لعله من قبيل التكرار (ولكنه تكرار حميد!) استعادة الكتابات المتعددة، والمواقف المتنوعة، التي كتبها واتخذها طه حسين، خلال الطريق الطويل الذي قطعه من أجل تجديد اللغة العربية، وتيسيرها، وربطها بالعصر الحديث ومتطلباته، والنظر إلى اللغة العربية على أنها ظاهرة لا تتوقف عن النمو والتجدّد، وأننا مسؤولون عنها في زمننا هذا، كما كان أجدادنا وأسلافنا مسؤولين عنها في أزمنتهم. ولعله من قبيل التكرار أيضا، الحميد كذلك، أن أستعيد بعض ما كتبته، حول ما طرحه طه حسين في غير كتاب مما كتب، وفي غير موقف مما اتخذ، في هذه الوجهة المهمة التي نشهد ظواهر كثيرة فيها، وتمثيلات عدة لها.. كلها تعدّ مشكلات لا يتصدى لها أحد بما يكفي لحلها، وكلها تعبر عن وضع يرى كثيرون أنه يستحق التغيير، ولكن لا يشارك كثيرون في اتخاذ مواقف عملية من أجل القيام بهذا التغيير. كان مما كتبته: " ظل طه حسين يدافع في كتابات متنوعة وفي مواقف كثيرة عن مسؤوليتنا، في عصرنا هذا، عن لغتنا العربية، وعن دورنا الواجب في تيسيرها وتطويرها بحيث تتلاءم ومتطلبات عالمنا. ومن ذلك إشاراته المتعددة ودعوته المتكررة إلى "تيسير أو إصلاح الكتابة بالعربية" وتطوير النحو، ورؤيته حول ضرورة مشاركة جهات عدة في ذلك، منها مجامع اللغة العربية، والحكومات، والمؤسسات والأفراد، انطلاقا من الحرص على تمكين اللغة بعبارته: "من أن تتطور مع الزمن، ومن أن تلائم العصور المختلفة التي تعيش فيها". وفيما يخص تدريس قواعد النحو العربي، يجب، في تصوره، ألا نثقل على الدارسين بالدراسات التي يجب أن يعنى بها المتخصصون، بكل ما فيها من عسر والتواء. وبوجه عام، بلور طه حسين تصوراته حول علاقتنا بلغتنا الموروثة في "أن نحيي اللغة ونذللها ونجعلها أداة صالحة لما نحتاج إليه في عصرنا الحديث" (من كتابه "أدبنا الحديث ما له وما عليه"). وقد عاب طه حسين على "المحافظين" في اللغة والأدب تقديسهم للغة، وإحاطتهم لها بهذا الإجلال الديني الذي يعصمها من التطور ويحميها من التجديد" (من كتابه "خصام ونقد")". .. "مثل هذه النظرة إلى اللغة، باعتبارها "ظاهرة تاريخية"، تنمو وتتجدد باستمرار، أو يجب أن تنمو وتتجدد باستمرار، اقترنت بمناقشات طه حسين لقضية العلاقة بين الفصحى والعاميات العربية، وتزايد الهوة بينهما، كما اقترنت طبعا بحضور هذه القضية في عدد من الأعمال الأدبية المهمة (ومنها بعض كتابات يوسف إدريس ونجيب محفوظ، مثل: "أرخص ليالي" و"زقاق المدق" و"الثلاثية"). والحقيقة أن هذه النظرة للغة العربية، وهذه الدعوة لتطويرها ولتيسير دراسة نحوها، لا تزال مطروحة الآن، وتستحق أن تشارك جهات ومؤسسات متنوعة، من البلدان العربية جميعا، في العمل على تحقيقها بوسائل متعددة. واستكمالا لتصورات طه حسين حول تطوير اللغة العربية، توقف طه حسين وقفات مطولة، في رؤيته لتطوير التعليم، عند "إصلاح اللغة العربية". *** هذا التكرار الحميد، وهذه الاستعادة الضرورية، أمر طبيعي.. ببساطة لأن دعوة طه حسين هذه، التي نادى بها كثيرا، وألح عليها طويلا.. لم تنتقل حتى الآن من نطاق الدعوة إلى مجال التحقق الفعلي..لم يأخذ بها أو يعمل بها أحد.. ظلت اللغة العربية غريبة أو كالغريبة، وظلت المسافة بينها وبين العامية المصرية (والعاميات العربية عموما) تتزايد يوما بعد يوم، وظل وضعها في التعليم بمراحله المختلفة محاطا بمشكلات شتى.. وإن كانت هذه الظاهرة الأخيرة تنطوي على أبعاد وملابسات كثيرة يصعب اختصارها في عبارات محدودة.