مازالت الجراح التى خلفتها مذبحة صبرا وشاتيلا جرحاً غائراً فى قلب وضمير المجتمع الإنسانى، مهما مرت عليه السنون أوتعاقبت عليه الأحداث فهى دماء لم ولن تجف حتى نهاية التاريخ البشرى وهو عار يلاحق أمماً وشعوباً اختارت الصمت طريقاً للهروب من تلك الكارثة. آلاف من الفلسطينيين العزل ذاقوا فيها قسوة المغتصب الذى سرق الأرض والتاريخ واحتكر الحاضر والمستقبل والذى لم يتوان للحظات يفكر فيها عن الجُرم الذى فعله هؤلاء الأبرياء ليستحقوا منه تلك المذبحة التى تمت بأيد وحوش لا قلب ولا عقل لها، تخلت عنها إنسانيتها وفطرتها التى خلق الله بها خلقه. فى السادس عشر من سبتمبر 1982 اجتاح الجيش الإسرائيلى وعلى رأسه شارون مخيم صبرا وشاتيلا الخالى تماماً من المقاتلين الفلسطينين والذين آثروا الخروج بعد حصار بيروت، حيث لم يتبق فى المخيم سوى الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز. اتخذت الآلة الصهيونية ذريعتها فى اقتحام المخيم ببحثها عن الفدائيين المختبئين والتى كانت تعلم علم اليقين من فرارهم جميعاً تاركين المخيمات بدون حماية أو ضمانات، غير أنهم ما كانوا ليتصورا تلك الفعلة الشنعاء، فلم تعتد البشرية فى تاريخها مهاجمة المدنيين العزل، ولكن الصهيونية ما تريد إلاً إزالة الكيان الفلسطينيى بكل مقوماته من على ظهر الأرض. استمرت المجزرة تحت سمع وبصر العالم كله ثلاثة أيام متواصلة يذبح ويقتل فيها سكان المخيم المنكوبين دون رحمة أو هوادة بدم بارد حتى وصل عدد الشهداء فى إحدى الراويات ما بين 3500 إلى 5000 شهيد حتى فرغت من مهمتها. وبعد أسابيع من وقوع الكارثة استفاق بعضاً من ضمير فأخذ يندد ويشجب ويطالب بإجراء تحقيق قد يحفظ ماء الوجه، فتم تشكيل لجنة تحقيق صورية بأمر من الحكومة الإسرائيلية والتى سميت بلجنة كاهن نسبة إلى رئيس المحكمة والتى أعلنت عن نتائجها فى 7 فبراير 1983 بتحميل مسئولية غير مباشرة على شارون والذى رفض بدوره تلك النتائج ليستقيل من وزارة الدفاع ليعين وزيراً للدولة ويصبح بطلاً قومياً يتباهى بما فعله الأجيال الصهيونية دون خجل أو مواربة. مازالت مآسى الشعب الفلسطينى قائمة وتتكرر دون إيجاد حلولاً فعلية تحقق عدالة لطالما حلم بها الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره. الواجب الوطنى لكل الأطراف الفاعلة فى القضية الفلسطينية أن توحد الطرفين المتصارعين على الجسد الفسلطينى الجريح "فتح وحماس"، فلا أمل فى تقدم أو إيجاد حلولاً من غير توحدهما، وإن بقيا فهو فى صالح إسرائيل والتى تعمل جاهدة على زيادة الفجوة بينهما، بل وإشعال الحروب الداخلية بين كل الفصائل، بالإضافة إلى مساندة القضية الفلسطينية بكل ما أوتى العرب من جهد حيث إن القضية الفلسطينية هى القاطرة التى ستأخذ بيد المستقبل العربى إلى غدٍ أفضل.