لا أعرف مدى صحة أو عدم صحة البيان، الذى تناقلته مواقع التواصل الاجتماعى خلال الأيام القليلة الماضية، والصادر - وفقاً لما هو منسوب فى نهايته - عن جماعة الإخوان الإرهابية، والذى تعلن فيه اعتزالها العمل السياسى فى مصر وتفرغها للعمل الدعوى خلال المرحلة الحالية. لا يهمنى - فعلاً - أن أعرف إن كان البيان المنسوب للجماعة حقيقى أم مزيف، لكن يهمنى أنه يتبنى موقف الجماعة الدائم وقت الأزمات، فهى دوما ما تؤكد على أنها "اعتزلت السياسية" وتفرغت للعمل الدعوى! ولا أعرف من قال أن هذه الجماعة هى جماعة دعوية أو دينية فى الأساس، فهذا ترويج كاذب وادعاء ليس فى محله، من الذى أعطاها هذه الإجازة الشرعية فى أنها جماعة دعوية؟ فهذه الجماعة تعد واحدة من أبرز جماعات الإسلام السياسى، والحاضنة للعنف منذ تأسيسها فى مصر عام 1928. الخطير حقاً أن تشكيل مكتب الإرشاد الأول لم يكن به رجل دين واحد، حتى حسن البنا نفسه الذى نصب نفسه مرشداً عاماً للجماعة لم يكن رجل دين، ولذلك فقد حرصت الجماعة على رفع شعارات دينية واجتماعية لجذب التأييد الشعبى، وكسب المزيد من التعاطف بين الجماهير. ومع تطور الأحداث السياسية عبر ما يقارب قرن من الزمان، خاصة بعد ما عرف ب"الربيع العربى"، تصاعدت حدة الاتهامات للجماعة ب"الانتهازية" واستخدام خطابٍ سلمى "تكتيكى" لضمان بقائها على الساحة، رغم ثبوت اتهامات أخرى وجهت لها بالتورط فى أعمال عنف أو التخطيط لها عبر ما يُعرف ب"الخلايا النائمة" التى اضطرتها الظروف إلى أن تطفو على الساحة، وتتحول إلى "خلايا يقظة"! ظل الاتهام الرئيسى لجماعة الإخوان ينحصر فى استغلال الخطاب السلمى كغطاء لتحقيق مكاسب سياسية، فبعد يناير 2011، قدمت الجماعة نفسها كقوة معتدلة رشيدة ومنفتحة على العالم وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة، وفى هذا الإطار أصدرت بيانات تُؤكد التزامها بالديمقراطية وحقوق الإنسان وقبول الآخر. كل ذلك ساعدها فى معركتها "الحاسمة" و"غزوتها الصناديقية" فى الفوز بالانتخابات البرلمانية والرئاسية عام 2012، لكن منتقديها دائماً ما كانوا يتوقفون عند هذا الخطاب، الذى كان مُجرد "تكتيك" لاحتواء التيارات المعارضة وكسب الشرعية الدولية، بينما استمرت كوادرها فى ممارسات إقصائية تجاه خصومها، كحل البرلمان وتعطيل الدستور، مما ساهم فى التمهيد لثورة 30 يونيو المجيدة عام 2013. ظل مصطلح "الخلايا النائمة" ملازماً لتحركات الإخوان، فى إشارة إلى كوادر الجماعة الذين يعملون سراً بهدف إعادة تنظيم الصفوف وفق هيكل عنقودى معقد، وهى مجموعات متفرقة - ما بين الداخل والخارج - تعتمد على التخفى وعدم المواجهة المباشرة، مع الحفاظ على ولاءٍ تنظيمى داخلى للجماعة الأم وجهازها وتنظيمها الدولى. كل ذلك دفع الجماعة إلى حلم واحد، يتلخص فى الاستفادة من الأزمات، وفى مقدمتها الاضطرابات السياسية العالمية وانعكاساتها الاقتصادية لتحريك أنصارها، فى اتجاه معاكس، عبر وسائل التواصل الاجتماعى. على مدى السنوات الماضية كان "حلم العودة" مشروعاً استراتيجياً للجماعة، تمثل فى محاولات العودة إلى المشهد مرة أخرى، وفى هذا الصدد حاولت قيادات الجماعة خارج مصر إعادة إنتاج نفسها، من خلال عدة محاور فى مقدمتها التحالفات الإقليمية، وشن حرب إعلامية استخدمت فيها كل المنصات المعادية كل إمكاناتها ضد الدولة المصرية. وخلال هذه السنوات لعبت الجماعة على وتر "التناقضات الدولية"، كتقديم نفسها كبديل معتدل فى مواجهة التطرف، رغم تشكيك العديد من الحكومات فى قدرتها على القيام بهذا الدور. وضعت ثورة 30 يونيو ضوابط حاسمة فى التعامل مع هذا التنظيم الفاشى، فى مقدمتها رفض واسع لعودة الإخوان إلى المشهد لأسباب جوهرية فى مقدمتها الاستقطاب السياسى وتهميش مؤسسات الدولة لصالح ولاءات تنظيمية، والخطاب الدينى المُسيّس الذى استُخدم لتكفير المعارضين. جاء ذلك فى الوقت الذى واجهت فيه الجماعة عزلة دولية تتزايد دوماً، بعد تصنيفها كجماعة "إرهابية" من عدة دول، مما جعلها تواجه تحديات "وجودية" بعد "30 يونيو" ما بين رفض شعبى داخلى وعزلة إقليمية، مع صعوبة إثبات مصداقية - أو الإشارة - أن خطابها "معتدل". الجماعة تعانى من "حالة يأس"، أسقطتها فى بحور من "الأوهام" على أمل العودة.. التى لم ولن تكون ..! [email protected]