ربما تمثل تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تحولا، فقد قال ترامب: «لا أحد سوف يطرد أحدا من غزة»، فهل يمكن اعتبار هذا تراجعا عن المخطط الذى سبق وطرحه، وواجه رفضا مصريا حاسما وأيضا استهجانا حتى داخل الولاياتالمتحدة؟. الواقع أن التناقضات والتراجعات لدى الرئيس ترامب تتكرر، فقد علق قرارات فرض رسوم على بعض الدول، وأعلن أن التهجير مجرد اقتراح، ثم إن الجانب الأمريكى عاد وقال إن الخطة العربية لإعادة الإعمار قابلة للمناقشة وبها عناصر جذابة، وبالتالى فإن التناقضات لا تتعلق بالشرق الأوسط فقط، وأن مخططاته واقتراحاته حول تهجير سكان غزة أو تحويلها إلى ريفيرا، كلها مجرد قرارات متناقضة، وبعد ساعات قليلة من فرضها، أعلن البيت الأبيض مساء إلغاء مضاعفة الرسوم الجمركية التى قررها الرئيس دونالد ترامب على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم الكنديين، الأمر الذى أثار تساؤلات حول استراتيجيات التجارة الأمريكية ومدى إدراك الرئيس ترامب لتأثيرها على الاقتصاد العالمى. كما أن القرارات الأمريكية تواجه بقرارات مضادة ضمن المعاملة بالمثل، فقد أعلن الاتحاد الأوروبى فرض رسوم جمركية مضادة على سلع أمريكية بقيمة 26 مليار يورو «28.33 مليار دولار» اعتبارا من الشهر المقبل، ردا على الرسوم الجمركية التى فرضتها الولاياتالمتحدة على واردات الصلب والألومنيوم، وجاء هذا الإعلان فى بيان صادر عن المفوضية الأوروبية 12 مارس، فى خطوة تزيد من التوترات بين الحليفين التقليديين، فى مؤشر على أن الحرب التجارية بين الاتحاد الأوروبى والولاياتالمتحدة تتجه إلى تصعيد جديد، مع فرض رسوم جمركية متبادلة قد تؤثر فى الاقتصاد العالمي، وبينما يسعى كل طرف لحماية مصالحه، وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبى لن يقف مكتوف الأيدى، وسيتخذ إجراءات لحماية المستهلكين والشركات الأوروبية، ويتوقع أن يكلف هذا القرار سيجبر المستوردين الأمريكيين على دفع ما يصل إلى 6 مليارات يورو إضافية كرسوم جمركية. وضمن ردود الأفعال، قال رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، إن «جميع الخيارات مطروحة» فى الوقت الذى تخطط فيه لندن للرد على فرض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رسوما جمركية عالمية على الصلب والألومنيوم، ووفقا لصحيفة الإندبندنت، أشار رئيس الوزراء إلى أن بريطانيا قد تنظر فى فرض رسوم انتقامية. كل هذه الخطوات تشير إلى خلافات كبيرة للولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين، مثلما ظهر الخلاف حول أوكرانيا بعد طرد الرئيس الأوكرانى زيلينيسكى من البيت الأبيض، والحديث عن العودة عن قرار وقف التسلح، فى حين أعلن مسؤولون إنه تم استئناف إمدادات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا، يوم 12 مارس، بعد يوم من إلغاء إدارة الرئيس ترامب تعليق المساعدات العسكرية إلى كييف فى حربها ضد روسيا، بينما ينتظر المسؤولون رد الكرملين على اقتراح لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما حظى بتأييد أوكرانيا. وكان قرار الإدارة الأمريكية باستئناف المساعدات العسكرية بعد محادثات الثلاثاء مع كبار المسؤولين الأوكرانيين فى السعودية بمثابة تحول كبير فى موقفها، فى حين أفاد المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف، بأنه من المهم عدم «التسرع» فى مسألة الرد على وقف إطلاق النار الذى اقترحته واشنطن، وقال إن موسكو فى انتظار «معلومات مفصلة» من الولاياتالمتحدة، وقال الرئيس ترامب إن «الأمر متروك لروسيا الآن» فى الوقت الذى تضغط فيه إدارته على موسكو للموافقة على وقف إطلاق النار.بينما جدد الرئيس ترامب تهديداته المبطنة بفرض عقوبات جديدة على روسيا، مضيفا: «بإمكاننا فعل ذلك، لكننى آمل ألا يكون ذلك ضروريا». من جانبها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن مستشار الأمن القومى مايك والتز تحدث يوم الأربعاء مع نظيره الروسى، وقالت إن المبعوث ستيف ويتكوف، سيتوجه إلى موسكو لإجراء محادثات مع المسؤولين الروس حين نشرت وكالة «رويترز» نقلا عن مصادر أن روسيا قدمت للولايات المتحدة قائمة مطالب للموافقة على اتفاق ينهى حربها على أوكرانيا ويعيد ضبط العلاقات مع واشنطن، وأن هذه المطالب تتعلق بملكية روسيا لشبه جزيرة القرم، وتعهد بعدم توسيع حلف الناتو، أو انضمام أوكرانيا للحلف، وهى نفس المطالب القديمة، ثم إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ظهر بالزى العسكرى فى زيارة لمنطقة كورسك التى تتعرض لهجوم من القوات الأوكرانية، ودعا إلى هزيمة كييف بشكل كامل، فيما بدا تمسكا بشروط موسكو، وأيضا تلويح لمواجهة التهديدات المبطنة من ترامب. كل هذه التفاصيل تشير إلى أن هناك احتمالات لمزيد من التراجع، وأن سياسات واندفاعات الرئيس ترامب، فى الاقتصاد أو السياسة، وهو ما يجعل إعلانه التراجع عن خطط التهجير، ضمن سياسة أصبحت علامة واضحة.