منذ ظهوره في المشهد السياسي الإسرائيلي اتخذ وزير الأمن الإسرائيلي الإرهابي بن غفير قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية محوراً أساسياً في الترويج لبرنامجه السياسي القائم على إرهاب الفلسطينيين والتنكيل بهم، فبنى على ذلك قاعدة تصويتية فاشية من الجمهور الإسرائيلي. وقد أسهمت في تكوين شخصيته نشأته في بيت يميني متطرف ومدان بالإرهاب فوالدته الكردية "شوشانا" كانت قد عملت في شبابها في المنظمة الإرهابية "الأرجون" المسؤولة عن عشرات التفجيرات والحوادث الإرهابية ضد الفلسطينيين والعرب، وأب عراقي عمل بستانياً في العراق قبل الهجرة إلى إسرائيل واختار طواعية تغيير اسمه من "صادق" إلى بن غفير التي تعني بالعبرية "ابن السيد" أو الفتوة. تحوّل بن غفير إلى ممارسة الإرهاب شأنه شأن سائر الإرهابيين الذين ينشطون ضمن إطار ديني وأيديولوجي خلال فترة الانتفاضة الأولى. وقد دفعه تأثره بالأحداث آنذاك إلى الانضمام إلى حركة "موليدت" اليهودية المتطرفة، ثم إلى حركة كاخ التي أسسها الإرهابي اليهودي الأمريكي مائير كاهانا في العام 1971. تعد حركة كاخ هي النموذج الأيديولوجي اليهودي الأقرب لحركة "كو كلوكس كلان" الأمريكية المعروفة اختصاراً KKK. فأسوة بتلك الحركة الإرهابية الأمريكية التي آمنت بتفوق العرق البروتستناتي الأبيض على غيره من الأعراق، اعتقدت حركة كاخ بتفوق العرق اليهودي على غيره، ودعت إلى طرد الفلسطينيين من أرض "إسرائيل الكبرى"، مستندة في ذلك إلى تفسيرات متطرفة للتوراة والشريعة اليهودية "الهالاخاه". لا يقف التشابه بين الحركتين عند هذا الحد، إذ مارستا أعمال القتل والإرهاب لتنفيذ الرؤية الدينية المضللة، فقد أقدم باروخ جولدشتاين على ارتكاب مذبحة الحرم الإبراهيمي في العام 1994 بالإضافة إلى العديد من عشرات حوادث القتل والإرهاب ضد الفلسطينيين، كتلك التي ارتكبتها حركة KKK من أعمال قتل وحرق صلبان واغتصاب لإرهاب الأغيار. إلى جانب هذه الخلفية الأيديولوجية المتطرفة، يتبنى بن غفير خطاباً شعبوياً مليئاً بالكراهية والعنف تجاه الفلسطينيين. وبطبيعة الحال، يجد هذا الخطاب جمهوراً يتلقاه ويتأثر به متى توفرت بيئة سياسية واجتماعية مناسبة خصبة تحتضنه وتغذيه. لا يحتاج المرء إلى خبرة في الطب النفسي ليدرك مدى اعتلال الرجل وانخفاض تقديره لذاته والحاجة إلى إظهار السيطرة عبر التنمر وإذلال الآخرين، ولربما تعرّضه لحافلة الصليب الأحمر التي كانت تقل ذوي الأسرى الفلسطينيين والتطاول عليهم، وتعمده اتخاذ لقطات فيديو وهو يقف أمام مجموعة من الأسرى الفلسطينيين المكبلين الذين جرى اخضاعهم بالقوة تقدم أمثلة واضحة على اعتلال شخصية وزير التيك توك واضطرابها. يشير أحد المتخصصين في الطب النفسي إلى أن سلوك بن غفير يحمل مؤشرات على اضطرابات في البناء النفسي، ومنها سلوكه السادي الذي هو مؤشر على تشوه في تكوين المعايير الأخلاقية الفاصلة بين المقبول وغير المقبول في التعامل مع الآخر. بالإضافة إلى أشار إليه المختص بالنرجسية التعويضية التي تتجلى بوضوح في حرصه المستمر على استعراض الشجاعة أو "الرجولة" على من لا يستطيع الرد، وفي حساسيته المفرطة تجاه النقد، والبحث دون توقف عن إثارة إعجاب الآخرين. حاول بنيامين نتنياهو كبح جماح بن غفير واحتواء رغبته في المساس بالحركة الفلسطينية الأسيرة في السجون الإسرائيلية. غير أن الحال تبدل تماماً بعد السابع من أكتوبر، إذ شرع بن غفير الانتقام من الأسرى – وهو ما أصبح شغله الشاغل- عبر تغيير أنماط التعامل بين مصلحة السجون والحركة الأسيرة والتي ناضل من أجلها الكثير من الأسرى ودفعوا أثماناً باهظة من أجل تحقيقها. فقد تعمّد المساس بالأطر التنظيمية داخل السجون وملاحقتها بالعزل الانفرادي أو التعدي بالضرب على رموزها، وهي الأطر الناظمة للعلاقة بين الأسرى وآسريهم في السجون الإسرائيلية. كما شمل ذلك الحرمان من الحقوق الأساسية المكفولة بموجب المواثيق والمعاهدات الدولية مثل الحق في الغذاء، والتريض، والحصول على العلاج الطبي الملائم للمرضى من الأسرى. يشير أحد الأسرى المحررين إلى أن بن غفير حوّل السجون إلى أماكن للتعذيب والتنكيل الدائم، حيث أصبح تعرّض الأسرى للضرب والعزل الانفرادي حدثاً يومياً. إمعاناً في التطرف في السياسات، قدّم بن غفير مشروع قانون إلى الكنيست الإسرائيلي يقضي بإعدام الأسرى ممن تدينهم إسرائيل بالإرهاب، هذه التهمة الفضفاضة والطيْعة طالما أن من يقرر الإدانة بها هي إسرائيل. ونتيجة لسيطرة اليمين الإسرائيلي على كافة مناحي الحياة السياسية والتشريعية في إسرائيل، مر القانون بالقراءة الأولى، الأمر الذي دفع بن غفير إلى توزيع الحلوى داخل أروقة الكنيست. وعلى الرغم من معارضة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للقانون لعدم جدواه، ومعارضة نقابة الأطباء الإسرائيلية له لعدم أخلاقيته، يمضي بن غفير قدماً نحو تكريس القانون كأمر لابد من حدوثه. فقد أوعز إلى مصلحة السجون الإسرائيلية بإرسال وفد للولايات المتحدة، وتحديداً ولايتي تكساس وفلوريدا لتجربتهما "الرائدة والفريدة" في تنفيذ أحكام الإعدام. في الختام، لا تقف سياسات بن غفير المتطرفة عند حد الأهواء الشخصية والرغبات الفردية، بل تمتد لتعكس حالة التداخل العميقة بين الأيديولوجيا المتطرفة، والخطاب الشعبوي، والممارسة السياسية. وأن الخطورة لا تكمن فقط في الأثر الذي تخلفه هذه السياسات على الضحايا وهم في هذه الحالة الفلسطينيين وأسراهم في السجون الإسرائيلية، بل تمتد لتتجاوز عملية ممنهجة لمأسسة العنف وتقنينه على الرغم من مخالفته المواثيق والمعاهدات الدولية، وهو الأمر الذي يحمل في طياته مخاطر استدامة العنف وتكريس الانتهاكات كأمر واقع وشرعي مما يعكس بحق غطرسة الوضيع.