بوجه طفل باسم قانع بالنذر اليسير من السعادة راضٍ عن قضاء الله محتسب لما يجده من ألم عظيم وبرأس تساقطت شعيراته من أثر العلاج الكيماوى فبدا حليقاً كمن فرغ لتوه من أداء عمرته وتحلل من الذنوب والخطايا واطمأن إلى مغفرة ربه ورحمته غادرنا قبل عام من الآن الفارس النبيل (حسام تمام(. كان عليه رحمة الله له حظ عظيم من اسمه فقد كان حساماً يشق لجة الباطل فإذا بطريق الحق يستبين واضحاً لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً، وكان تماما فى كل أفعاله وصفاته وأدواره كباحث استثنائى متفرد وكصديق وفى خلوق، بل وحتى كرب أسرة وأب حنون. حسام تمام هو واحد من أبرز الخبراء العرب فى شئون الإسلام السياسى، بدأ عمله كصحفى بجريدة آفاق عربية وشغل منصب مدير تحرير قطاع الحركات الإسلامية بموقع (إسلام أون لاين)، صدرت له عدة كتب وترجمات أبرزها (مع الحركات الإسلامية فى العالم: رموز وتجارب وأفكار) و(تحولات الإخوان المسلمين: تفكك الأيديولوجية ونهاية التنظيم)، كما كان أيضا رحمه الله محاضرا فى جامعة زيورخ وساهم فى العديد من الإصدارات المتخصصة فى الشرق الأوسط بالتعاون مع عدد من الجهات البحثية الأوروبية، وأخيرا كتابه الأخير- والذى صدر بعد وفاته- (الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة) والذى يعد بحق كاشفا للكثير من الغموض الذى يحيط بمفهوم هذه الجماعة للثورة وللكثير من القضايا المطروحة على الساحة حاليا ويجيب على السؤال الغامض لماذا لم تنشق جماعة الإخوان وكأنها عصية على الانشقاق؟ كما حاول فيه فهم الأطر الحاكمة التى حددت مسار جماعة الإخوان المسلمين واختياراتها مع بداية ثورة 25 يناير وتوفير بنية تحليلية يمكن من خلالها استشراف مواقف ورؤى الجماعة فى المستقبل ! ومواقف حسام الفارس لا تنتهى ولعل آخرها كان موقفه الشهير فى مكتبة الإسكندرية عندما استنكر نقل محاضرة فى التثقيف السياسى من المسرح الكبير إلى البدروم! لإقامة لقاء مدير أمن الإسكندرية فى المسرح واعتبره استهانة بالجمهور والمحاضر وأعلن أمام جمهوره توقفه عن العمل لحين إجراء تحقيق ومعرفة من المتسبب فى هذا الإجراء المهين! وكانت هذه هى الشرارة الأولى لثورة مكتبة الإسكندرية التى بدأت ولا تزال جذوتها مشتعلة كثورتنا الأم تماما... ثورة 25 يناير! عندما أتذكر الآن ما حدث من تطور سريع لمرضه -السرطان - وتدهور حالته بشكل غير مبرر طبياً أدى إلى وفاته فى النهاية بعد شهور قليلة من صراعه مع هذا الوحش الكاسر! وأنظر إلى ما يحدث حولى من اضطراب وارتباك وعدم وضوح للرؤية من القيادة وما تنذر به النذر من أنواء باتت وشيكة! أكاد أجزم أن هذا هو السبب الحقيقى فى تدهور حالته فكأنما كان الباحث الملهم يرى كل ما يحدث على الساحة الآن رأى العين ويتأثر به حتى إنه فى النهاية سقط كمداً لا مرضاً ! أثق فى أن مصرنا بأعين الله وأنه سبحانه وتعالى يمحصنا أفراداً وجماعات حتى ينتقى لمصر ما يليق بها كقلب للعالم ومهد للحضارة. رحم الله فارسنا النبيل حسام تمام وبارك لنا فى ميراثه من العلم. اللهم تقبله فى عبادك الصالحين واجمعنا به على خير فى مقعد صدق عند مليك مقتدر