الداخلية تشارك المواطنين الاحتفال باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة| فيديو    ميناء دمياط يعلن استقبال ومغادرة 22 سفينة خلال 24 ساعة    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    كيف تدعم الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية الاقتصاد والمواطن؟    الكرملين: إن لم نحقق أهدافنا بالطرق السلمية سنواصل عمليتنا العسكرية في أوكرانيا    غزة تنتظر الدخول فى المرحلة الثانية من اتفاق إنهاء الحرب.. الرئيس الأمريكى يسعى لإعلان المرحلة قبل أعياد الميلاد.. وإسرائيل تقر ميزانية 2026 وتخصص أموالا ضخمة لجيش الاحتلال لنهب واحتلال الأرضى فى الضفة الغربية    بعد مقتل ياسر أبو شباب.. المقاومة تمهل المتعاونين مع الاحتلال 10 أيام    رويترز: بشار الأسد تقبل العيش في المنفى.. والعائلة تنشئ جيشا من العلويين    كأس العرب| تشكيل مباراة عمان والمغرب    الزمالك يترقب قرار اتحاد الكرة بشأن قضية زيزو.. واللاعب يجهز للتصعيد    حلمي طولان: تصريحي عن الكويت فُهم خطأ وجاهزون لمواجهة الإمارات    حالة الطقس.. تغيرات مفاجئة فى درجات الحرارة وانخفاض يصل 4 درجات    تموين المنوفية تضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة وتحرر 231 محضرًا خلال يومين    الأحد.. بيت الشعر العربي يستضيف شعراء السويس    السقا ولقاء الخميسى وعمرو مصطفى والشرنوبى يحضرون مسرحية أم كلثوم    ميادة الحناوي ترد على استخدام AI لتحسين صوتها: مش محتاجة    رمضان 2026| جهاد حسام الدين تنضم لمسلسل عمرو سعد "عباس الريس"    الصحة: فحص 7 ملايين طالب بمبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    سام ألاردايس: انتقاد كاراجر ل صلاح «مثير للشفقة»    لجنة المسئولية الطبية وسلامة المريض تعقد ثاني اجتماعاتها وتتخذ عدة قرارات    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    اتهامات جديدة لوالد المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية    اختيار مشروع جامعة عين شمس ضمن مبادرة "تحالف وتنمية" لتعزيز الأمن الغذائي وتوطين الصناعة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    لاعب الإمارات: مصر تنتج لاعبين وأساطير على مستوى عال وهذا ليس غريبا    الصين وفرنسا تؤكدان على «حل الدولتين» وتدينان الانتهاكات في فلسطين    سورة الكهف نور الجمعة ودرع الإيمان وحصن القلوب من الفتن    إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية عبر البريد المصري    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه غرب الإسكندرية بسبب تجديد خط رئيسى    وزارة العمل تقدم وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    «الداخلية» تواصل حملاتها لضبط الأسواق والتصدى لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    «البريد» يكشف تفاصيل إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    منافس مصر.. الإمارات أغلى منتخبات بطولة كأس العرب 2025    وسام أبو علي: نسعى للفوز على سوريا وسأبقى مع فلسطين حتى النهاية    نجل البرغوثي يكشف تعرض والده لكسور بالضلوع وقطع بالأذن في سجون الاحتلال    الفيلم اللبناني Suspension بمهرجان القاهرة للفيلم القصير بعرضه العالمي الأول    طليق بوسي تريند البشعة: لم أشارك في أي جلسات لإثبات براءتها    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية فى سمالوط بالمنيا    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    رئيس جامعة القاهرة: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المولد النبوي الشريف.. وهندسة الوعي الجمعي
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 09 - 2025

المولد النبوي الشريف ميلاد شخصية عظيمة غيرت مجرى تاريخ الإنسانية وميلاد قيم جديدة، وانبثاقًا لنور هاد، ومدرسة إنسانية متجددة، تمتد آفاقها لتتسع لكل زمان ومكان، وتبقى قادرة على إلهام الأجيال وتعليم الأمم، حيث تضع الإنسان في قلب مشروعها، فتحفظ كرامته، وتصون فطرته، وتعيد بناء وعيه بما يجعله أكثر قدرة على التوازن بين متطلبات الجسد وحاجات الروح، وبين مقتضيات الفرد والمصالح العامة، وتحرره من قيود الظلم والتيه والفراغ.
ويعمق فينا قيم العدالة والرحمة والحوار، ويدعونا إلى تجاوز النزاعات الضيقة نحو آفاق أوسع من التعايش والاحترام المتبادل، ويؤكد أن بناء المجتمعات القوية يقوم على أساس التكافل والتسامح والعدل، ومن رحم هذه القيم تتشكل أجيال جديدة قادرة على حمل الرسالة الإنسانية الجامعة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، رسالة تفتح أمام الإنسان أبواب الإبداع، وتحرره من قيود الظلم، وتوجه طاقاته نحو عمارة الأرض.
ويترسخ الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف في استحضار القيم النبوية الخالدة التي جسدها النبي صلى الله عليه وسلم واقعًا حيًا؛ قيم الرحمة التي وسعت الخلق أجمعين، وقيمة العدل التي أقامت الموازين بين الناس، وقيمة الحرية التي حررت الضمائر والعقول من الاستعباد، وقيمة التكافل التي جعلت المجتمع كالجسد الواحد، فالمولد ينبوع متجدد للإلهام، يذكرنا بأن الرسالة المحمدية جاءت لتصنع إنسانًا حرًّا كريمًا، ولتقيم حضارة تبنى على الروح والعقل.
إن استذكار السيرة النبوية هو استنهاض لقوة روحية وأخلاقية قادرة على أن تكون بوصلة لمجتمعاتنا المعاصرة في زمن التحديات والتحولات الكبرى، فالمطلوب اليوم هو تحويل هذه السيرة إلى قوة دافعة للتجديد الحضاري والوعي الأخلاقي، وتعيد الاعتبار لقيم الإنصاف والمساواة، وتقاوم مظاهر الظلم والتهميش، وتؤسس لنهضة قوامها العدل الاجتماعي، والحرية المسؤولة، والتكافل الإنساني، وبذلك يصبح الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف دعوة عملية للعودة إلى الجذور القيمية التي أنارت التاريخ، وتجديد العهد مع الرسالة الخالدة التي جعلت من العدالة والرحمة أساسًا لبناء إنسان أرقى، ومجتمع أعدل، وحضارة أبقى، وأن نكون امتدادًا عمليًا للرسالة، ونجعل من قيم النبي صلى الله عليه وسلم نهجًا يضيء حاضرنا ويهدي مستقبلنا.
ولقد وضعت الرسالة المحمدية الإنسان في قلب مشروعها، فجاء الدين الإسلامي تحريرًا للإنسان من العبوديات الزائفة، وصونًا لكرامته، وحماية لفطرته السليمة التي فطره الله عليها، وهذا المعنى يجعل من المولد النبوي الشريف فرصة سنوية لتجديد الوعي بمركزية الإنسان في أي مشروع حضاري، وتأكيد أن النهضة الحقيقية تبنى على أساس تكريم الإنسان والارتقاء بوعيه وقيمه، فحين نحتفي بالمولد، نحن في الحقيقة نحتفي بفكرة الإنسان المكرم، الذي جعله الله خليفة في الأرض، وحمله مسؤولية الإعمار والإبداع، وميزه بالعقل ،والحرية والضمير، ومن ثم يأتي إحياء ذكرى المولد لتجديد العهد بحماية حقوق هذا الإنسان، ورعاية حاجاته، وفتح الآفاق أمامه كي يبدع ويبتكر ويسهم في صناعة الخير والعدل والجمال.
ويضعنا استلهام هذا المعنى في واقعنا المعاصر أمام مسؤولية كبري وهي أنسنة مشاريع التنمية، وربط كل الخطط الحضارية بغاية واحدة هي بناء الإنسان وتمكينه من الحرية والمعرفة والعدالة، فالحضارة تقاس بما تضعه من قيم تصون كرامة الفرد وتتيح له المشاركة الفاعلة في نهضة المجتمع، فلابد أن نعيد الإنسان إلى مركز الفعل الحضاري، وأن نجعل من رسالته صلى الله عليه وسلم مرجعًا لبناء مستقبلٍ يوازن بين المادة والروح، ويصون كرامة البشر، ويجعل من الإبداع والعمل والإعمار طريقًا لتحقيق الاستخلاف الحق في الأرض.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مهندسًا لبناء وعي جمعي متماسك، فنجح صلى الله عليه وسلم في تحويل مجتمع مفكك تقوم علاقاته على العصبية القبلية، إلى أمة قائمة على أخوة العقيدة والمواطنة، وعلى قيم العدالة والرحمة والتكافل، واستطاع أن يزرع في النفوس وعيًا جديدًا يجعل الانتماء للقيم أسمى من الانتماء للعصبية، ويجعل من الجماعة الإنسانية كيانًا متماسكًا يتجاوز حدود الفردية إلى رحاب المشاركة والبذل والعطاء، ويحول المجتمع إلى جسد واحد نابض بالحياة، قادر على مواجهة التحديات، وصناعة نهضة قائمة على روح التعاون والتكامل.
وإذا كان كثيرون اليوم يتحدثون عن أزمة القدوة في عالم يموج بالنماذج المتناقضة والمضللة، فإن المولد النبوي يقدم لنا الحل في صورة النموذج العملي، فالنبي صلى الله عليه وسلم قدوة حية وخلق يمشي بين الناس، يترجم القيم إلى سلوك ملموس، ويجعل من ذاته مرآة صافية للرحمة والصدق والإيثار، ويعد اكتشاف البعد التربوي في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم يمثل خطوة هامة في تحويل سيرته العطرة إلى مصدر إلهام حي يوجه سلوكنا الفردي، ويضيء اختياراتنا الجماعية، فالنبي كان مربيًا بالفعل، يجسد القيم في حياته اليومية، ويترجمها إلى واقع يراه الناس ويلمسونه في تفاصيل سلوكه وعلاقاته ومواقفه.
وتتجلى القيمة التربوية الكبرى للمولد النبوي الشريف، في كونه ممارسة عملية لتربية النفوس على المحبة الصادقة التي تفتح القلوب على الرحمة، وعلى الصدق في القول والعمل الذي يرسخ الثقة بين الإنسان وربه وبين الناس بعضهم ببعض، وعلى الوفاء بالعهود الذي يصنع الاستقرار ويؤسس لعلاقات إنسانية قوية، وعلى الإيثار الذي يقدم المصلحة العامة على نزوات الذات وشهواتها، وهذه القيم منهج عملي للحياة، به ينهض الفرد ويفلح، وتقوم الجماعة وتتلاحم، وتُبنى الحضارة وتستمر.
وإذا أسقطنا هذه المعاني على واقعنا المعاصر، أدركنا أن أزمتنا الكبرى ليست في قلة الموارد أو ضعف الإمكانات، وإنما في غياب المنظومة التربوية القيمية التي تصنع الإنسان القادر على أن يحول الإمكانات إلى منجزات، وتأتي ذكري المولد النبوي الشريف ليذكرنا بأن النهضة تبدأ من بناء الضمير الإنساني وتربية النفوس على المسؤولية، وأن الحضارة تشيد بالإنسان الذي يحمل قيمها ويجسدها، ومن ثم فإن الاحتفاء بالمولد يأتي تجديدًا للعهد التربوي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نستلهم سيرته لنصوغ مناهجنا التربوية تغرس في أجيالنا القادمة قيم المحبة والصدق والوفاء والإيثار، لتكون قاعدة لبناء مجتمع متماسك، وأمة ناهضة، وحضارة إنسانية تحمل رسالة الخير إلى العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.