أنا آهلاوى منذ نعومة أظافرى وكنت أشجع فريق الأهلى فى ظروف شاقة لأنى كنت أذهب لإستاد بورسعيد منذ زمن طويل - حيث أعيش – لتشجيعه مع عائلتى الأهلوية عندما كان يقابل فريق المصرى البورسعيدى فى أجواء أشبه بالأجواء الإفريقية وكنا ننزوى وحيدين مع جمهور الأهلى فى مدرجهم، وعندما يفوز الأهلى كنا ننشر الفانلات الحمراء على سور بلكونة منزلنا. طوال سنوات عديدة ومباريات المصرى والأهلى فى بورسعيد على هذا المنوال فكانت تدق طبول الحرب وتبدأ المباريات وسط هذه العصبية والطبول والدفوف كطبول قبائل أفريقيا، ولكنها أبدا لم تتعد كونها طبولا وصراخا على اللاعبين ولعنة على الحكام ولم تتجاوز أسوار سور الملعب رغم التعصب وغالبا ما كانت النتيجة فى صالح الأهلى ضد المصرى. وتمر الأيام وتجىء سنة 2012 وتحدث كارثة أستاد بورسعيد وقتل 73 شابا يافعا من مشجعى الأهلى .. وتمضى الأحداث سريعا ملتفحة بالسواد والحزن والألم فى قلوب أهالى هؤلاء الشباب ضحايا الفوضى والإهمال والبلطجة التى تعيشها البلاد منذ فترة، بل ويظل الحريق مشتعلا فى قلوب وأعصاب زملائهم من مشجعى الأهلى ورابطتهم المسماة "التراس الأهلى" وهم عدد كبير من الشباب الواعى الذين تجمعهم وحدة الهدف وهو حب وتشجيع ناديهم الأحمر .. ويصرون على القصاص – وهذا حقهم وحق الشهداء – نعم لابد من القصاص وأن يأتى حق الشهداء ولكن من من؟ هل تعرفون الفاعل الحقيقى ؟ أحضروه لإعدامه فى ميدان الحرير؟ لقد فقدت مصر 1200 شهيد فى حادث واحد هو حادث العبارة ولم نحاسب الفاعل حتى الآن! وراح العديد من شباب مصر فى حريق قصر ثقافة بنى سويف وحاكمنا الإهمال والتقصير بتهمة القتل العمد! وضحايا عديدون فى القطارات وحوادث الطرق والمستشفيات بالجملة أسفرت عن مئات الآلاف من شهداء مصر... آخرها شهداء الثورة وماسبيرو ومحمد محمود و.. إستاد بورسعيد. فلابد من القصاص لكل هؤلاء وأن نأتى بحقهم كاملا .. ولكن ممن؟ يجب أن نبحث ونتحرى ونجرى وراء المعلومات والتحقيقات ونحدد الفاعل المجرم وراء قتل كل هؤلاء.. كل ذلك بالتوازى مع العمل.. نعم العمل.. لابد أن نترك الماكينات تدور والزرع ينبت وكل يسير إلى عمله حتى لا نقضى على حياة بقية المصريين فمصر كلها ليست أحمد عز حتى نغلق كل المصانع وليست وزير فاسد حتى نهجر كل المزارع. يجب أن نتحرى ونلهث وراء الدليل على الفاعل الحقيقى للقصاص منه وفى نفس الوقت أن نطلق العنان لصناعة من أهم الصناعات فى مصر هى صناعة "الكرة" والرياضة .. تلك الصناعة التى يعيش من ورائها 5 ملايين مصرى يستحقون أن يعيشوا وأن تفتح بيوتهم المغلقة منذ وقت طويل.. فقطاع الرياضة ليس فقط اللاعب المشهور الذى يتقاضى الملايين ولا فقط المذيع اللامع الذى يتجلى على شاشات التليفزيون ولا عضو مجلس الإدارة الذى يتكلم بآلاف الجنيهات.. إنه قطاع كبير فيه من يتكسبون عيشهم بجنيهات قليلة ينفقوها على أسرهم، هؤلاء العاملون الذين لو سمعتم قصصهم يا شباب الألتراس الواعى لتعاطفتم معهم وبكيتم من أجلهم وسعيتم لأن تدفعوا النشاط الرياضى للعودة والاستمرار حتى تأتوا بحق هؤلاء العاملين بتلك الصناعة الهامة وإذا لم يفعل الألتراس ذلك فمن يأتى للمصريين بحقهم فى العمل وفى الكسب والعيش. يا ألتراس.. أنتم تريدون حق الشهداء فمن يأتى بحق 90 مليون مصرى فى العيش والحيةه. " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ " – سورة الرعد 17.