أطلقت الحكومة المصرية «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية.. السياسات الداعمة للنمو والتشغيل»، وأعلنت عنها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في فعالية موسعة بحضور رئيس مجلس الوزراء، والوزراء وكبار المسؤولين وغيرهم، والحقيقة أن هذه السردية بعد الاطلاع على أهدافها ومحاورها فإنها خطوة إيجابية من الحكومة تؤكد أنها بدأت تنتهج سياسة التخطيط على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وتعمل بناء على رؤية واضحة وشاملة تنطلق منها لمعالجة الأزمات والتحديات الاقتصادية، وتضع الرؤى والحلول اللازمة لحل المشكلات. وفقا لوزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية فإن وضع السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، جاء انطلاقًًا من توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستنادًًا إلى أحكام قانون التخطيط العام للدولة رقم 18 لسنة 2022، وقانون المالية العامة الموحد رقم 6 لسنة 2022، اللذين يُعتبرا المرجعية لإعداد «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»، من خلال موادهما التي نصت على أن تقوم الوزارة المختصة بشئون التخطيط بتحديد الأهداف الاستراتيجية للدولة بجميع قطاعاتها لسنة الموازنة والإطار الموازني متوسط المدى، مع تحديد أولويات تنفيذ تلك الأهداف، ورسم المنظومة المتكاملة للتخطيط التنموي وتحديد الرؤية والاستراتيجيات ذات الصلة ومتابعة تنفيذها على المستويات القومية والإقليمية والقطاعية، وربطها بسياسات الاقتصاد الكلي، والتزام كل وزارة وجهة بالتنسيق مع الوزارة المختصة بشئون التخطيط بإعداد وتحديد مؤشرات أداء المخرجات ونتائج تنفيذ البرامج الرئيسية والفرعية والأنشطة والمشروعات. بالتالي السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية تستهدف رسم سياسات عامة ووضع برامج ورؤى وربطها بمؤشرات الأداء ونتائج التنفيذ، وما يميزها أنها إطار شامل يُحقق التكامل بين برنامج عمل الحكومة ورؤية مصر 2030 في ضوء المتغيرات المتسارعة الإقليمية والدولية، ولذلك تأتي أهميتها في وضع تصورات للخروج من تداعيات الأزمات والتحديات الاقتصادية التي تواجهها الدولة في ضوء المتغيرات المتسارعة التي فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية، بهدف استمرار مسار الإصلاح الاقتصادي، والتوجه بشكل أكبر إلى القطاعات الأعلى إنتاجية، والأكثر قدرة على النفاذ للأسواق التصديرية، مستفيدة مما تم إنجازه من بنية تحتية متطورة تمثل قاعدة داعمة للتصنيع والاستثمار، وإعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد، بما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري ويحفز مشاركة القطاع الخاص. وتأتي أهمية السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية في ضوء أنها تستند إلى البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية من خلال السياسات الداعمة للنمو والتشغيل متضمنة في محاوره الثلاثة: تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، زيادة قدرة التنافسية الاقتصادية وتحسين بيئة الأعمال، ودعم الانتقال الأخضر، كما أن السردية تشمل الاستراتيجيات الخاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر، والتنمية الصناعية، والتجارة الخارجية، والتشغيل بما يعزز كفاءة ومرونة سوق العمل، مع التركيز على القطاعات ذات الأولوية، منها الصناعة التحويلية والسياحة، والزراعة، والطاقة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ويأتي هذا مع طرح السياسات. ومن هذا المنطلق أرى أن إطلاق السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، خطوة تعزز جهود الدولة لتعزيز ودعم وترسيخ الاستقرار الاقتصادي واستكمال مسار الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز الإنتاج المحلي وتوطين الصناعة ودعم القطاعات الإنتاجية والمشروعات كثيفة العمالة لتعزيز سياسات التشغيل، فالحكومة المصرية اتخذت إجراءات متتالية لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي منذ مارس 2024، وقد أسهمت هذه الإجراءات في ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي، وتحقيق تطور في المؤشرات على صعيد النمو، والموازنة العامة للدولة، والسياستين النقدية والمالية، وتحسن مؤشرات النمو الاقتصادي المصري. والدولة المصرية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، تدرك أهمية وضرورة وضع برنامج إصلاح اقتصادي يُحقق التكامل بين برنامج الحكومة والرؤى والاستراتيجيات القطاعية، ورؤية مصر 2030، لذلك جاء إطلاق «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية»، التي تُترجم أولويات الإصلاح الهيكلي إلى مجموعة متسقة من المستهدفات الكمية والقابلة للقياس. كما أن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية تعد بمثابة خطة واستراتيجية شاملة وطموحة، حيث تستهدف تحقيق 7% معدل نمو اقتصادي بحلول 2030 وزيادة الاستثمارات الكلية لتسجل 18% من الناتج المحلي الإجمالي، ومراعاة البعد البيئي وزيادة نسبة المشروعات الخضراء إلى 70 - 75 % من الاستثمارات العامة بحلول 2030 مقابل 50% في العام المالي الجاري، وتُعظم الاستفادة من مقومات الاقتصاد المصري لزيادة الإنتاجية والصادرات والتحول نحو القطاعات الأعلى إنتاجية. وتبرز السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية أهمية التخطيط لتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة التحويلية، والتكنولوجيا، والسياحة، لما لها من دور في خلق فرص عمل وتحسين التنافسية، ودمج التكنولوجيا في مختلف الأنشطة الاقتصادية لرفع الإنتاجية وخفض التكاليف، ودعم الابتكار والبحث والتطوير كمحرك للنمو طويل الأمد ووسيلة لإنتاج حلول محلية ذات قيمة مضافة. الأمر المهم في السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية تركيزها على تشجيع وتعزيز مشاركة وتمكين القطاع الخاص في تحقيق التنمية، لتؤكد أن القطاع الخاص سيقود التنمية الاقتصادية في مصر وبقوة خلال الفترة القادمة، لذلك تستهدف السردية زيادة نسبة الاستثمارات الخاصة إلى الاستثمارات الكلية إلى 66% في 2030 مقابل 60% في خطة العام المالي الجاري، وزيادة نسبة الاستثمارات الخاصة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 11.9% مقابل 9.1% في خطة العام المالي الجاري، فضلًا عن رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 82% بحلول عام 2030، وهو ما سيساهم في تعزيز قوة وصلابة وتنافسية الاقتصاد المصري وقدرته على امتصاص الصدمات الاقتصادية ومواجهة التحديات، فضلاً عن تعظيم موارد الدولة وتعزيز الإنتاج، حيث أيضاً تستهدف السردية زيادة عدد الوظائف التي يولدها الاقتصاد سنويًا من 900 ألف وظيفة متوقعة في خطة العام المالي الجاري، إلى 1.5 مليون وظيفة في عام 2030، مما يساهم في زيادة معدلات التشغيل والحد من البطالة. أيضاً من أهم المستهدفات التي ذكرها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء في فعالية إطلاق السردية، هى أن الحكومة تستهدف خلال الفترة القادمة النزول بمعدلات الدين إلى أقل رقم شهدته مصر على مدار تاريخها، وهى رسائل إيجابية تؤكد الثقة في الاقتصاد الوطني وأن الدولة المصرية تسير اقتصاديا على الطريق الصحيح بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. هذه السردية الوطنية ترتب أولويات الدولة المصرية في التنمية الاقتصادية؛ واستغلال جهود الدولة والإنجازات التي تحققت خلال السنوات الأخيرة خاصة في تطوير وتأهيل البنية التحتية والأساسية ومشروعات قومية وتنموية وشبكة الطرق والمرافق الهائلة، وتوفير كل مقومات جذب الاستثمارات، لتكون الدولة المصرية قادرة على تركيز أولوياتها في الفترة القادمة على القطاعات القابلة للتداول التي تخلق القيمة المُضافة الأعلى، كالصناعة والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والابتكار، ثم الصناعات شديدة التعقيد وشديدة النمو، وخلق مناخ أكثر تحفيزاً للاستثمار والقطاع الخاص. الأهم حاليا هو أن يتم إجراء حوار مجتمعي موسع حول السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، يشمل جميع المهتمين والمختصين والخبراء المتخصصين وأن تطرح على الجميع ليتم التعريف بها وبمحاورها وأهدافها وركائزها، وأن مناقشة بنودها بشكل موسع للخروج بصيغة نهائية تحظى بتوافق الجميع، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون هناك برنامج زمنى لتنفيذ برامج ومحاور ومستهدفات السردية الوطنية، وقياس مؤشرات الأداء.