دعوتنا الصريحة في هذا المقام الجلل، تكمن في ضرورة تحري الدقة في اختيار شريك الحياة؛ حيث تُعدّ المعرفة الصحيحة المحدِّدَ لشخصية رفيق الدرب، ولا بأس من أن يمتزج ذلك بالإحساس الراقي، الممتزج بخفقات القلب مع إدراك العقل المشكِّلانِ لماهية المسؤولية، ونربأ من مسار الاعتماد على صورة الانفعال اللحظي، الذي قد يدفعنا لسرعة القرار بعيدًا عن توظيف البصيرة، وهنا يعتمد الوفاق على فلسفة الإعجاب أو الانجذاب فقط؛ ومن ثم يشغل الانبهار المساحة الكبرى تجاه ما نراه من سلوك ظاهري ملاحظ من كليهما؛ فالجوهر المفرز لممارسات نشاهدها في سياجها الطبيعي يعول عليه في الأحكام؛ لأنه مؤشر صادق لدلالة الاتجاهاتِ والاتصافاتِ القيمية الحقيقية. في هذا السياق، نود التأكيد على أن الاختيار الزواجي ليس بالأمر البسيط، ولا يعتمد على إدراكٍ دون عاطفةٍ والعكس، وهنا لا مناصَ من تريثٍ؛ بغية إجراء دراسة مستفيضة، توضح لنا الملامح الجوهرية لشريك المسيرة؛ فنتعرف على ما يحوز من قيم، وما يمتلك من مقومات تساعده على أن يتحمل ضغوط الحياة المتتالية، وما توجهاته المستقبلية المحددة لإطار صورة المستقبل المشرق، والآليات الدالة على فلسفة التوافق والتكيف، عند المرور بتحديات، وصعوبات، ومشكلات، قد تفتح أبوابها دون سابق إنذار، نود صراحة أن تصبح اختياراتنا تتسم بالنضج، ولا تقوم على هشاشة نرصدها في التسرع؛ فشتان بين بناء أسرة بنيت على القوامة، الناتجة عن الاحترام المتبادل، وماهية الشراكة الحقيقية، وأخرى أسست على عجل؛ فأضحت الاضطرابات متنامية، كلما طالتها مجريات الأحداث ذات المفردات والتفاصيل الضاغطة. الواقع يكشف لنا الكثير عبر ما يثار من مشكلات الاختيار الزواجي؛ إذ يؤكد على أن ما يبنى على العاطفة، بعيدًا عن المتغير الأصيل، الذي يتمثل في المعرفة المتكاملة لشخصية الطرفين، ينتج عنها آثارٌ تشير إلى صعوبة الاستقرار، وضعف مستويات الرضا، وتفاقمِ الأزمات، وفي المقابل ما بنى على معيارية الاستنارة وإزالة الغبن، يؤدي بالضرورة إلى تفاهمٍ يزيل الخلافات، وتحقق منشود الطمأنينة، الدافعة للتقدم والازدهار الأسري، نشير إلى رغبتنا تجاه تجنب التسرع؛ كي لا نحصد الخذلان، ونجني الندم، جراء ارتباط قام على وهج الاشتعال المؤقت، ونثمن مبدأ من يتحرى توافر مقومات نجاح العلاقة الأسرية في مستقبلها، وهنا ننادي بأهمية امتداد الاستقرار العاطفي عند الاختيار؛ حيث التعقل الذي ينبري على الشعور والإحساس ببراهين الأمانِ وصورِ المودة المنشودة. نضج الاختيار دومًا يعتمد على صناعة واتخاذ قرار مصيري، يؤسَّس على ثوابت، وفق مؤشرات واضحة، تقوم على ممارسات وأداءات يمكن رصدها على المدى القصير أو الطويل، وهذا يفتح أمامنا بابًا نصل من خلاله لتقييم صادق؛ حيث استكشاف ما يمتلكه كل طرف من مهارات تتكامل مع الآخر؛ فهناك من نصفه بالمتسرع، وآخر نسمه بالمتروي، وهناك من لديه دراية بحل المشكلات بأسلوب الحكمة ووفق خطوات نصفها بالقويمة، وآخر يعجز عن تقديم أطروحات للحل من الأساسِ، وهناك من يتفرد بمقدرة التواصل الفعال، وآخر لا يدرك ماهيته؛ لذا تعالوا بنا نراجع ما نحن عليه دونَ تذمّرٍ، ونحاول أن نصحح مسار الاختيار، ونخرج بفكرة رئيسة فحواها، أن المظهر لا يغني عن الجوهر، وأن الإعجاب لا يفقدنا القيم الأصيلة، التي يدوم أثرها، وتنضج ثمرتها، وأن القرار السريع، لا ينتج فلسفة التناغم والتعايش، في ثياب الاستقرار والطمأنينة. دعونا لا نستصعب التمسك بقائمة الأولويات عند الاختيار، وأن نتجنب التنازل عنها في سبيل إرضاء الآخر، وأن نحاول مرارًا وتكرارًا العمل على اختبار الشريك بأفكار، تخلق مواقف تبرهن عن صورة الاتساق ما بين الفعل والقول، وأن نرسم سيناريوهات رشيدة لتوقع شكل المستقبل القريب والبعيد؛ لنرى مدى التوجه في سياقه الإيجابي أو السلبي، وأن نعتمد على التفاصيل بعيدًا عن سر الانطباع الأولي.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.