في زمنٍ يهرول فيه الناس بين الأمس والغد، يضيع اليوم من بين أيديهم كحبات رمل تتسرب في صمت، نحزن على الأمس لأنه كان لنا، ونخاف من الغد لأنه ليس بعد في متناولنا، فننسى أن الحياة لا تُمنح إلا في صيغة المضارع، لا الماضي ولا المستقبل. الأمس صفحة طُويت، كتبتها بخطّ يدك، بأخطائك وصوابك، بأفراحك وانكساراتك، لا تستطيع تمزيقها ولا إعادة كتابتها، لكنها ليست سجناً لتقيم فيه، خذ منها العبرة، ودع الندم يرحل مع آخر سطرٍ فيها. أما الغد، فكتاب لم يُفتح بعد، فلا تفسد بياضه بتوقّعاتك السوداء، عش بين دفتي اللحظة، فهنا فقط تُكتب الحياة بلونها الحقيقي. يخدعنا الزمن، فنظن أن السعادة في الأمس، أو أنها تنتظرنا في الغد، بينما هي تختبئ في قلب اليوم، في ابتسامة عابرة، في كلمة طيبة، في لحظة صمت صادق مع الذات. الحياة لا تعيشها إلا إذا أدركت أن اللحظة الراهنة هي أثمن ما تملك، وأن ما مضى مجرد ظل، وما سيأتي مجرد احتمال. تعلّم أن تبتسم، ليس لأن الحياة خالية من الهموم، بل لأن الابتسامة تحدٍّ صامت ضد كل ما يُريد أن يطفئ بريقك، ابتسم كأنك تقول للغد: "أنا مستعدّ لك"، وللأمس: "شكرًا لما علمتني"، فالابتسامة ليست مجرد انحناءة شفاه، بل انتصار روحٍ لا تزال تؤمن أن في الحياة ما يستحق أن يُعاش. لا تحزن على الأمس، فهو لن يعود، ولا تخف من الغد، فهو لم يأتِ بعد، فقط عش يومك وابتسم، لأن اليوم، هو الهبة التي تهديك إياها الحياة، فلا تردّها بالحزن.