عندما نتمكن من دمج الأطر المعرفية ومجموع الخبرات المنبثقة منها بين تخصصين أو أكثر؛ فإن هذا يخلق لنا صورة لبرامج جديدة تسمى بالبينية، وهذا بالطبع يقوم على فكرة رئيسة، تتمثل في فاعليتها تجاه تناول ومعالجة قضايا متشابكة، أو معقدة، بغرض تقديم علاجات شاملة في مكونها، وهنا نبحث عن ماهية التكامل، التي تفتح لنا الفهم الشمولي لكل ما نتناوله في مجال ما أو عدة مجالات، بما يؤدي إلى فتح آفاق التطوير ليس فقط بتخصص بعينه، بل، قد يشمل مزيدًا من التخصصات النوعية. ماهية البرامج البينية تشير إلى أنها تأخذ سمة التكامل بين الأطروحات، أو المجالات التي تتناولها؛ ومن ثمّ تُصبح هناك ما يُسمّى بوحدة المعرفة، التي تعمق الفهم وتزيد من الرؤى حول القضايا المعنية بها؛ بالإضافة إلى أن التطبيق أحد خصائصها الرئيسة، التي يتم الاستفادة منها، وهذا منظور وممارسة أضحت تتفاعل معه مساقات تطوير المناهج التعليمية عبر ما تقدمه من برامج بينية، تحدث أثرًا مرغوب فيه على الدوام. الحق أن البرامج البينية في سياقها تتصف بالمرونة في بناء المحتوى المعرفي والخبراتي الخاص بها؛ حيث يتم العمل على تطويرها وفق احتياجات ومطالب سوق العمل والمجتمع على السواء؛ ومن ثم تعد بوابة للابتكار في شتى المجالات؛ إذ تستجيب لتدفقات التفكير المنتج من قبل من يمتلكون المهارة المتفردة بغض النظر عن المستوى الأكاديمي أو المهني، وبناءً عليه تعد برامج منفتحة على كافة التحولات المستحدثة، التي تخدم الإنسانية قاطبة، بما أدى إلى زيادة الاهتمام بها على المستوى العالمي. البرامج البينية لا تربطنا فقط باحتياجات ومتطلبات واقعنا المعاش؛ لكن توجد لنا مسارات خصبة للبحث والمعرفة المتجددة، التي يتم توظيفها بمهنية لصالح البشرية في شتى مجالات الحياة المعيشية والعملية، كما يستلهم منها توصيفًا قيمًا لكفايات نصفها بالمعقدة، والتي نستطيع من خلالها التغلب على القضايا الشائكة، وما يتمخض عنها من مشكلات مركبة، وهنا نعمل بكل ثقة وأَرِيَحِيَّة على إزالة الحواجز بين التخصصات الأكاديمية والمهنية على السواء، ونعظم من صورة الخبرة المتنوعة في مناهجنا التعليمية؛ ومن ثم تصبح التقنية جزءًا رئيسًا منها دون مواربة. أجمل ما في البرامج التعليمية، أو التدريبية، أو التأهيلية، أن تستطيع الربط بين النظرية والتطبيق، بما يحدث النتيجة المنشودة، ويزيد من شغف حب الاستطلاع، لدى من يثابر من أجل اكتساب خبرات جديدة، كما يسهم ذلك في تنمية مهارات التفكير العليا لديه؛ ومن ثم يتفاعل مع الآخرين في إطار تبادل الخبرات وتعميقها، وهنا يستوعب فلسفة التنمية التي تقوم على سياج العلم، ويحد من العثرات أو الفجوات بين التخصصات الأكاديمية، وفي خضم ذلك أعتقد أن تطوير المناهج التعليمية يجب ألا ينفك عن هذه الخصائص في أعمدة بنائها. يتوجب علينا أن ندرك تشابك أبعاد التطوير، الذي يصاحبه نتاج العلم، ومخرجات التقنية، والطبيعة البشرية، التي تنهل من تعاطيهما؛ حيث نرى في البرامج البينية المنظور المتكامل الذي يجمع بين التخصصية وثمارها والمعرفية ومنطقية اندماجها، بما يمكننا أن ننطلق لطرائق تفتح لنا أبواب التجديد بكل مساراته الممكنة؛ فنستطيع أن نحد من الفجوة بين ما نكتسبه من خبرات، وما نحتاجه من تنمية، لا تضير بهويتنا وقوميتنا، ولا تؤثر على طبيعتنا الإنسانية؛ فنجمع ما بين منظومة القيم النبيلة، وما يحققه العلم من أهداف في سائر المجالات؛ ليصبح أداة رفاهية، وليس معول للهدم. رغم قوة المسعى تجاه الربط بين الجانب الأكاديمي والميداني، الذى نهتم به في إطار تطوير مناهجنا التعليمية؛ إلا أن هنالك غاية لا ينبغي تغافلها جراء العناية والتركيز على البرامج البينية؛ ألا وهي تجديد الفكر التربوي في أذهان من يقوم على التربية، ومن يحاول تعديل السلوك بدرجاته المختلفة، وهذا يحثنا على أن نصوغ أنشطة تعليمية ثرية تحقق المعادلة التي نتوافق عليها؛ حيث يصب التفكير في تنمية مقدرة المتعلم على حل المشكلات، والانغماس في عمل تشاركي، يزيد من قوة نتاج العقل الجمعي؛ لنعزز آليات التواصل الفعال بين الجميع.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.