التفكير نعمة، لكنه حين يزداد عن حدّه ينقلب إلى نقمة تسرق منك لحظتك، وتسرقك من نفسك، التفكير الزائد كظلٍّ طويلٍ لشيء صغير، يكبّر الموقف حتى يُخيفك، ويعيدك مرارًا إلى نقطةٍ كنت قد تجاوزتها منذ زمن. تجلس لتفكّر قليلاً، فتمتد الجلسة ساعات، يضيق صدرك، ويتوه منك الفرح بين الأسئلة التي لا تنتهي: ماذا لو؟ ولماذا حدث؟ وماذا سيحدث؟ كأنك تسجن نفسك في زنزانةٍ من الاحتمالات. هون على نفسك، فالحياة ليست امتحانًا دائمًا، ولا كل خطوة تحتاج إلى تحليلٍ وتشريح، بعض الأمور خُلقت لتُعاش، لا لتُفهم، وبعض الهموم لا تُحل بالعقل، بل تُسكن بالدعاء. فوض أمرك إلى الله، وأغلق صفحة اليوم حين ينتهي، لا تعُد إلى قراءة تفاصيلها ألف مرة، فالله لا يطلب منك أن تفهم كل ما يجري، بل أن تثق أن ما يجري لحكمة، وأن كل تأخير يحمل توقيتًا لا يراه إلا من كتب الأقدار. التفكير الزائد يسرق منك الحياة كما يسرق البحر الرمال من الشاطئ، شيئًا فشيئًا حتى تجد نفسك خالي اليدين، يسرق ضحكتك لأنك تفكّر قبل أن تضحك، ويسرق سعادتك لأنك تراجع الفرح قبل أن تسمح له بالدخول. دع قلبك يتنفس، ودع روحك ترتاح، ليست كل المعارك تحتاج إلى مقاتل، أحيانًا يكفي أن تتركها لله. تعلم أن تُنصت لصوت الطمأنينة داخلك، لا لصوت الضجيج في رأسك، عش اللحظة كما هي، ببساطتها ونقصها، فربّ يومٍ ناقصٍ في نظرك، هو عند الله تمامك المنتظر. تذكّر دائمًا: الله لا يضيع من فوّضه، ولا يخذل من هدأ بين يديه، ففوض أمرك، وابتسم، وقل لنفسك: سأفكر بما يكفي، لا أكثر.