فى كل الشعوب والدول يعبر رئيس الدولة إذا كان النظام الانتخابى رئاسيا، أو رئيس الحكومة إذا كان النظام برلمانيا، عن قطاع كبير من الشعب، وهذا الأمر ليس له علاقه بالديكتاتورية بقدر علاقته بمستوى ثقافة وتعليم وأسلوب الشعب لحد كبير، ورغم أننى لم تربطنى علاقة صداقة لا من قريب أو من بعيد بليبيين إلا أننى كنت أراهم شعبا طيبا لا يسعى لإثارة المشاكل، سهل الانقياد، خاصة عندما نقارنه برئيسه السفاح معمر القذافى، أو كما يحب أن يطلق عليه قائد يتميز بصفات عدة أولها الجهل بكل شىء، والجهل هنا لا يعنى عدم إتقان القراءة والكتابة، إنما هو جهل بكل شىء بدءا بجهله بمفردات شعبه.. طموحهم.. رغباتهم.. أحلامهم.. قدراتهم على التحدى والبناء، مشوه الفكر لا يفقه شيئا فى التعامل مع البشر.. مادة ثرية للضحك والاستهزاء. الشعب الليبى صمد بلا امتيازات طوال أكثر من أربعين عاما بدون بنية تحتية ولا مستشفيات آدمية ولا مطالبات بشرية حتى استوحش القذافى ولم يكن لديه رادع إلا الله الذى أراد أن تكون نهايته على يد شعبه. قامت الانتخابات الحرة ولأول مرة من أربعين عاما فى ليبيا، كم بهرتنى التجربة وشعرت بالخزى من ضيق أفقى وعدم معرفتى بالشعب الليبى المتواضع الكريم، وقررت أن أقرأ فى التاريخ الليبى الحديث رغم أن القذافى قد طمس كل ما هو جميل فى هذا البلد وحاول جاهدا أن يطمس الإرادة الليبية، لكنه فشل. ولأن الشعب الليبى كانت ثورته وانتفاضته أكبر مما توقع هذا الجرذ القذافى، فمن أجل ذلك انتهى عهده كأى طريد ليل قتل بلا دية. ورغم أننى لم أكن متابعة جيدة للانتخابات فى ليبيا، فإننى ذهلت عندما عرفت النتائج التى أكدت أن الشعب الليبى شعب واع.. ليس لأنه انتخب الليبراليون ولكنه لم يقع فى براثن الفخ الإخوانى المعتبر والذى وقعت فيه الدول التى شهدت ربيعا عربيا مبهرا، وأقصد بذلك بالتحديد مصر ومن قبلها تونس وغيرها، لم يستطع التيار الدينى أن يستقطب فقراءهم ولا الأميين منهم، إلى انتخابهم تحت اسم الدين. وسيسجل التاريخ ما فعله الليبيون ومازالوا يفعلونه.. هم شعب قاتل من أجل حياة أفضل.. ربما ينجح التيار الإسلامى فى مرحلة مقبلة أخرى، ولكن إذا نجحوا فى المرات القادمة فلأنهم يستحقون وليس لأنهم يمارسون ديكتاتورية أخرى تذكرنا بالأنظمة الاستبدادية التى من أجلها قامت الثورات. فهنيئا بالشعب الليبى وبنظامه الجديد وتقديرا واحتراما للتجربة الانتخابية الليبية.