لعل من أهم وأخطر المستجدات على الساحة العربية دعوة إيران "إسماعيل هنية"، رئيس وزراء فى الحكومة السابقة لدولة فلسطين، وذلك لحضور مؤتمر قمة عدم الانحياز الذى سيُعقد فى إيران. إسماعيل هنية لا يُمثل دولة فلسطين، ولكن الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية هما المُمثلان الشرعيان لفلسطين. والسؤال هو: لماذا اتجهت إيران هذا الاتجاه ونحَّت منظمة التحرير وابتعدت عن الشرعية الدولية؟ سؤال أطرحه ولعلنا نُدرك أن إيران تعبث فى منطقتنا العربية وتُحاول نشر المذهب الشيعى فى كل البلدان العربية، وتحاول تكريس وجودها ومدها الشيعى لبشار الأسد وحزب الله فى لبنان، وخير شاهد على هذا ما حدث فى الآونة الأخيرة فى البحرين من حرب إعلامية صريحة بين طرفين طالما كانا يؤجلان المعركة بينهما لمصالح خاصة. الطرف الأول هو دول الخليج العربى أو "دول مجلس التعاون الخليجى" والطرف الآخر هو "إيران" والأحزاب الموالية لها فى الخليج العربى وحوله. لغة الخطاب بين الطرفين فى السنوات الماضية اتسمت بالحذر والتلاعب بالمفردات، لكنها اليوم باتت صريحة مكشوفة، لا يُخفى أحد من الفريقين فيها أوراقه، اللعب اليوم صار على المكشوف، ولم تبقَ إلا ساعة الصفر التى ربما يحددها الأمريكيون دون غيرهم! الشعوب الخليجية فى أغلبها لا تريد "الحرب"، وتبحث عن السلام والعيش الرغيد، وهى تعلم أن الدرس "العراقى" القريب منها جغرافيًّا ليس بعيدًا عنها، وإن حصل ما حصل ففى النهاية سيخسر الجميع، أما حكومات الخليج فكانت ومازالت تحاول تأجيل المعركة أو إلغاء فكرتها، وذلك لعدم استعدادها وتأهبها لتلك المعركة "المنتظرة"، ولعلمها بالخسائر المترتبة سياسيًّا واقتصاديًّا – حيث إنهما السياسة والاقتصاد المحركان الوحيدان لهذه القيادات. الحكومة الإيرانية فى المقابل - وعلى العكس من حكومات الخليج - تريد استعجال المعركة، ولكن عن طريق وكلائها، وأحزابها الموالية فى الجزيرة العربية، تمامًا كما فعلت فى لبنانوالعراق واليمن، وهذه الأحزاب - كحزب الله الكويتى أو حزب الله البحرينى، أو "جبهة الثورة الإسلامية لتحرير البحرين" أو غيرها من المنظمات - هى فى حقيقتها جماعات منظمة ومدربة، بل ومسلحة تخضع فى النهاية وتأتمر بأوامر "المجلس الأعلى للثورة العالمية". الأخطر فى هذه اللعبة التى بدأت تتكشف أوراقها ذلك التعاون الذى يظهر على السطح بين "الإيرانيين" والأمريكان!! والذى يُصور للشعوب على أنه عداء بين "محور الشر" و"الشيطان الأكبر"، فى حين أن إيران وأمريكا اقتضت مصالحهما المشتركة التعاون لإسقاط الحكومة الأفغانية واحتلال أفغانستان، ثم إعادة السيناريو فى العراق. وأخيرًا وليس آخرًا.. دعوة إيران لإسماعيل هنية ليُمثل دولة فلسطين فى مؤتمر عدم الانحياز، ومن يقرأ الأحداث منصفًا ومتجردًا يرى أنه منذ عام 2003 إلى اليوم هناك أمر يدبر بين الإيرانيين والأمريكان، ففى حين تُلاحَق جميع المنظمات السنية والجمعيات الخيرية، وتُعتَبر إرهابية، فإن أى منظمة تابعة لإيران يُغَضُّ الطرف عنها، بل فى حين يقتل ويُصفَّى جميع قيادات حركة حماس – مثلاً – ولو كانوا فى مدينة خليجية؛ فإن قيادات حزب الله اللبنانى يظهرون فى العلن ولا أحد يتعرض لهم، وهاهم الإيرانيون يصرحون بأن هجومهم "الظاهر" على إسرائيل هو فقط لكسب تعاطف الشعوب العربية والإسلامية، وأمريكا تغض الطرف عن التسليح الإيرانى لحزب الله اللبنانى، أو الحوثيين فى اليمن، أو التعاون الوثيق بينها وبين المعارضة البحرينية، بل وتصرح بعدم وجود أى ترابط بينهما!! فى لعبة قذرة باتت لا تخفى حتى على عامة الناس؛ فضلاً على سياسييهم!! وكمثقف عربى أخاف على هويتى وثقافتى العربية فى منطقتنا العربية أُحذر من الخطر الإيرانى "الصفوى"، فنحن لا نعادى "الشيعة"، فالشيعة أيضًا مضطهدون فى الداخل الإيرانى، وهم غير معترف بهم فى "الأهواز"، أما بعض شيعة الخليج فإيران تعتبرهم مطايا لتحقيق رغباتها الاقتصادية، وما نظرية التمهيد ل "المهدى" وعدم انتظاره، إلا نظرية مختلقة لاقتناص هذه الفرصة الذهبية للانقضاض على الخليج الملىء بالثروات النفطية، وذلك باستغلال العاطفة الدينية عند الكثير من الشيعة الذين يؤمنون بولاية الفقيه!! نحن ندعو السنة والشيعة فى الخليج إلى أن يتعايشوا بسلام، وألاَّ يتجاوز خلافهم الجدال والتحاور بالحسنى، وأخص البعض من إخواننا "الشيعة" بألاَّ ينجرفوا وراء الولاية الإيرانية "المشبوهة"؛ لأنهم بهذا سيخسرون الكثير.. الكثير، ولن يستفيد من هذا الوضع إلا القيادة الإيرانية ومن حولها.