انتهت انتخابات الصحفيين، وأكتب الآن بينما تنعقد الجمعية العمومية من أجل مناقشة التقارير المالية والنقابية، وأيضا لاختيار نقيب و6 أعضاء، بعد مرحلة دعاية اتسمت فى أغلبها ب«الطبيعية»، مع استثناءات وظواهر تمثل ما أسميناها «أعراضا جانبية»، يمكن علاجها، أكتب الآن بعد أن انتهت انتخابات الصحفيين وصوت أعضاء الجمعية العمومية، وتكون النتيجة أعلنت، وما جرى فى الانتخابات، بكل ما أحاطها، هو أمر طبيعى فى أى انتخابات ديمقراطية، ومن تابعوا «انتخابات الصحفيين» خلال عقود، يعرفون أن هذه طبيعة الأمور، فى نقابة الصحفيين، وفى كل انتخابات، وكل طرف يحرص على تقديم نفسه بشكل مثالى، مع الأخذ فى الاعتبار أن مواقع التواصل أفرزت أشكالا من التشابك وبعض الصدامات والاعتداء على الخصوصية وتجاوز قواعد الاحترام ومواثيق الشرف، لكنها بالفعل ظواهر يعانى منها الصحفيون مثلما يعانى المجتمع، بل إن هذه الظواهر من غياب القواعد، أو العمل ببيانات وحسابات مجهلة، أو عدم الخوف من العقاب، تفرض علينا أن نبحث عن أفضل الطرق التى نحافظ فيها على حقوق الأفراد من التشهير أو الاعتداء على الخصوصية. ونقول إن الصحفيين جزء من المجتمع، وبالتالى يعانون مما يعانى منه، وهو ما يؤكد أنهم بحاجة إلى مناقشة ما يتعلق بالخصوصية، والبحث عن الحدود الفاصلة بين العام والخاص فى ما يتعلق بحياة الآخرين، وكيفية مواجهة التشهير أو الانتقام، والاغتيال المعنوى، وهى ظواهر أفرزتها الانتخابات، وتوجد فى المجتمع الافتراضى، وتتطلب شجاعة فى الطرح والمناقشة والمواجهة، وللأسف تأتى من كل الأطراف، وتتطلب قدرة على المناقشة والتفاعل، بحيث تتوازن بين الحريات والعدوان على الخصوصية أو ارتكاب أفعال التشهير، ربما لسنا بحاجة إلى قوانين جديدة، بل بحاجة لفرض نوع من الوعى بأن الأمر يتعلق بالجميع. على مدار عقود، منذ منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، تابعت - مع زملاء وأصدقاء - الانتخابات النقابية، كنا نؤيد مرشحين فى مواجهة منافسين، نراهن مرات، نربح ونخسر، وفى كل مرة نحتفظ بالاحترام المتبادل والصداقات والزمالة، وتبدو الانتخابات أحيانا فى بعض مراحلها أقرب لسباقات بين مشجعى كرة القدم، جمهور عريض يتنافس، وألتراس قليل يثير الصدامات والمجادلات، ويبدأ التحضر من بناء قدرات على المنافسة من دون فقدان الاحترام والحد الأدنى من المنافسة. والواقع أننا - على مدار كل هذه العقود والانتخابات - كنا نحزن لخسارة مرشحنا أو نفرح بفوز من نؤيده، وفى النهاية نشعر بأهمية تداول السلطة داخل نقابة الصحفيين، وهى ميزة نتمنى ألا نخسرها لأنها ضامن مهم، وسياق نتمنى أن نراه يتسع، لأنه يضاعف من قدرة المجتمع على المنافسة والفرز. اللافت للنظر فى انتخابات نقابة الصحفيين، أنها بالرغم من أن عدد الجمعية العمومية ليس كبيرا، لكن انتخابات نقابة الصحفيين بالذات تحظى بمتابعة واهتمام ليس فقط بين الصحفيين، ولكن أيضا من أطراف أخرى بالمجتمع، سياسيين ونشطاء وشخصيات عامة، بل وأحيانا أطراف خارجية، وبدرجة كبيرة، وذلك لأن الصحفيين يحظون باهتمام ومتابعة من الكل، وبالطبع فإن النقابات الأخرى تحظى بمتابعة واهتمام، لكن الأمر مع الصحفيين مختلف، وربما لأن الصحافة تعكس الكثير وتمثل ملامح كبرى ومركز اهتمام. كل هذا يجعل الصحفيين تحت المجهر والأضواء، ويعيدنا الى أهمية فرض القضايا الحقيقية، وعدم الانجرار إلى زوايا غير مرغوبة، والصحفيون بحاجة إلى السعى لتطوير المهنة، والاهتمام بالتدريب والتشغيل، فى وقت تواجه فيه أدوات الإعلام التقليدية تحديات متسارعة، ومنافسة من أدوات التواصل والأشكال غير التقليدية، ومعها بحاجة إلى خدمات تتعلق بضمانات العلاج والمعيشة بالشكل الذى يمكنهم من تطوير قدراتهم وتأمين حياتهم، ومن هنا فإن المهنة مع الحريات مع الخدمات تتفاعل لتصنع سياقا لا يمكن مغادرته. وفى كل الأحوال فإن ارتفاع نسبة المشاركة فى انتخابات نقابة الصحفيين، هى الطريق للاختيار الأفضل، وتداول سلطة لصالح المهنة والمجتمع. مقال أكرم القصاص فى العدد اليومي