مائدة "أم محمود" فى رمضان.. رغيف وحتة جبنة وكفاية "ستر ربنا"

باب خشبى متهالك هو نافذتها الوحيدة على العالم الذى يقتصر بالنسبة لعقلها البسيط على الطريق الملتوى الممتد أمام غرفتها الصغيرة، نهضت مسرعة من فوق فراشها الذى يحتل جانب الغرفة التى لا تتعدى مساحتها عدة أمتار، لتفتح بابها الخشبى، وتجلس أمامه لتراقب الأطفال الذين حملوا أوراقاً بالية وعلباً صفيح صنعوا منها فى خيالهم فوانيس رمضان، ولم يمنعهم الفقر أو الجوع أو صنبور المياه الوحيد بمنطقة "الدويقة" عن خلق بهجة رمضانية خاصة بهم.
يقضى الأطفال يومهم أمام غرفتها ملقيين التحية من حين إلى آخر، وتقضى هى يومها فى انتظار زيارة من أحد أبنائها الذين تركوها، كل للبحث عن أكل العيش، أو مرور أحد الجيران من أمام غرفتها لتبادره صائحة بابتسامتها المعروفة "تعالى أعد معايا شوية"، على أمل أن تقطع ساعات وحدتها الطويلة قبل أن تعود مرة أخرى لفراشها، ليتكرر اليوم، منتظرة فى صبر انتهاء سنوات عمرها التى تجاوزت السبعين.
الحاجة "سيدة" أو "أم محمود" الذى لم تعد تراه، سجينة الغرفة الصغيرة المتهالكة بمنطقة "الدويقة"، لم تشاهد من معالم القاهرة الكبرى التى قضت فيها حياتها سوى الجبل الذى يحتضن غرفتها التى قضت فيها سنوات لم تحسب لها عدداً، تداعبها حشرات الجبل كل ليلة وتقضى معها الوقت الطويل الذى لا تجد فيه "أم محمود" ما تفعله بعد أن "ربت العيال"، وذهب كل منهم إلى حياته، وبقيت هى فى انتظار من يؤنس وحدتها، أو يدخل عليها "بلقمة فطار" فى الشهر الكريم، ولكنها تقابل هذه الوحدة بابتسامة رضا وقلب طيب وخفة دم تشتهر بها وسط جيرانها من الغرف البسيطة المتلاصقة، "أزعل من أيه دا ربنا كبير ورمضان كريم" تقول "أم محمود".
"ربنا كريم ومبينساش حد" هى جملتها التى لا تردد غيرها لكل الزوار أو المارة، لا تحتاج إلى أن يذكرها أحد بقدوم الشهر فهى تنتظره وتشعر ببركته، أما عن الصيام فلا يرهقها، فقد عودتها عليه ظروف الحياة فى هذه المنطقة التى يعيش أهلها فى صيام متواصل بفعل الفقر، يكفيها من طعام الإفطار كسرة خبز بسيطة وقطعة جبن و"كله خير من عند ربنا".
الحاجة "أم محمود"، وهو اللقب الذى حصلت عليه بفعل السن فقط، ليس لديها مطالب، ولم تسمع من قبل عن ديوان المظالم، كل ما تتمناه هو "الستر وراحة البال لحد ما أقابل وجه الكريم".