لقد عايشت منذ عدة أيام حادثة كان لها كثير من الدلالات، ولها تبعات قد تعنى إزهاق كثير من الأرواح. وذلك حيث إن صديقين كانا عائدين من جامعتهما بسيارة أحدهما، واصطدما بدراجة بخارية على الطريق الدائرى. ورغم أن الحادث كان مساء مما كان يمكنهما من الفرار، ولكنهما لم يفعلا لصعوبة تركهما لروح إنسان يمكن إنقاذها. فتوقفا بجانبه وقاما بالاتصال بالإسعاف ومصاحبته إلى المستشفى. بل إن والد قائد السيارة عندما رأى الحالة الاجتماعية لأهل المصاب، أعلن تحمله لتكلفة علاجه بالكامل رغم عدم خطأ ولده. ولكن قضاء الله لا مانع له وتوفى المصاب. فما كان من أهل المتوفى إلا بالتعدى على الطالبين بالأسلحة البيضاء. تلقى فيها الطالب الذى كان بجوار السائق عدة طعنات قاتلة، أودت بحياته على الفور !! وقد تناسى هؤلاء كل ما قام به الطالبان لمحاولة إنقاذ ولدهم، وعدم فرارهما وتركه للموت. بل وعدم تركهم فى المستشفى ثم عرضهما كذلك بتحمل جميع تكاليف علاجه، لكى لا يتم التقصير فيها، وكل هذا بدون النظر إلى من هو المخطئ فى هذا الحادث. وما كان لكل هذا من تقدير عند أهل المتوفى ! بل إنهم تناسوا كذلك أن الأمر لا يخرج عن احتمالين. إما خطأ ولدهم ذاته (المتوفى) وإما خطأ قائد السيارة ، وهو فى هذه الحالة قتل خطأ غير متعمد، وفى كلتا الحالتين لا يستحل بهما دمه، فكيف نصل إلى هذا الاستحلال ؟ بل كيف يمكن التجاوز فى الانتقام إلى استحلال دم أطراف أخرى غير مسئولة عن الحادث كالصديق الذى ساقته الأقدار حتى يكون مجرد جالس فقط فى السيارة، التى شاركت فى الحادث!!. إن هذا الحادث كاد يصبح حادثا عاديا أصبحنا نرى مثله الكثير الآن، وإن اختلفت الأسباب... مما جعلنى أتساءل أين نحن من حرمة الدماء والأعراض والأموال؟ وأين رجال الدين من هذا التدنى والتجاوز والانهيار؟ لقد صاحب ثورة يناير محاسن كما صاحبها مساوئ. وإن من مساوئها هذا الانفلات الأمنى والتدهور الخلقى وزيادة العنف والبلطجة وانتشار السلاح. وللأسف الشديد فقد انشغل رجال الدين بالجانب السياسى فقط، ونسوا تماما باقى الجوانب الأخرى رغم انهيارها وخطورتها وتعديها على حرمات الله... ونسوا مسئوليتهم أمام الله بتذكير الناس بهذه الحرمة ووقف هذا التدنى والانهيار الخلقى والدينى. بل إن خطورة وتبعات هذه التصرفات قد تكون أسوأ إن لم نتحرك سريعا... وذلك لفرار طرف الحادث بدلا من نجدة الطرف الآخر... وما تعنيه من أرواح أكثر قد تزهق كان فى الإمكان إنقاذها. وهى أرواح أخرى سيسأل عنها أولو الأمر ورجال الدين. إننى أناشد فضيلة شيخ الأزهر والقائمقام موقع البابا ووزير الأوقاف ورجال الدين الإسلامى والمسيحى بسرعة التحرك وتوجيه الخطاب الدينى لتوضيح شدة حرمة الدماء والأعراض والأموال عند الله، وخطأ أن نجعل من أنفسنا خصوما وحكاما وجلادين، والعودة لأخلاقنا الجميلة التى حثت أدياننا عليها ومنها الرأفة والتسامح والتراحم. وإننى لأخاف من أن نكون من الذين رأوا المنكر ولم ينكروه !! بل إننى أكاد أن أجزم إننا مشاركون جميعا بصمتنا.. وأن أيدينا جميعا أصبحت ملوثة بالدماء.