لا تسرف في الحديث عن تفاصيلك، لا تنثر حكاياك الشخصية كما يُنثر الملح على موائد الغرباء، فليس كل من يُنصت لك مُحبًا، ولا كل من يبتسم في وجهك نقي السريرة، بعض القلوب تُصفق لك بيد، وتخفي في الأخرى سكينًا. الناس أمزجة، والطباع كالمناخ، تتغير في لحظة دون سابق إنذار، ما يسعدك قد يُقلق غيرك، وما تراه نجاحًا قد يراه آخر عبئًا على قلبه المثقل بالحسرات، لا تبالغ في عرض صورتك السعيدة، فليست كل العيون تتمنى لك الخير، وبعض النظرات تُحرق دون دخان. هناك من لا يحتمل أن يرى النور في عيون غيره، ومن يختنق إذا شمّ رائحة الرضا تسكن حديثك، الحسد ليس خرافة، بل شعور مريض يسكن بعض النفوس، يجلس في الزاوية يترقب، لا يفرح لك، ولا يتمنى لك السقوط بل ينتظره كما ينتظر العطشان قطرة الماء. النعم لا تحتمل الضجيج، كل نعمة تُجهر قبل أوانها، تُستهدف قبل أن تنضج، الستر لا يكون في الثياب فقط، بل في الأحاديث أيضًا، فبعض الكلام إذا خرج من فمك خرج منه شيء من بركته، وبعض الفرح إذا وصفته، سُرق منك دون أن تدري. القلوب خزائن، وبعض المفاتيح لا تُعطى لأحد، فاحتفظ بأسرارك كما يحتفظ البحر بأعماقه، قل ما يكفي ولا تُفصّل، كن كالنخلة، واقفًا على أرضك، مثمرًا، لكن دون أن تُحدث ضجيجًا وأنت تهز أغصانك، ليس من الكياسة أن تُفرغ قلبك على الملأ، فبعض الأحاديث تُستخدم ضدك في اللحظة التي تظن فيها أن الجميع معك. قل القليل، ودع الباقي لله، من يعرف قيمة ما يملك لا يُعلنه، بل يحفظه في القلب كآية لا تُتلى إلا في محراب الدعاء، اجعل بينك وبين الناس مسافة من الحكمة، لا جدارًا من العزلة، لكن مساحة كافية لتمنع العيون من التسلل إلى ما لا يعنيها. لا تكن كمن يُخرج كنوزه في السوق ليراها الجميع، فالذهب إذا كُشف بلا حراسة صار مطمعًا، وإن بقي في الخزائن ازداد قيمة، وكذلك حياتك، كلما صنتها ارتفعت، وكلما بُحت بها استُنزفت. احكِ فقط لمن يُصغي بقلب نقي، لا بمن يُخزن الكلمات في صندوق الغيرة، واذكر نعم الله عليك في سرك، شاكرًا، دون استعراض، فما أضيق قلبًا امتلأ حسدًا، وما أوسع صدرًا حفظ ما فيه من فرح دون أن يُضيّعه على عتبات المجاملة. الصمت أحيانًا عبادة، والصون شكر، والسكوت عن تفاصيلك الشخصية ليس خوفًا، بل حكمة، فكن حكيمًا في ما تقول، أمينًا على ما تعيش، فالنعم إذا لم تُصن ضاعت، وإن لم تُخفِها العين، افترستها القلوب.