"إثم عظيم لا يغتفر".. هكذا وصف المرشد الأعلى الإيرانى استخدام الأسلحة النووية، أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل، فى معرض رده على المزاعم، بأن الجمهورية الإسلامية، تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية. النفى الإيرانى رغم أنه جاء قوياً ومن قمة الهرم الإسلامى الحاكم، قد لا يصدقه خصوم طهران، مع تزايد المخاوف لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الشكوى من القيود المفروضة على المفتشين الدوليين، وإعلانها أن طهران توسع مختبرات الوقود النووى فى موقع حصين تحت الأرض. ويقوم الإيرانيون بتخصيب اليورانيوم، بدرجة تفوق بكثير ما هو مطلوب لمفاعلهم الوحيد، ويمنعون عمليات التفتيش، فى حين يهددون بتدمير إسرائيل ويدعمون المتشددين فى المنطقة. ولكن، فيما تدرس إسرائيل على نحو متزايدا، خيار توجيه ضربة عسكرية، يخشى قادة الغرب من صراع آخر فى الشرق الأوسط. وربما تصوغ إيران طموحاتها النووية على غرار اليابان، التى لديها النطاق الكامل للتكنولوجيا النووية، بما فى ذلك القدرة المفترضة لإنتاج رأس حربية، ولكن لم تصل إلى حد إنتاج هذا السلاح فعليا، فهى تنشيء فى الواقع جميع أجزاء الطاقة النووية ولكن دون تجميعها. وقبل أكثر من عامين، تبنى رئيس البرلمان الإيرانى على لاريجانى، بشكل أساسى نموذج طوكيو النووى خلال زيارة لليابان، شملت التوقف فى ناغازاكي، واحدة من مدينتين دمرتها القنبلة الذرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. والتقى لاريجانى مسؤولين يابانيين، وأشاد ببرامج البلاد النووى بوصفه رمزا للمسار الثالث، الذى يعود إلى السبعينات من القرن الماضى، عندما قال رئيس الوزراء اليابانى تسوتومو هاتا آنئذ للصحفيين إن اليابان تستطيع "قطعا" امتلاك السلاح النووى "ولكن لم تصنعه". غير أن الفرق الرئيسى هو إسرائيل والدول الأخرى الحليفة للولايات المتحدة، مثل المملكة العربية السعودية. فهذه الدول ستضطر للتكيف مع التحول فى ميزان القوى الضخمة مع إيران، التى على عتبة امتلاك سلاح نووى. وإتباع مسار اليابان، يسمح لإيران بدفع تكنولوجيتها النووية إلى الحد الأقصى فى حين تستطيع الادعاء، بأنها ملتزمة بتعهداتها الدولية بعدم تطوير قنبلة. ويعتقد يوئيل غوزانسكى، الخبير فى الشؤون الإيرانية بمعهد إسرائيل لدراسات الأمن الوطنى، أن إيران قد تتبنى سياسة على غرار السياسة التى اتبعتها اليابان للوصول إلى "العتبة النووية". وأضاف "لا يستطيع أى إسرائيلى العيش فى ظل حالة من عدم اليقين بشأن وصول دولة إلى امتلاك الأسلحة النووية، وأن إيران يمكنها الانتقال إلى (امتلاك قدرة تصنيع الأسلحة) فى أى لحظة". ومع ذلك، استوعب العالم تغير قواعد اللعبة وامتلاك دول مثل الصين وباكستان أسلحة نووية، ويعتقد أن إسرائيل أيضا تمتلك ترسانة نووية على الرغم من أن المسؤولين، لا يؤكدون أو ينفون وجود مثل هذه الترسانة. وقد يكون ما تسعى إليه إيران هو تصدع الوحدة بين الغرب وحلفائه: ألا يمكن أن يعيش البعض مع إيران شبه المسلحة نوويا، بدلا من المجازفة بحرب قد تتسبب فى صعود صاروخى لأسعار النفط والمخاطرة بنشر الصراع فى أنحاء المنطقة؟ وقال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو، يوم الخميس، إنه سيطرح قضية مناهضة إيران "بصوت واضح" فى وقت لاحق من الشهر الجارى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التى من المتوقع أن تشهد حضور الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد رئيسا للوفد الإيرانى. وفى مارس الماضى، رفض نتنياهو مزاعم إيران بأن لديها أهداف نووية سلمية، قائلا "إذا كانت تشبه البطة، وإذا كانت تسير مثل البطة، وإذا كانت تطلق صوت مثل البطة، فما هى إذاً؟ هذا صحيح، إنها بطة، لكن هذه البطة هى بطة نووية". وقال بول هيرشسون، المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، "لقد سمعنا مثل هذه القصص من الإيرانيين. لا أحد يصدق (خامنئي)... لا يوجد تفسير آخر غير وجود برنامج عسكرى نووى". وأعطى خامنئى صورة مختلفة تماماً، والتى تضيف الضغوط على إسرائيل، لإعطاء بعض الوقت للعقوبات الغربية حتى تستطيع إجبار إيران على تقديم تنازلات. وقال خامنئى، أمام الحضور فى قمة حركة عدم الانحياز، فى العاصمة الإيرانية، الخميس الماضى، "أعلن أن جمهورية إيران الإسلامية لم تسع مطلقا لامتلاك أسلحة نووية، وأنها لن تتخلى عن حقها فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية". وقال البيان الختامى للقمة يوم الجمعة، إن جميع الدول لها الحق فى تطوير الطاقة النووية، واستخدامها لأغراض سلمية، وأشار على وجه الخصوص إلى إيران. ويروج خامنئى وغيره من المسؤولين الإيرانيين بقوة للمعتقد القائل بأن التكنولوجيا النووية، لا يجب أن تكون فقط فى أيدى قلة من الدول، لكن يجب أن تكون متاحة للجميع بموجب معاهدات الأممالمتحدة، وتهدف إيران إلى أن تصبح دولة رائدة علميا، لتحدى الغرب فى مجالات مثل الفضاء والنظم العسكرية. ووقعت إيران اليوم السبت، اتفاق تعاون فى المجال العلمى التكنولوجى مع كوريا الشمالية، التى يعتقد أصلا أنها ساعدت إيران فى تطوير صواريخ. وكرر خامنئى هذا الأسبوع رأيه أن امتلاك أسلحة نووية هو أمر يخالف الإسلام ويعد "أثم عظيم لا يغتفر". وقال فى كملة بثها التلفزيون الرسمى الإيرانى إن الأسلحة النووية "لا توفر الأمن ولا تعزز السلطة السياسية". وتسعى الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إلى وقف البرنامج الإيرانى لتخصيب اليورانيوم، والذين يخشون أن يؤدى فى النهاية إلى إنتاج أسلحة نووية. غير أن كلمة خامنئى تشير إلى أن إيران ربما تمضى بتخصيبها لليورانيوم إلى ما بعد المستويات المطلوبة للتطبيقات الطبية ولمفاعلها الوحيد الذى ينتج الطاقة، وبالفعل، بحث القادة العسكريون خططا لغواصة تعمل بالطاقة النووية، والتى ستتطلب اليوارنيوم على مستوى قريب من إنتاج الأسلحة. وخلص تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الخميس إلى أن إيران تشغل الآن ألف جهاز طرد مركزى فى موقع فوردو السرى فى جنوبطهران، وهو ما يزيد على ضعف العدد مايو، ولا زال فوردو صغير الحجم مقارنة بمنشأة التخصيب الإيرانية الأساسية، لكن يعد أكثر تقدما من حيث التجهيزات كما أنه محصن تحت تسعين مترا من الصخر الجبلى. وقال التقرير أيضا، إن إيران منعت فعلا عمليات تفتيش لموقع منفصل هو مجمع بارشين العسكرى، الذى يعتقد أنه استخدم لتجارب تتعلق بالأسلحة النووية، وذلك بحجبه عن مجال رصد الأقمار الاصطناعية. وحث الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، الذى حضر المؤتمر فى طهران، المسؤولين الإيرانيين على "اتخاذ خطوات ملموسة لبناء ثقة دولية فى الطبيعة السلمية فقط لبرنامجها النووى"، وضم فريق بان فى طهران جيرفر فيلتمان، مسئول الخارجية الأمريكية السابق البارز الذى يعمل حالياً فى الأممالمتحدة. غير أن تقريرا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن قال إن التقرير الأخير للأمم المتحدة يزيد فرص أزمة متفاقمة. وكتب أنطونى كوردسمان الخبير فى شؤون الشرق الأوسط فى المركز يقول إن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتحدث عن أفعال إيرانية تثير تساؤلات متزايدة، عما إذا كانت إيران ستوافق فى النهاية على إغلاق حقيقى وتفيتش وغير ذلك من إجراءات التحقق من مساعيها النووية".