إن من الظلم والجهل مقارنة الإسلام بأى دين آخر وبأى فكر آخر فالإسلام هو النبع الصافى المنزل من رب العالمين المحفوظ إلى يوم القيامة. وحقيقة، ووالله ليس قدحاً فى أى دين آخر لا يوجد دين له تعاليم دقيقة فى كل نواحى الحياة مثل الدين الإسلامى حتى لقد سمعت حوارًا مع الأنبا شنودة فى التلفاز، فقال بالحرف الواحد ليس عندنا فى ديننا تقسيم للتركة فنستعين بطريقة إخواننا المسلمين فى ذلك فاحترمته على شجاعته وثقافته. وقد استُفِزَ أحد اليهود من دقة تعاليم الإسلام فسأل سلمان الفارسى عن ذلك فعن سلمان الفارسى قال: (قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شىء حتى الخراءة قال: فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجى باليمين، أو أن نستنجى بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجى برجيع أو بعظم) رواه مسلم.. فانظر إلى فجاجة اللفظ لم يقل الغائط أو قضاء الحاجة، ولكن قال الخراءة من الخرة ما قال ذلك إلا من حسده للمسلمين على دقة تعاليم دينهم، بل أشد من ذلك فقد تدخل الشرع فى كل شىء حتى ما يبدو من جسدك وما يخفى.. عن معاوية القشيرى قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتى منها وما نذر؟ قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت: أرأيت إن كان قوم بعضهم فوق بعض قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها قلت: أرأيت إن كان خاليًا؟ قال: فالله أحق أن يستحيى منه ووضع يده على فرجه) رواه أبو داود والحاكم بسند حسن؛ فنحن أصحاب ديانة تتدخل وتتغلغل فى كل نواحى الحياة، فى الطعام والشراب والملبس والمخرج والعلاقات الأسرية إلى آخر الأدلة المعروفة من النفقة والرضاعة والنكاح والطلاق والميراث والأكل والشرب باليمين.. فمن هذه الأوامر ما هو واجب وحتمى ومنها ما هو مستحب جاء على سبيل النصيحة فعن أبى سعيد الخدرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود فليتوضأ، فإنه أنشط للعود) رواه ابن حبان بسند صحيح.. فقوله فإنه أنشط للعود بين أنه للنصيحة وليس للوجوب فنحن أتباع دين نتعبد لله فى كل حركة وسكنة قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاى وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِى رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الأنعام: 162 - 164]، وهذا ليس اختيارياً بل هو حق الله علينا فهو من خلقنا وصنعنا وأوجدنا فهو أحق بنا من أنفسنا. قال تعالى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] فبين سبحانه العلاقة أولاً وأثبتها عقلاً ثم بين المترتب على هذه العلاقة.. فالله هو ربنا ورب كل شىء ومعنى رب أى مالك وصاحب، فالملك هو المتصرف فى ملكه كيفما شاء وليس لأحد سواه أن يشرع أو يسن قوانين إلا بعد الرجوع إليه سبحانه فعن عبد العزيز الشامى، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئًا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه، لقوله: ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) رواه الطبرى؛ وفى تفسير البغوى (له الخلق لأنه خلقهم وله الأمر يأمر فى خلقه بما يشاء) فبدأ الله الآية بإثبات ربوبيته أى ملكه الناشئ عن خلقة أى تصنيعه وإيجاده من العدم ثم بين انصياع جميع المخلوقات إليه {مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} ثم ختم الآية بسؤال تقريرى منطقى {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} وذيلها بقوله {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، وذكّرنا بأن جميع المخلوقات سُخرت وأطاعت لينصاع الإنسان وحذره من العاقبة لمن خالف أمره فقال تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا* لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 72، 73] إذًا من لوازم الإيمان بربوبيته سبحانه وتعالى أن يكون التدبير لكل أمور الحياة من الله.. وهذا يتعارض مع الدولة المدنية.. فالدولة المدنية تعنى دولة ذات قوانين ودستور وليس لها هوية أو اتجاه سواء إسلامى أو مسيحى أو يهودى، وإنما يعيش الناس كلهم سواء يحترمون القانون والدستور سواء وافق مراد الله وأحكامه أو خالفه لا يعبأون بذلك بل يكونون مواطنين محترمين يحترمون القانون حتى لو خالف صريح القرآن والسنة، فقد روى الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى كتابه الشهادة (شهادة الشيخ صلاح أبو إسماعيل فى قضية تنظيم الجهاد) فقال: دخلت ذات يوم قسم شرطة فرأيت نساء مقبوضًا عليهن، فقلت للضابط من هؤلاء فقال هن زانيات فقلت له وأين الزناة فقال لا يوجد، فالقانون لا يعاقب الرجال ويعتبرهم شهودًا فقط فقلت له ولكن الله يعتبرهم مذنبين مثلهن تماماً فمن تطيع الله أم القانون قال لا أطيع القانون أنا عبد المأمور هذا باختصار ما قاله الشيخ. نحن نقول نقبل الدولة المدنية ذات الدستور والقوانين، ولكن بشرط واحد وهو عرض هذه القوانين على كلام الله وكلام رسوله فما وافق قبلنا وما خالف عدلناه لتوافق مع الكتاب والسنة. فمثلاً إذا أردنا فرض غرامة على المواطنين مالية فنعرض الأمر على الشرع هل هذا يجوز أكل أموال الناس بذنب أو خطأ؟ فنجد أن الشرع أباح العقوبة بالمال أيضاً لمن وقع فى الذنب، فعن معاوية بن حيدة القشيرى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فى كل إبل سائمة فى كل أربعين بنت لبون، لا يفرق إبل من حسابها، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شىء) رواه ابن خزيمة بسند حسن زاد الطحاوى فى شرح الآثار (إنا آخذوها منه وشطر ماله عقوبة له لما قد صنع). ومثال آخر: ماذا يمكن حفظ حقوق الناس عند حدوث تصادم بين عدة سيارات كيف نحمل كل مخطئ جزءًا من الغرامة نعرض الأمر على الشرع، فعن حنش بن المعتمر، قال: حفرت زبية باليمن للأسد، فوقع فيها الأسد، فأصبح الناس يتدافعون على رأس البئر، فوقع فيها رجل فتعلق برجل ثم تعلق الآخر بآخر، فهوى فيها أربعة فهلكوا فيها جميعًا، فلم يدر الناس كيف يصنعون، فجاء على بن أبى طالب، فقال: إن شئتم قضيت بينكم بقضاء يكون جائزًا بينكم حتى تأتوا النبى صلى الله عليه وسلم، قال: فإنى أجعل الدية على من حفر رأس البئر، فجعل للأول، الذى هو فى البئر ربع الدية، وللثانى ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية كاملة، قال: فتراضوا على ذلك حتى أتوا النبى صلى الله عليه وسلم فأخبروه بقضاء على، فأجاز القضاء) رواه ابن أبى شيبة مصنفه والبيهقى فى معرفة السنن والآثار.. فقيام دولة مدنية ذات قوانين ودستور أمر مقبول وجائز، ولكن بشرط أن تعرض القوانين على مجمع فقهى من مجموعة من العلماء المتخصصين لإقرار القانون شرعاً قبل أن يعرض على مجلس الشعب أو على المواطنين للتصويت عليه. وكذلك العلاقات الدولية فمثلاً ما حدث بين تركيا وإسرائيل من اتفاقية دفاع مشترك هل يجوز أن تحارب تركيا جنباً إلى جنب مع إسرائيل ضد أى دولة مسلمة، لذا تعرض الاتفاقيات على المجمع الفقهى أولاً قبل إبرامها، وهكذا دواليك إذا لابد من استئذان الله ورسوله قبل التقنين. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1] فكيف يقول مسلم عاقل لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين أو يقول نريد دولة مدنية ولا نريد دولة دينية وللحديث بقية. hotmail.com @Amged_gh