سعيد بن المسيب من كبار التابعين فى المدينةالمنورة، كان كثير العبادة، كان يقوم الليل مصلياً، وابنه الصغير نائم بجواره.. فكان إذا انتبه ابنه من نومه، نظر إلى أبيه وهو قائم يصلى فى ظلمة الليل، والدموع تسيل على خديه خشيةً من الله.. وذات يوم انتظر حتى فرغ الأب من صلاته، فدنا منه وسأله: "يا أبتاه، ما بالك تتعب نفسك هكذا؟ إنك تقوم الليل حتى تتورم قدماك، وتصوم النهار حتى يصفر وجهك؟".. فنظر الأب إلى ابنه وقال له: "يا بني، إنى لأطيل فى صلاتى وأزيد فى عبادتي، رجاء أن يحفظك الله".. ثم تلا قوله تعالى: ﴿...وَكَانَ أَ بُوهُمَا صَالِحًا﴾ نعيش فى زمنٍ كثرت فيه الفتن والشبهات والشهوات، وإن من أعظم ما يشغل بال كل أب وأم، ما نراه ونسمعه من ظاهرة العنف فى سواء في المدارس أو الشوارع، الأمر الذى وصل إلى حد الاعتداءات الوحشية واستخدام الأسلحة البيضاء، بل وأدوات لم نكن نتخيل يوماً أن نراها فى محيط المدارس.. ولعلنا سمعنا جميعاً عن تلك الحادثة المفزعة التى تناقلتها الأخبار مؤخراً، (حادثة طالب الإسماعيلية) – والتي اعتدى فيها طالب على زميله بوحشية وقسوة، فى مشهدٍ يدمى القلب ويثير ألف سؤال وسؤال: "كيف وصل أبناؤنا إلى هذا الحد من الجفاف الروحى وقسوة القلب؟ كيف تحول الصديق إلى عدو، وزميل الدراسة إلى مشروع قاتل؟". هذا العنف ليس وليد لحظته بل هو عَرَض لمرضٍ خطير ونتيجة حتمية لأسباب كثيرة، أهمها: الفراغ الروحي: البعد عن الله، وإهمال الصلاة، وهجر القرآن، وأيضا المؤثرات الخارجية المحمول وما فيه من ألعاب إلكترونية عنيفة، ومشاهد القتل والدماء فى الأفلام وصحبة السوء التى تزين القبيح وتجرّئ على الحرام، وأيضا الغياب الأسرى وهو مربط الفرس، فغياب القدوة، وتفكك الروابط، وانشغال الآباء والأمهات بجمع حطام الدنيا عن بناء الإنسان، فقد انشغل كثير من الآباء بتأمين "المستقبل المادي" لأبنائهم، ونسوا أن "المستقبل الحقيقي" هو فى صلاح دينهم وأخلاقهم.. وهنا تضع لنا قصة عظيمة فى سورة الكهف، الدستور فى حفظ الأبناء حتى بعد الممات. قصة الغلامين اليتيمين اللذين بنى لهما الخضر وموسى عليهما السلام الجدار ليحفظ كنزهما. ما هو سبب هذا الحفظ الإلهي؟ هل هو لصلاحهما؟ لا والله بل لصلاح أبيهما.. قال تعالى وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا *وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا* فَأَرَادَ رَبُّكَ أن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ.. وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا.. لم يقل "وكان أبوهما غنياً"، ولم يقل "كان ذا منصب وجاه"، بل قال "صَالِحًا". صلاح الأب، وتقواه، واستقامته على أمر الله، كانت سبباً فى أن يرسل الله رجلين عظيمن كريمين ليقوما بعملٍ شاق (بناء جدار) لا لشيء إلا لحفظ مال هذين الغلامين. صلاحك أيها الأب وصلاحك أيتها الأم وتقواكم، وتحريكم للحلال، وحفظ الصلاة ، هو رصيد يُحفظ به أولادك فى الدنيا والآخرة.. والأب الذى يطعم أولاده من حرام، كيف يرجو برهم؟ والأم التى تتهاون فى حجابها وصلاتها، كيف ترجو صلاح ابنتها؟ إننا حين نرى هذا العنف، يجب أن نوجه السؤال لأنفسنا أولاً: هل كنا "آباءً صالحين"؟ هل ربيناهم على مراقبة الله؟ هل علمناهم معنى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.. إن كثيراً من هؤلاء الأبناء العنيفين هم ضحايا آباءٍ "غائبين"؛ إما غياباً جسدياً بالانشغال، أو غياباً روحياً بالتقصير.
س.. ما السبيل لنجاة أبنائنا ومجتمعاتنا من هذه المهالك؟ إن العلاج كله، يكمن فى كلمة واحدة، هى وصية الله لنا، وهى مفتاح كل خير، وباب كل نجاة. إنها "تقوى الله". التقوى تنجى من المهالك وتفتح لك الأبواب.. قال تعالى وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ التقوى تمنح البصيرة والفرقان (التمييز بين الحق والباطل): قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ .. التقوى هى الضمان للنجاة من مهالك الدنيا قال تعالى وَيُنَجِّى اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * العلاج - على الآباء والأمهات العودة إلى الصلاح - علموا أبناءكم أن الله يراهم.. ربوهم على "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ".. - راقبوا المدخلات.. اعرفوا من يصاحب ابنكم وماذا يشاهد وماذا يلعب - ادعوا لهم كثيييييييييييييييييييييييييييير.