات الحزب الوطنى (المُنحل) هى مادة عرجاء لقيطة وذلك لأنها أولاً (غير دستورية أصلاً )، وثانياً فهى تساعد عن عمد وقصد على تفريغ مصر من كفاءات عديدة من ذوات الخبرات فى كل المجالات، فكيف لمصر الدولة والأمة أن تعيش وتتنفس خلال 10 سنوات قادمة، وقد تم وأد عقولها ومُفكريها بحجة انتمائهم لحزب حاكم سابقاً رغم أنهم ليسوا بفاسدين، ولم يثبت على أى منهم ثمة فساد!؟ 8- إقحام المادة 4 على الدستور الخاصة بمرجعية الأزهر لم يكن إلا إرضاء للجماعة السلفية التى وافقت على المادة الثانية على مضض بمبادئ الشريعة وليس أحكامها، فتم مجاملتها بالمادة 4 والمادة 219، وهى مجاملة ليست فى وضعها لأننا أمام دستور من المفروض أن يسعى لإرضاء الشعب كله أو على الأقل أغلبية غالبة منه، لا إرضاء جماعة أو اثنتين منه .. مش كده ولا إيه ؟!!