تأتى زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للقاهرة، فى ظل ظروف بالغة الدقة والخطورة تمر بها المنطقة، واشتعال الأوضاع والتوترات، سواء في فلسطين بقطاع غزة والعدوان الإسرائيلي الغاشم وحرب الإبادة الجماعية ضد أهالي غزة، أو سوريا واليمن وليبيا والسودان وغيرها، والتداعيات الاقتصادية والسياسية الخطيرة المترتبة على هذه الأوضاع، وما تواجهه الدولة المصرية من تحديات كبيرة. إن زيارة الرئيس الفرنسي في هذا التوقيت مهمة للغاية وحملت رسائل هامة تعكس أهمية وقيمة ومكانة الدولة المصرية ودورها المحوري والرئيسي في المنطقة، باعتبارها من أهم الدول في الشرق الأوسط، وتعكس نظرة العالم لمصر باحترام وتقدير، وكيف استطاع الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يضع مصر في مكانتها الطبيعية على مستوى العالم، هذه الزيارة تتعدد مكاسبها الاقتصادية والسياسية لمصر. فأنظار العالم كله على مدار اليومين الماضيين وجهت صوب مصر من خلال الاهتمام الكبير من وسائل الإعلام العالمية بمتابعة زيارة الرئيس الفرنسي للقاهرة وتوقيع شراكة استراتيجية مع مصر، وعقد قمة ثلاثية بين مصر وفرنسا والأردن في القاهرة أمس الاثنين حول الوضع الخطير في غزة. رأينا الرئيس السيسي ونظيره الرئيس الفرنسي يتجولان في شوارع القاهرة بين المواطنين في منطقة خان الخليلي والترحيب الكبير والسعادة من الناس في استقبالها في شوارع مزدحمة بالأهالي، وكيف انبهر ماكرون بالقاهرة التاريخية والتراث المصري، لتعكس هذه الزيارة الاستقرار والأمن والأمان في مصر ومدى أهمية ذلك في جذب الاستثمارات الأجنبية، وكذلك جولة الرئيس الفرنسي داخل مترو الأنفاق وزيارته لجامعة القاهرة، وإشادته بمصر والمشروعات التنموية التي شاهدها في المحروسة، واهتمام مصر بالتعليم والبحث العلمي، ورغبته في تعزيز التعاون بين مصر وفرنسا في مختلف المجالات. نتحدث عن زيارة لرئيس دولة أوروبية قوية ينظر لمصر باعتبارها حليف وصديق استراتيجي لبلاده، وتأكيده على دعم فرنسا لموقف مصر القوي ودورها المؤثر في دعم القضية الفلسطينية ورفض تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية، ودعم مصر في مواجهة التحديات الاقتصادية وما تعانيه بسبب تداعيات الأزمات والتوترات وتطورات الأوضاع في المنطقة، مما يساهم في تعزيز الدعم الدولي بموقف الدولة المصرية. ونؤكد على أهمية الزيارة والقمة الثلاثية بين مصر وفرنسا والأردن، في التأكيد على ضرورة تسوية القضية الفلسطينية وحل الدولتين، ودعوة القادة الثلاثة إلى عودة فورية لوقف إطلاق النار، لحماية الفلسطينيين وضمان تلقيهم المساعدات الطارئة الإنسانية بشكل فوري وكامل، والدعوة لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 19 يناير 2025 الذي نص على ضمان إطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين، وضمان أمن الجميع، وحماية المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية، وضمان إمكانية إيصال المساعدات بالكامل، والتعبير عن عن قلقهم البالغ بشأن تردي الوضع الإنساني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ودعوتهم إلى وقف كل الإجراءات الأحادية التي تقوض إمكانية تحقيق حل الدولتين وتزيد التوترات، والتأكيد على رفضهم لتهجير الفلسطينيين من أرضهم وأية محاولة لضم الأراضي الفلسطينية، والدعوة إلى الدعم الدولي لخطة إعادة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة العربية التي عقدت في القاهرة في الرابع من مارس الماضي، واعتمدتها منظمة التعاون الإسلامي في السابع من مارس، وغيرها من قرارات تعزز موقف الدولة المصرية. يأتي ذلك بالإضافة إلى المكالمة الهاتفية المشتركة التي أجراها قادة مصر وفرنسا والأردن مع الرئيس الأمريكي"ترامب" لضمان وقف إطلاق النار بشكل عاجل في قطاع غزة والتأكيد على ضرورة استئناف الوصول الكامل لتقديم المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين، وأهمية تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أفق سياسي حقيقي وتعبئة الجهود الدولية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، واستعادة الأمن والسلام للجميع، وتنفيذ حل الدولتين، والتأكيد على أهمية الإسراع بتحقيق السلام في أوكرانيا بما يتماشى مع القانون الدولي والحاجة المشتركة للأمن والاستقرار الدوليين. هذا فضلاً عن المكاسب الاقتصادية من زيارة الرئيس الفرنسي، حيث وصلت العلاقة بين البلدين إلى الشراكة الاستراتيجية، وما تم توقيعه من مذكرات تفاهم وتعاون فى مجالات الصحة والنقل والتعاون الفنى، شملت تمديد خارطة الطريق للتعاون في تنفيذ الخط السادس لمترو الأنفاق بالقاهرة، وتوقيع إعلان نوايا بين وزارتي التعليم العالي في البلدين، بالإضافة إلى توقيع إعلان مشترك بشأن أربعة مشروعات استثمارية تضامنية، وتوقيع مذكرة تفاهم لإنشاء 100 مدرسة فرنكفونية في مصر، كما وقعت مصر وفرنسا اتفاقية تعاون لتطوير، تمويل، بناء، وتشغيل محطة متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، بما في ذلك الأمونيا الخضراء، في محيط منطقة رأس شقير، بتكلفة استثمارية إجمالية لمراحل المشروع الثلاثة تبلغ 7 مليارات يورو للوصول لإجمالي إنتاج مليون طن سنويا، يتم تمويلها بالكامل من قبل شركة المشروع. وما شهدته زيارة الرئيس الفرنسي للقاهرة وجولاته وفعاليات المنتدى الاقتصادي المصري الفرنسي يؤكد أن الروابط المصرية الفرنسية ترتقي إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة وتفتح مجالًا أوسع للتعاون الإقليمي وزيادة المشروعات المشتركة في مختلف المجالات، حيث إن الاستثمارات الفرنسية الحالية في مصر تبلغ حوالي 7.7 مليار دولار من خلال 180 شركة فرنسية توفر نحو 50 ألف فرصة عمل، كما بلغ التبادل التجاري بين البلدين 2.8 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 14%، الزيارة فتحت المجال أمام فرص استثمارية متميزة أمام مجتمع الأعمال الفرنسي في مجالات التحول الأخضر والطاقة الجديدة والمتجددة والصناعات التحويلية والاقتصاد الرقمي، وتجسد عمق العلاقات التاريخية والاقتصادية والاستراتيجية بين مصر وفرنسا، في ظل قيادة سياسية واعية تدرك أهمية تعزيز الشراكة، وتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي، بما يحقق مصالح البلدين بصورة مستدامة ومثمرة. وفرنسا تعد شريكا استراتيجيا لمصر على المستويين الاستثماري والتجاري، حيث تسهم الشركات الفرنسية بدور بارز في العديد من القطاعات الحيوية مثل الصناعات التحويلية والدوائية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي، والنقل والبنية التحتية، والبنوك والخدمات المالية، وهى قطاعات تُشكل عصب الاقتصاد الوطني، وتعكس الثقة الكبيرة التي تحظى بها مصر من المستثمرين الفرنسيين، وذلك سيعزز ويشجع على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر ورغم ما يشهده العالم من تحديات اقتصادية وتجارية وتغيرات جيوسياسية متسارعة، فإن هذه الظروف تدفع مصر لتكثيف التعاون مع شركائها وتوحيد الجهود، وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية للنمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة، حيث تحرص الدولة المصرية على تعزيز التعاون الاقتصادي مع العديد من الدول والشركاء الدوليين من خلال توفير مناخ استثماري أكثر تنافسية وجاذبية للاستثمارات المحلية والأجنبية، يرتكز على الشفافية والوضوح في السياسات، وتوفير البيئة المؤسسية والتشريعية الداعمة، وتحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات وتذليل التحديات أمام المستثمرين، مع تعزيز دور القطاع الخاص كشريك رئيسي في التنمية.