أعلم جيدًا أن رسالتى سوف تصل إليك لأن الدروس المستفادة من أخطاء النظام السابق لا تُعد ولا تُحصى، ومنها ضرورة الإحساس بنبض الشارع المصرى. ما يطلبه المواطن لحل مشاكله وعدم وجود الحجاب الذى يحجز بين الشعب والرئيس - فهذا الحجاب "أو هذا الحاجز" من أهم الأسباب التى أدت إلى سقوط النظام السابق - هذان من الأسباب الكثيرة التى أدت إلى قيام الثورة، ولكن من أخطرها على الإطلاق هذا الحجاب، ووجود الحاشية الفاسدة، فقد كانوا يهتمون بتنفيذ مصالحهم الشخصية وبسط نفوذهم فى كل شىء واستغلال السلطة والنفوذ للثراء الفاحش وعدم وجود مستشارين مخلصين حول الرئيس يستشعرون اللون الأحمر، والخطر الذى كان يهدد الدولة وحكم الرئيس، وهذا الحاجز قد وصل إلى نهايته خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة من حكم الرئيس السابق، فهذا الحجاب وضع الرئيس السابق فى الوضع الذى هو عليه الآن، فنتمنى ألاَّ نرى هذا الحجاب مرة أخرى فى مصر بعد الثورة مع الرئيس المنتخب. سوف أتحدث فى السطور التالية عمَّا تحتوى عليه رسالتى من فكرة المشروع القومى الذى أنادى به لحل هذا الكابوس الذى يسمى "البلطجة" ويحمل عنوان "ارحموا من فى الأرض"، فنحن نعلم جيدًا أن البلطجة هى الكابوس الذى يلازم المواطن، فأكاد أجزم بأن هناك بلطجيًّا لكل مواطن من كثرة أعداد هؤلاء البلطجية، فقد تحدث الكثير من الصحفيين والمسئولين السياسيين والكتاب عن أسباب هذه الظاهرة، فهذه الظاهرة ليست ظاهرة حديثة؛ بل قديمة، فمنذ عصر الفتِوَّات كان هناك ما يسمى "فتوة الحتة"، وكان منهم الظالم الذى يفرض الإتاوات على الناس ويظلمهم، ومنهم الفتوة العادل الذى يحمى الناس وينصرهم ضد الظلم، أمَّا الآن فأصبحنا أمام قنبلة موقوتة، نعم، موقوتة، لأن ما نشاهده ونعيشه وهو معنا لا يزال فى مرحلة الإعداد والتحضير، ولم يتم تطبيقه حتى الآن، فهناك أقوال بأن أصابع الاتهام تشير إلى فلول النظام السابق للزج بهؤلاء البلطجية لأعمال النهب والسرقة والترويع والفوضى فى المجتمع، وهناك أسباب أخرى، منها كما نعلم الانفلات الأمنى وغياب دولة المؤسسات، والقانون، وغيرها من الأسباب. وكثيرًا تحدثوا عن حلول نادى بها الكثيرون، منها إعدام البلطجية فى ميدان عام، مع قطع الرقبة أو إهدار دمه، كما قالت بعض الفتاوى، فنحن فى عصر الفتاوى، ومنهم من نادى بتطبيق حد الحرابة. وآخرُ ما توصلنا إليه هو إصدار قانون الطوارئ بدلاً من حالة الطوارئ - فهو كما قال وزير العدل للخارجين على القانون فقط! - لردع هؤلاء البلطجية، فهذا القانون هو العصا السحرية التى ستضرب بيد من حديد كل بلطجى يهدد أمن مصر. فإننى أسال وزير العدل: هل هذا هو الحل؟ فنحن جميعًا نعلم أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى مرت بها البلاد فى العهد السابق ظروف قاسية وهى التى أدت إلى انتشار البطالة والعشوائيات والنوم فى العراء وعدم وجود فرص عمل للشباب مع تأخر سن الزواج، ما أدى إلى انتشار الاغتصاب والإجرام وانتشار الإدمان فى المجتمع، ووجود أطفال الشوارع تحت "الكبارى"، وفى "الخرابات"، وانتشار الأمية، والكثير من الأسباب التى نعلمها، فماذا نطلق على هؤلاء؟ فهل كل هؤلاء فى طريقهم إلى الإجرام لعدم وجود مصدر للرزق لهم أو أمل فى وجود حياة كريمة؟ فتطبيق قانون الطوارئ على البلطجية ليس هو علاج المشكلة، فإذا سجنت مجرمًا وهو رب أسرة فستتحول أسرته إلى الإجرام والسرقة والنهب لكى تبحث عن لقمة العيش والانتقام من المجتمع لظروفهم القاسية، فماذا نفعل مع هذا الجيل الضائع؟ هل نحكم عليهم بإبادتهم ونفيهم عن المجتمع وضياعهم؛ أم نعطيهم الأمان ويستفيد منهم الوطن؟ المجرمون الهاربون الآن (البلطجية) لن يسلموا أنفسهم طواعية لأنهم متأكدون من أن وراءهم السجن وأمامهم الضياع وترويع المجتمع للانتقام منه، فسيظلون هاربين والمجتمع ينظر إليهم بكراهية واشمئزاز، كأنهم كائنات غير موجودة، فهذه هى العوامل النفسية التى تزيد من حدة الإجرام لديهم، وتزيد من التوحش والانتقام، فنحن نخلق جيلاً من المجرمين فى المجتمع، فلماذا يرحموننا ونحن لم نرحمهم؟ أتذكر هنا كلمات المستشار أحمد رفعت الخالدة فى جلسة النطق بالحكم فى قضية قتل المتظاهرين: "فهم لا يطالبون برغد العيش وعلياء الدنيا بل يطالبون ساستهم وحكامهم ممَّن تربعوا على عرش النعم والثراء بأن يوفروا لهم لقمة العيش ويرحموهم من عفن العشوائيات وانعدام آدميتهم، بعد أن افترشوا الأرض والتحفوا السماء وشربوا من مياه المستنقعات". فلنرحمهم يا دكتور مرسى، ولنقف جميعًا بجانبهم، فهم مواطنون لهم ما لنا من حقوق، نعم إنهم مواطنون شرفاء، ولكنهم (خارجون على القانون) سنحولهم إلى مواطنين تستفيد منهم الدولة، وتحقق لهم حياة كريمة هم وأسرهم، ولكن كيف؟ وإليك المشروع القومى الذى أطالب الحكومة بالعمل به، والمجتمع أيضًا.. أولاً: أناشدكم إقامة وزارة لدراسة حالات هؤلاء المواطنين (الخارجين على القانون) وإقامة مشاريع تستفيد منها الدولة كاستصلاح الأراضى وبناء المدن وغيرها، بالاشتراك مع وزارة الداخلية مع توفير مساكن لهم ولأسرهم، ونسمى هذه الوزارة وزارة العفو والرحمة. ثانيًا: إصدار قرار العفو، ويشمل كل من يسلم نفسه لأقرب قسم أو نقطة، وهذا القرار يشمل العفو عمَّن قاموا بأعمال سرقة أو نهب، وليس القتل، فجميع الهاربين من السجن ينشرون الفساد فى الأرض، ويجب أن يتم كل هذا بالتعاون مع الوزارة الجديدة ووزارة الداخلية. ثالثًا: تعاون الشعب والمجتمع مع هذه الوزارة الجديدة لإبعاد هذا الخطر عن أبنائنا وعائلاتنا، وعن أنفسنا، بأن نبدل الكراهية فى تعاملنا مع هؤلاء المواطنين بالرحمة والشفقة، وأن تقوم الحكومة بإلزام كل مواطن ولو بجنيه شهريًّا لمساعدة الوزارة الجديدة فى مشاريعها لهؤلاء المواطنين الخارجين على القانون، وتكون هذه الأموال تحت رقابة الدولة. رابعًا: أن يشرف أطباء نفسيون على هؤلاء البلطجية سابقًا ومحاولة السيطرة على العقد الإجرامية والانتقام، ومحاولة تبديل العنف والحقد منهم على المجتمع. خامسًا وأخيرًا: قيام رجال الأزهر والدين بعمل محاضرات لهؤلاء المواطنين (البلطجية) لتعريفهم الفرق بين الحلال والحرام، والعمل الصالح، فهناك شباب صغار يتجهون إلى الإجرام وهم فى سن الثامنة. هذه باختصار بعض الأفكار عن المشروع القومى والرحمة بهؤلاء البلطجية، وهناك الكثير من الأفكار لهذا المشروع، ولكن لا يسعنى المجال هنا لذكرها، فلنرحم هؤلاء المواطنين الخارجين على القانون.