ربما نظلم كلمة (أرشيف) إذا قصرناما تعنيه على الاستحواذ على ذاكرة الإبداع المصري عبر أكثر من قرن الزمان.. حاول وأنت تشاهد فيلما سينمائياً قديماً أن تتجاهل قليلا الحكاية والدراما وتتأمل ما يقدم الشريط من (وثائق)... ذاكرة حيه من ملابس وأثاث وشوارع وسيارات وصولاً إلى تصفيفة الشعر وكحل العيون.. حياة كاملة لا بديل عنها لدراسة تاريخ وطن وشخصية مواطن لم تكن متوافرة لكل أجيالنا السابقة.. وثيقة لا تكذب ولا تخضع لأهواء المؤرخين والكتاب ومزيفي التاريخ.. الأمر الذي دعانا أكثر من مرة إلى المطالبة بإنشاء (وزارة للسينما) لا أن تكون تابعة مهملة لوزارة الثقافة تعاني البيروقراطية والإهمال حتى تركتها الدولة تماما وتخلت عن صناعة كنا روادها بل وتركت ثروتها من (الشرائط) تتسرب لتصبح ضمن أملاك الغير ونحن لا نملك – حتى الآن – فرصة استعادتها.. أكثر من مرة وعبر أكثر من 30 عاما أتقدم – ومعي عدد من زملائي المهتمين بمشروع متكامل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث السينما المصرية مجتهدين لتقديم خطة شبه تفصيلية أذكر منهاA-تشكيل مجلس أمناء للأرشيف القومي للسينما المصرية ومتحف السينما المصرية تكون مهمته تحديد طبيعة المهمة الملقاة على عاتقه ودراسة وسائل اقتحام التحديات مثل: 1- تقسيم الأفلام أو الشرائط من حيث الملكية (النيجاتيف).. وطبيعة الشريط (وثائقي – روائي – تسجيلي – رسوم). 2- تقييم حالة الأفلام وما تحتاجه من إصلاح وترميم من كل الجوانب. 3- مخاطبة الجهات المستحوذة على الأصول وتجميع نسخ منها جميعاً لتكون ملكا للأرشيف للإستخدام غير التجاري وللأغراض البحثية والتبادل الثقافي.. إلخ على أن تكون نسخاً جيدة غير قابلة للتلف. 4- البحث عن مقر مناسب يصلح علميا لحفظ الأفلام وإتاحة الفرصة لكل المهتمين بالإطلاع على ما يفيد ابحاثهم وعمل برامج دورية للعروض المختلفة للأغراض الثقافية. 5- أن يتمتع مجلس الأمناء بالقدرة على الاتصال بحرية ودون معوقات إدارية أو بيروقراطية بكل الجهات التي يمكن أن تحول المشروع من الداخل والخارج باعتباره مشروعاً قومياً ملحاً يهم العالم كله وليس مصر فقط حيث أننا أقدم صناعة في المنطقة كلها ولا يخفي التأثير الثقافي والاجتماعي والسياسي للسينما بشكل متزايد. (يكفي أن تنظر إلى النموذج الأمريكي الذي نجحت للأسف صناعة السينما الجبارة في الولاياتالمتحدة أن تجعله المثال الذي يسعي كل شباب العالم إلى تمثله لا وبل الخضوع التام لمنطقة ورغبته العارمة في تشييد مفاهيم القوة وتراجع القيم الإنسانية التي ضحى البشر في سبيلها كثيرا عبر التاريخ). 6- لابد أن يتم تشكيل مجلس الأملاء بعناية شديدة حتى خبراء وصناعة السينما المحترمين وأن تكون رئاسته الشخصية عامة مرموقة تحظى باحترام عربي ودولي وأن يتولى اختيار مساعديه المحترمين كل في مجاله وأن يتفرغوا تماما لمهمتهم خاصة في سنوات التأسيس. 7- أن تكون ميزانية الأرشيف مستقلة (كمؤسسة سيادية) لا تخضع للبيروقراطية وبالطبع تحت رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يناقش الجمعية العمومية سنوياً ويحاسبها على كل إنجاز أو إخفاق. 8- أن يفتح مجال التعاون مع المحافظات المختلفة لإنشاء فروض للأرشيف في العديد من المدن المصرية تضمن تكافلية الفكرة وعدم احتكار القاهرة لهذا النشاط الهام ما يجعل كل شباب الوطن جزء من الاهتمام العام بالثقافة والفن.. وممكن أن تكون هذه الفروع ضمن مشروع تطوير قصور الثقافة الجماهرية التي تسمع للأسف عن محاولات تصفيتها وهدمها. وبعد أن يبدأ المشروع فعلياً يتم تشكيل مجلس إدارة للأرشيف والمتحف (وأقترح أن يكون تابعاً مباشرة لرئيس الجمهورية) أو أن يكون بصيغة مستقلة مثل مكتبة الإسكندرية تتيح لها حرية الحركة وتبادل المعرفة والنشاط مع كل المؤسسات الثقافية في مصر والعالم العربي وأفريقيا والعالم دون قيود رقابية أو تعنت بيروقراطي كلما تذكرت أن (قصر الأمير طوسون) بصريا كان قد خصص مبدأياً لمشروع الأرشيف وعندما ذهب وفد من السينمائيين إلى وزير الآثار (بعد انفصالها عن الثقافة) مطالباً بتسليم القصر وبأننا نملك موافقة رئيس الوزراء قال الرجل: روحوا خدوه من رئيس الوزارة.. هكذا..