تعٌد حرب أكتوبر معجزة في العلوم العسكرية ، لقنت الجميع دروسًا وأرست مبدأ السلام الذي تفرزه الحرب والذي أجبر عليه العدو بالقوة ، ولكن ذلك الانتصار لا يزال يشغل الكثير من الأجيال التي لم تعاصره الحرب ولم تعش الأجواء ، فحرب أكتوبر لم تحقق النجاح والانتصار على الصعيد الإقليمي والعالمي فقط ، ولم تغير من مقدرات العرب فحسب أو تعطيهم الثقل اللازم ، بل تلك الحرب خلقت حالة في الداخل لم تتكرر، وهي سر من أسرار الانتصار ، ألا وهو توحيد الصفوف ، ليس بين أبناء الجيش الواحد فقط ولكن صفوف الشعب ، المسيحي والمسلم ؛ السيناوى والنوبي ؛ مزيج من مختلف أطياف الشعب على اختلاف ثقافاتهم وخلفياتهم . فبدون الشفرة النوبية لما نجحت شفرة الاتصالات في الوصول إلى تلك السرية وصعوبة فك الشفرة من قبل العدو ، وبدون دور القبائل السيناوية لكانت سيناء مثل الأحجية التي لا حل لها . ففكرة الشفرة النوبية هي فكرة المجند احمد إدريس وهو الذي اقترح على القيادات فكرة استخدام اللغة النوبية ، وهي لغة محلية صعبة على غير أهلها وهى لغة ليست مكتوبة ولا يوجد قواميس أو مراجع منشورة عنها مما أدى إلى تضليل العدو وفشل في فكها وترجمتها ، فمثلا كانت أوشريا تعنى اضرب ، وساع آوي تعنى الساعة الثانية . أيضًا مدينة الصمود، بورسعيد والتي كانت رمزًا للصمود حتى أن الجيش المصري تعاون مع أبطال المقاومة الشعبية واستمر ذلك التقليد حتى 1973 ولا يمكن أن ننسى أن نساء بورسعيد كانوا يشاركون في إعداد الطعام والملابس للجنود مدينة المقاومة الشعبية؛ السويس ، والمشهور بمعركة 24 أكتوبر ، فبعد وقف إطلاق النار حاولت القوات الإسرائيلية احتلال مدينة السويس ولكن أهلها تصدوا وانتهت المحاولة بخسارة العدو خسارة فادحة فقالوا عنها أنها المدينة التي لم تسقط . أمّا عن أهالي سيناء فدورهم كان كبيرًا جدًا ، منذ هزيمة 1967 حتى النصر في 1973 ، والقبائل السيناوية الذين يعلموا جيدًا جغرافية المكان وقدرتهم على التحرك والتخفي حتى أطلق عليهم موشيه ديان لقب " الأشباح" من كثرة ضرباتهم الموجعة للعدو ، فلم يكن هناك أقمار صناعية ولكن كانوا هم الأعين الثاقبة ، فإسرائيل كانت تنتوى فصل سيناء عن مصر لإسقاط حق القاهرة في المطالبة بأرضها ولكن مشايخ سيناء أمام كاميرات العالم أجمع رفضوا ذلك وأفسدوا المخطط وكأن سيناء على مدار العقود والسنوات مطمعا للجميع . وعلى ما يبدو أن هذه هي جينات الشعب المصري وأن الوحدة والبسالة وقدرته على التناغم مع بعضه البعض في نسيج واحد باختلاف الثقافات الداخلية ، هي من صميم الجينوم المصري وهو أحد أسرار النجاح والانتصار . فالجبهة الداخلية الموحدة القوية ليست من أسرار انتصار أكتوبر فقط بل هي سر الانتصار أمام كافة التحديات في كل الأوقات