لم يعد الوحش يطرق أبوابنا ليدخل، بل صار يتسلل بهدوء من الشاشات الصغيرة، يندس بين أيدي أطفالنا في صورة لعبة، يتحول فيها البطل إلى قاتل، واللعب إلى جريمة. ما أقوله ليس خيالًا من رواية مظلمة، ولا مشهدًا من فيلم رعب، بل واقع مؤلم تؤكده صفحات الحوادث كل يوم. طفل في الإسماعيلية يغرز سكينًا في جسد زميله، لا لشيء سوى أنه أراد أن يقلد بطله الإلكتروني، ذاك الذي لا يعرف الرحمة، ولا يفرق بين الافتراضي والحقيقي. إنها ألعاب إلكترونية لم تعد مجرد وسيلة للتسلية، بل تحوّلت إلى أرض خصبة لزراعة العنف، وتغذية الغضب، وتكريس العزلة والانفصال عن الواقع. ألعاب تسرق براءة الأطفال تحت لافتة "الترفيه"، ثم تعيدهم إلينا وهم يحملون سلوكيات لا نعرفها، وغضبًا لا نفهم مصدره، ونزعات عدوانية تنفجر في لحظة، دون مقدمات. وللأسف، كثير من الأسر فتحت الأبواب لهذا الخطر بيدها، حين تركت أطفالها لساعات طويلة في حضن الإنترنت، دون رقابة أو حوار أو حتى اهتمام، انشغل الكبار بجمع المال، وبالسهرات والمجاملات، بينما كان الأبناء يضيعون في متاهات الألعاب، يتعلمون القتال بدل الرحمة، والعزلة بدل الحوار. ليست التكنولوجيا هي العدو، بل غياب الرقابة، وتراجع دور الأسرة في التربية، فلا تتركوا أبناءكم فريسة للأجهزة، فالعقول الغضة تمتص ما تراه وتعيد إنتاجه على أرض الواقع. الأبناء لا يُعوّضون، ومهما بلغت الأموال لن تساوي لحظة ندم على ضياع ابن أو انحراف سلوك، عودوا لأبنائكم، استمعوا لهم، راقبوا ما يشاهدون ويلعبون، وكونوا شركاء في عالمهم، لا غرباء عنه. فالأطفال هم الثروة الحقيقية، والأمانة الأكبر، فلا تسلموها للغول الإلكتروني، حتى لا نستيقظ ذات يوم على عنوان في صفحة الحوادث: "لعبة تحوّلت إلى جريمة.. والطفل إلى قاتل".