نوقن أننا جميعًا أنه لا يمكننا الاستغناء عن الدعم بصُوَره المختلفة، وهنا أقصد به كل ما يعزز الإيجابية لدى الإنسان، ويحد من آثار مسببات السلبية؛ ليصبح الوجدان مزدهرًا، والعزيمة متقدة، نحو استثمار الطاقات، والتطلع إلى آفاق أيام تحمل في طياتها وعد بالخير، وأعتقد أن أكثر ما يهدد الكيان الأسري غياب الدعم النفسي؛ إذ لا يجد الفرد الطمأنينة، ولا يصل عبر لغة التواصل إلى التفاهم، الذي يسفر عنه تداعي أفكار مفيدة، ولا يجد مكانًا للاحتواء، عندما يتعرض لمشكلة، أو قضية شائكة، أو حتى عثرة، لا تغيّر مجريات الأمور لبساطتها؛ ومن ثم أزعم بأن فقدان الرعاية الوجدانية، لها تداعيات يصعب حصرها، يكفي أن نذكر منها ارتفاع وتيرة التوتر في صورة العلاقات بين المكون العائلي. الحديث عن مخاطر جمة، تتعرض لها الأسرة، جراء غياب الدعم النفسي، ليس من قبيل المبالغة؛ فهناك تآكلٌ يحدث للمودة، واستبدالها بصورٍ من التنافر، أو النفور بين أفراد الأسرة، وضعف الحنان، بما يفتح المجال للقسوة والفظاظة في القول والفعل، بل، قد يصل الأمر إلى مستويات اللامبالاة، ناهيك عن تصاعد حدة الخلافات الصغيرة؛ فتتحول إلى خلافات كبيرة؛ ومن ثم يصبح تضخيم الأحداث والأزمات أمر طبيعيًّا، بما لا يسمح قطعًا بالجلوس على مائدة التفاهم والحوار البناء، ويكرّس ذلك بالطبع ضعفَ التحكم في الانفعالات، بما يؤدي إلى صعوبة مواجهة الضغوط متجددة المصادر، ولا أدّعي أنني أفرط في التناول إذا ما قلت إن ذلك مجتمعًا يخلق مزيدًا من المشاعر السلبية المتمثلة في القلق، والاكتئاب، والانعزال، والشعور بندرة الأمان. المساندة في تعديل السلوك لدى أفراد الأسرة مطلب مهم في تعزيز أطر التنشئة الأسرية السوية داخل الكيان؛ فبناء اللبنة يلزمه متابعة ورعاية وتضافر؛ من أجل أن تصبح العلاقات إيجابية، تستهدف تعضيد التماسك، والعمل على تعظيم فلسفة الاحترام المتبادل، والخصوصية المحافظة على ملامح الشخصية، وفق مكنون طبيعتها، وأعتقد أن جيلَنا أضحى واعيًا؛ نظرًا لتوافر مقومات اكتساب الخبرة في سياقها المتكامل، وهذا أدعى بنا أن نتعاون جميعًا دون استثناء؛ كي لا نواجه مخاطر ضعف الانضباط، وهنا ينبغي أن نتوقف، بل، ونُدقَّ ناقوس الخطر؛ حيث يصعب اكتساب الاتصاف القيمي، بما يؤدي حتمًا لصعوبات في تنظيم وتقبُّل ماهية الحقوق والواجبات. جميعنا يتوافق حول ضرورة تنمية مهارات التفكير العليا لدى فلذات الأكباد؛ لكن هذا الأمر يتطلب مناخ تربويّ، يقوم على التدريب والإرشاد والمتابعة، وبالطبع تبدأ بتعزيز مسارات التواصل؛ كي يتفهم الفرد ما ينبغي أن يقوم به؛ ليرتقي ويُحسن ويُطور من ذاته، ولا يمكن أن نتجاهل ما قد نقع فيه من سلبيات، إذا ما تركنا بوابة حماية العقول عبر تزويدها وتغذيتها بمعرفة صحيحة، تضمن أن يتخذ الأبناء قراراتهم بصورة مدروسة، ولا يجنحون عن الطرائق السوية، في بلوغ الهدف المنشود في مراحل العمر المختلفة. الدعم العاطفي أحد الدعائم الرئيسة المعززة للاستقرار الأسري؛ فمن خلاله تقوى الروابط، ويزداد التقارب، وتتناغم وجهات النظر، وتنمو لغة الحب، والمشاعر الجياشة؛ فنرى أن ماهية الصبر يتبادل أطرافها الجميع، وأن المشاعر الإيجابية يتمسّك بسياجها الكبير والصغير، وأن الاختلاف أو التباين يؤدي قطعًا إلى الخلاف، ولا نغالي إذا ما قلنا إن غياب هذا النمط من الدعم، يكرس سلبيات يصعب حصرها؛ إذ تُفتح بوابة للعزلة والانطواء، ويشعر البعض بالاغتراب، وتغدو الأمراض النفسية نشطة في البيئة الأسرية الداخلية، وعلى أثر ذلك نتوقع أن تنخفض الصحة النفسية لدى الكيان الأسري برمته، بما قد يؤدي إلى هشاشة العلاقات، التي تنال منها الأزمات وإن بدت صغيرة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. -- أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر