خلال سنوات تصاعدت العلاقات المصرية الأوروبية، وقامت جسور الثقة بين الطرفين، خاصة أن مصر تثبت طوال سنوات قدرتها على بناء سياسة متوازنة تتفاعل وتتقاطع مع كل دوائر التأثير والنفوذ فى العالم، بجانب رؤيتها لإصلاح النظام العالمى، وبناء سياسات تقوم على مسارات السياسة وتوقف الصراعات، وبالتالى فإن مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال القمة المصرية الأوروبية الأولى، هى نتاج جهود مستمرة على مدى سنوات، وسياسة مصرية تقوم على الشراكة والتعاون، وتتويج للشراكة الاستراتيجية الشاملة التى تم إطلاقها رسميا فى القاهرة مارس 2024، بجانب ارتفاع الثقة الدولية والإقليمية فى الدولة المصرية، نتيجة سياسة تتعامل مع كل دوائر التأثير والسياسة فى العالم كله. وتمثل قمة بروكسل فرصة لبناء وتقوية العلاقات المصرية الأوروبية، فى وقت يشهد فيه العالم تحولات كبرى، ومساعى لإعادة بناء النظام العالمى بشكل يعالج الخلل الواضح فى بنيانه. تتضمن القمة ملفات تتعلق بالعلاقات التجارية والاقتصادية، وأيضا الملفات الإقليمية والدولية وعلى رأسها تثبيت وقف إطلاق النار فى غزة، وإعادة الإعمار والتعافى ومسارات السلام، بجانب ملفات الهجرة غير الشرعية وقضايا الأمن والمياه، وهى فرصة لإعادة صياغة العلاقة على أسس جديدة أقوى، فى ظل تحولات إقليمية ودولية، أنتجتها الحرب فى غزة، والصراعات الدولية. تشهد أعمال الوفد المصرى فى بروكسل سلسلة من اللقاءات المهمة مع كبار مسؤولى الاتحاد الأوروبى، وعدد من القادة الأوروبيين، بما يسهم فى ترسيخ أطر التعاون والتنسيق السياسى مع الجانب الأوروبى، وعقد منتدى اقتصادى موسع بمشاركة كبريات الشركات الأوروبية يعكس اتجاه مصر والرئيس السيسى إلى فتح آفاق جديدة للاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة، ويشكل نقطة جذب رئيسية، وسعى مصر لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز النمو الاقتصادى، بجانب أنه يعكس اهتمام أوروبا بالسوق والفرص المصرية، ما يجعل القمة نتاج عمل مستمر، وسياسات مصرية متوازنة على مدى سنوات، وتشمل القمة مناقشة وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى، سواء فيما يتعلق بالطاقة أو الصناعة والتعاون المشترك وأيضا رفع معدلات التبادل التجارى بين الطرفين، خاصة أن مصر تمثل جسرا بين الاتحاد الأوروبى وأفريقيا، والعكس، ما يجعلها طرفا فاعلا فى التعاون والشركة. ورغم أن العلاقات المصرية الأوروبية مستمرة ومتصاعدة خلال عقود، فإن السنوات الأخيرة شهدت المزيد من الخطوات نحو تمتين وتقوية العلاقات، على المستوى الاقتصادى والتجارى، وأيضا على المستوى السياسى والدبلوماسى خاصة بعد الدور الحيوى القوى الذى تقوم به مصر لإحلال السلام ومواجهة التداعيات الإقليمية بحلول وخطوات تسعى لامتصاص التوترات وبناء شراكات سياسية تحافظ على النظام الدولى من الانفلات. وبالطبع بجانب العلاقات والشراكات الاقتصادية والتجارية بين مصر والاتحاد الأوروبى، فإن القضايا الإقليمية تشغل مساحة من القمة، خاصة بعد وقف الحرب على غزة، ومسارات الإعمار والتعافى، وقد حملت مصر المسؤولية فى هذا الاتجاه، وخلال قمة القاهرة الطارئة قدمت مصر خطة إعادة الإعمار والتعافى فى وجود سكان غزة، بعد نجاحها فى وقف مخططات التهجير، وكانت الجهود المصرية لعبت دورا فى تعديل وجهات النظر الرسمية الأوروبية تجاه الحرب، وساهمت فى دعم اتجاه وقف الحرب، وتبنى الخطة المصرية لإعادة الإعمار والتعافى فى غزة، حيث تحرص مصر على حشد الدعم الأوروبى للإعمار، فى المؤتمر الضخم الذى تستضيفه مصر فى نوفمبر المقبل، وحصلت على دعم فعلى من دول كبرى خلال قمة شرم الشيخ الناجحة التى أكدت دورا مصريا بلا بديل، وبالتالى فإن الوجود المصرى يضاعف من تأكيد الدعم الأوروبى للقمة. وخلال استقباله ل«كايا كالاس»، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، بمقر إقامته فى العاصمة البلجيكية بروكسل، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن الأوضاع فى الشرق الأوسط تشهد اضطرابا، وأن مصر تلتزم بسياسة متزنة وحكيمة تهدف إلى ترسيخ الأمن والاستقرار، بعيدا عن المصالح الضيقة، حيث أثبتت السنوات العشر الماضية نجاح النهج المصرى، موضحا أن أوروبا لم تتأثر بشكل كبير بتداعيات الهجرة غير الشرعية، بفضل الجهود المصرية فى هذا المجال، وعلى رأسها منع خروج قوارب الهجرة غير الشرعية منذ سبتمبر 2016، فى وقت تستضيف فيه مصر نحو عشرة ملايين أجنبى نزحوا إليها من دول تعانى من الأزمات وعدم الاستقرار، مشددا على أن تحقيق الاستقرار فى تلك الدول هو السبيل الأمثل للحد من هذه الظاهرة. وأشار الرئيس السيسى إلى الدور المصرى فى التوصل إلى اتفاق شرم الشيخ لإنهاء الحرب فى قطاع غزة، بالتعاون مع الوسطاء، معربا عن تطلع مصر إلى تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبى لتنفيذ الاتفاق وخطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مع التأكيد على أهمية تثبيت وقف إطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية بشكل منتظم، وبدء عملية إعادة إعمار القطاع، مشيرا إلى المؤتمر الذى تعتزم مصر استضافته فى نوفمبر 2025 بشأن إعادة الإعمار والتعافى. «كالاس» أشادت بالدور الحيوى الذى قامت به مصر فى وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار، ليس فقط فى غزة، بل أيضا فى السودان وغيره من الدول التى تشهد أزمات، وقالت إن الاتحاد الأوروبى يتطلع إلى المشاركة الفاعلة فى تنفيذ خطة الرئيس ترامب، واستعداد الاتحاد الأوروبى لدعم جهود إعادة إعمار غزة. وفيما يتعلق بملف الهجرة غير الشرعية، أعربت «كالاس» عن تقدير الاتحاد الأوروبى الكبير للجهود المصرية الجوهرية فى هذا المجال، مؤكدة أن موقف الاتحاد يرتكز على دعم الاستقرار والتنمية فى الدول المصدرة للهجرة، وبجانب هذا تفرض ملفات المياه والأمن نفسها على القمة المهمة.