حالة القلق التى انتابت تل أبيب من فوز مرسى ترجمتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى تحركات فعلية على أرض الواقع للاستعداد لما هو أسوأ كما يقولون، فبعد ساعات من الارتباك أصابت قيادات الموساد أعاد الجهاز ترتيب أوضاعه الداخلية وبدأ فى تنفيذ خططه التى سبق أن رسمها منذ إعلان جماعة الإخوان المسلمين الدفع بالدكتور محمد مرسى للترشح للرئاسة. الموساد عمل فى البداية على البحث عن الكيفية التى تمكنه من اختراق قصر الرئاسة ليكون على اطلاع بكل ما يدور بداخله، فوفقا لتقارير إخبارية تعكف قيادات الجهاز منذ الإعلان عن فوز مرسى على فتح قنوات الاتصال مع أجهزة مخابرات من عدة دول صديقة لتل أبيب لتضع إسرائيل أولا بأول على كل التفاصيل التى ترد إليها عن الرئيس الجديد وما يفكر فيه، كما أن هناك تقارير تحدثت عن زيارات قام بها مسؤولون بالموساد للعاصمة الأمريكيةواشنطن للاتفاق على شراء أجهزة تجسس حديثة يتم زرعها على الحدود المصرية الإسرائيلية لرصد كل ما يهدد أمن تل أبيب. اختراق مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين هو الهدف الذى رسمته قيادات الموساد لأنفسهم، واستعانوا فى سبيل ذلك بالمخابرات الصديقة لها وللقيادة الجديدة فى مصر، ومنها على سبيل المثال المخابرات الألمانية التى يرتبط رئيسها هاينز فروم بعلاقات جيدة مع قيادات الجماعات الإسلامية فى المنطقة، فهو الذى توسط بشكل مباشر بين تل أبيب وحركة حماس لاتمام صفقة الإفراج عن الجندى الإسرائيلى الأسير جلعاد شاليط، ومكنته هذه الوساطة من توثيق علاقته بقيادات حماس التى تعد الجناح الفلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين، كما أن الموساد يريد الاستفادة من خبرات المخابرات الألمانية فى التعامل مع ملفات الجماعات الإسلامية. ويحاول الموساد مراقبة كل تحركات قيادات التنظيم الدولى للإخوان المسلمين المنتشرين فى عدة دول أوربية وعربية لأنه من خلال هذه القيادات يمكن التعرف على خطط رئيس مصر المنتمى للجماعة، وتستعين تل أبيب فى هذه المراقبة بخدمات أجهزة صديقة فى الدول التى يتواجد بها أعضاء التنظيم. وبعيداً عن الأساليب التقليدية فى زرع الجواسيس فإن كثيرين يرون أن هناك طريقة حديثة تستطيع من خلالها تل أبيب جمع ما تريده من معلومات من الشارع المصرى عن مؤسسات الحكم، هذه الطريقة هى التخفى وراء الهوية الصحفية، والادعاء بالقيام بالدور الإعلامى فى تغطية الأحداث، مثلما حدث مع إيلان جربيل الذى ألقت المخابرات العامة القبض عليه فى أعقاب ثورة 25 يناير، قبل أن يتم مبادلته ب25 سجينا مصريا لدى تل أبيب، خاصة أن تحقيقات النيابة العامة فى قضية إيلان كشفت أن إيلان ادعى دخوله لمصر لمهام صحفية فقط، وهو ما دفع الكثيرين لفتح ملف الصحفيين «الإسرائيليين» المتخصصين فى الشؤون المصرية، ويقومون بتغطية الأحداث من قلب شوارع القاهرة، سواء قبل الثورة أو بعدها، والتى لا تخلو مهامهم من أدوار مريبة تهدف فى الأساس إلى التعرف على توجهات الشارع المصرى ومشاكله التى يعانى منها، مواقفه خاصة تجاه إسرائيل، ويعد من أهم هؤلاء الصحفيين تسيفى برئيل خبير الشؤون العربية بصحيفة هاآرتس الذى عرف عنه متابعة الشأن المصرى عن قرب بل إنه دائما ما يشير فى تقاريره إلى أنه يكتب تقاريره من قلب العاصمة، مع الإشارة إلى صداقته لبعض الشخصيات المصرية. كما بدأ الموساد التواصل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لإمداده بأحدث أجهزة التنصت التى تمكنه من التجسس عن بعد على ما يحدث فى مصر من خلال استخدام الأقمار الصناعية والأساليب الحديثة للتجسس. الموساد أيضاً وضع على مكاتب قيادات وزارة الدفاع الإسرائيلية وكبار المسؤولين فى تل أبيب خططا تضمنت عدة خطوات وخطط تكشفت أجزاء منها خلال الأيام الماضية، فبعد يومين من إعلان مرسى رئيسا لمصر وتحديدا يوم الثلاثاء الماضى قالت صحيفة جيروزاليم بوست إن الجيش الإسرائيلى قرر نشر معدات استخباراتية وتجسس وأنظمة رادار على طول الحدود المصرية، لتكشف وتحذر من أى هجمات صاروخية، مشيرة إلى أن هذا الإجراء جاء وسط تزايد المخاوف من أن جماعات مسلحة فى شبه جزيرة سيناء المصرية قد تشن هجمات صاروخية ضد إسرائيل. وأوضحت الصحيفة أن أنظمة الرادار ستكون مماثلة للأنظمة المنتشرة على طول حدود إسرائيل مع لبنان وقطاع غزة، وتستخدم لكشف محاولة إطلاق صواريخ ضد إسرائيل، وتساعد فى تحديد مسارها، فضلا عن الهدف المقصود، مشيرة إلى أن المعلومات التى يسجلها الرادار سترسل إلى قيادة الجبهة الأمامية المسؤولة عن التنشيط المبكر لأنظمة الإنذار، مثل صفارات الإنذار الجوية، لتنبيه وتحذير المقيمين فى المناطق المستهدفة. وجاءت هذه الخطوة من جانب تل أبيب بعد يومين من نشر الصحيفة نفسها لخبر آخر قالت فيه قرر الجيش الإسرائيلى خفض مستوى التأهب على طول الحدود المصرية وإعادة فتح الطريق رقم 12، وذلك عقب ما يقرب من أسبوع على الهجوم الذى وقع على الحدود المصرية - الإسرائيلية، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلى أعلن أنه سيعيد النظر فى هذا القرار بشكل دورى، وأنه يمكن أن يتغير وفقا لمعلومات استخباراتية أو اعتبارات أخرى، لكن الصحيفة عادت لتقول إن فوز مرسى سيغير من الاعتبارات التى ينظر بها الموساد، وجعلته يدفعون إلى مزيد من التعزيزات الأمنية على «الجبهة المصرية». وهذا المصطلح تحديدا «الجبهة المصرية» عاد ليتردد بقوة فى أروقة وزارة الدفاع الإسرائيلية، التى أصبحت تتعامل مع حدودها مع مصر على أنها جبهة حرب مثلها مثل الجبهة السورية والجبهة اللبنانية مع حزب الله والجبهة الفلسطينية مع قطاع غزة. الخطة الثانية التى وضعها الموساد هو طلبه من وزارة الدفاع الإسرائيلية زيادة ميزانيتها لمواجهة ما أسماه ب«سيناريوهات الرعب» المستقبلية على الحدود مع مصر، وبالفعل استجاب إيهود باراك لطلب لمقترح الموساد وطلب من وزارة المالية زيادة موازنة الجيش الإسرائيلى ب15 مليار شيكل. وقالت صحيفة معاريف إن طلب زيادة ميزانية وزارة الدفاع يرجع إلى تخوف الموساد من استغلال مرسى لقدرة الجيش المصرى ضدهم، واصفة الجيش المصرى بأنه جيش «بمواصفات غربية»، حيث يعتبر أكبر الجيوش العربية فى أفريقيا بل وفى العالم العربى بأكمله، ويعتبر واحدا من أقوى القوى فى المنطقة، حيث يضم وفقا لإحصائية نشرتها معاريف 470 ألف جندى وضابط فى الخدمة النظامية، و480 ألف جندى احتياط، الأمر الذى يجعله الجيش العاشر فى حجمه على مستوى العالم، وفى المقابل فإن الجيش الإسرائيلى ووفقاً لتقارير غربية يضم أقل من 180 ألف جندى فى الخدمة النظامية، و560 ألف جندى فى الاحتياط، وبالتالى فإن القوة العددية ترجح لصالح الجيش المصرى. وأوضحت معاريف أن الجيش المصرى يتمتع بمنظومة أسلحة متطورة مقارنة مع الدول الأخرى، حيث يمتلك 1000 دبابة من طراز «أبرامز» الأمريكية، وسلاح الجو التابع له يمتلك نحو 240 طائرة من نوع «F-16»، و186 من طراز «C» ذات المقعد الواحد، و54 من طراز «D» ذات المقعدين، بالإضافة إلى أن أسطوله البحرى الذى يتكون من نحو 220 سفينة، و8 غواصات جميعها من إنتاج روسيا. التخوف الإسرائيلى الآن يأتى من جهة سيناء، وأكد معهد «بن جوريون» للدراسات الاستراتيجية أن الحلقة الأضعف فى سيناريوهات العلاقات المصرية الإسرائيلية هى شبه جزيرة سيناء التى تفتقد إسرائيل القدرة على التحرك فيها لمواجهة التهديدات المنطلقة منها إلى جانب حالة العمى الاستخبارى المتراكم منذ عقود من الإهمال وتقييد حرية الحركة عسكريا بسبب اتفاق السلام الهش والحساس. ووفقا لتقديرات المحللين والخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين فإن التهديد الأمنى لإسرائيل سيتحول فى شبه جزيرة سيناء من تكتيكى على يد جماعات مسلحة غير منظمة أو منظمة إلى تهديد استراتيجى، رابطة التهديد القادم لها من سيناءبغزة، وقالت دراسة معهد «بن جوريون» إنه على الجانب الآخر من المعادلة الأمنية مع مصر هو قطاع غزة الذى تنفس الصعداء بصعود مرسى إلى سدة الحكم، وجاء فى الدراسة أن القيادة الإسرائيلية بدأت تدرك أن القطاع بدأ يخرج عن سيطرة تل أبيب التى يبدو أنها استسلمت للواقع الذى يقول إن حماس تتسلح وتتعاظم قوتها العسكرية تحت أعينها وهى لا تستطيع أن تحرك ساكنا خوفا من الشقيق الأكبر لحماس بعد مرسى وهى مصر بقيادة مرسى. سياسيا يسود تخوف لدى الموساد من تغيير عدد من القيادات الأمنية رفيعة المستوى فى مصر، حيث مصادر إسرائيلية قالت لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن الموساد يتوقع تعيين رئيس إسلامى التوجه للمخابرات العامة المصرية وإعادة النظر فى اتفاقيات السلام مع تل أبيب، وانهيار الاتفاقيات الاقتصادية وعدم التنسيق الأمنى على الحدود بين الجانبين، مرجحة أن يكون المرشح لهذا المنصب هو الدكتور عصام العريان.